يبدو ان العالم الرئيس الذي أسيئت سمعته لوزارة التربية، الدكتور غابي افيتال، شخص أكثر انفتاحا وتنورا من سكرتير الحكومة المقدر، المحامي تسفي هاوزر. ففي حين أن افيتال الذي اصبح بين عشية وضحاها سخرية وتهكما في عيون الجميع، أراد ان يدرس نظريات (واعتقادات) أخرى تزاد على الداروينية، يريد هاوزر، بايحاء من رب عمله، بنيامين نتنياهو، ان يهب لنا رواية واحدة وحيدة. لم يدع افيتال "الظلامي" الى تجاهل الداروينية؛ اما نتنياهو وهاوزر "المستنيران" فيصران على تجاهل أكثر التاريخ. 400 مليون شيكل و150 "موقع تراث على الانترنت" وأكذوبة واحدة قديمة كبيرة هي: شعب بلا أرض أتى أرضا بلا شعب. بعد أكثر من 100 سنة صهيونية وأكثر من 60 سنة من وجود دولة اسرائيل ما تزال تحتاج الى الاخفاء، والتنكر، والطمس على الحقائق والتغطية عليها، من أجل تسويغ وجودها؛ لا يوجد برهان أكبر من ذلك على عدم ثقتها بعدلها. "ليس هذا يوم عيد للمؤمنين بما بعد الصهيونية"، قال هاوزر في اليوم الذي أجيزت فيه خطته؛ صحيح هذا يوم عيد لرجال الدعاية. يمكن أن ندع أحداث الشغب في بيت لحم والخليل: زيد قبر راحيل ومغارة المكفيلا على الخطة كتحرش في اللحظة الاخيرة بضغط من شاس ويبدو ان الجلبة ستهدأ. يجب أيضا قبول التوجه الذي يقول إنه يحل لدولة ولشعب أن يخلدا ماضيهما وتراثهما. لكن دولة غطت بحراج الكيرن كيميت 416 قرية ضائعة وجدت في البلاد مئات السنين، ولا تترك علامة تدل عليها ولا حتى لافتة يجب آخر الأمر أن تهب لمواطنيها التاريخ كله لا فصولا مختارة فقط متعتعة منه. ازاء كون اسرائيل قوة اقليمية، قوية مستقرة، وبخلاف زعمها الداحض، لا يوجد كثيرون في العالم يشكون في حقها في الوجود، كان يجب على حكومة نتنياهو – هاوزر أن تستجمع الشجاعة وأن تقترح خطة تراث حقيقية، الحقيقة الكاملة. لا محو فصول تاريخية كاملة ولا سحق تراث نحو من خمس المواطنين، ابناء البلاد من العرب، القدماء الضاربة جذورهم فيها اكثر من أكثر مواطنيها اليهود. أكوخ صفيح بن غوريون؟ بيقين، بيقين. لكن ماذا عن المقبرة المهملة المحظور دخولها في الشيخ مؤنس؟ عندما يتحدث هاوزر عن "مواقعنا الاثرية" لا يمكن أن يقصد اليهود في الدولة فقط. في سرة بلدة زخاريا في جبال القدس، التي قامت على أنقاض زكريا الفلسطينية، يقوم مسجد مهجور. سافروا الى هناك مرة وسترون الجدار الذي يحيط به. وماذا كتب في اللافتة؟ "حذاري، مبنى خطر". أتوجد استعارة أدق من هذه؟ الرواية الفلسطينية، وهي لا تقل صدقا وأصالة عن روايتنا، ما تزال تعد مبنى خطرا في نظرنا. لماذا؟ اذا كان كل شيء عدلا في 1948، فلماذا نخفي ونهمل ونحيط بجدار ونحذر؟ لماذا لا نرمم، في اطار خطة التراث، وأن نحكي لابناء زخاريا الحقيقة عن الأرض التي يسكنون فوقها. لماذا يعد من "ما بعد الصهيونية" المعيبة ان نقول انه كانت هناك قرية، قامت منذ أيام الرومان والبيزنطيين، وسكنها في القرن السادس عشر 259 نسمة، وسكن في 1948 في بيوتها الـ 181، ألف ومائة وثمانون ساكنا عربيا. يجوز ايضا ان نتحدث عن نهاية القرية وأن نروي كيف أنه في آذار 1949، بعد اقامة الدولة وانقضاء الحرب، في الوقت الذي كانت فيه القرية ما تزال آهلة، كتب المسؤول عن الاقليم في وزارة الداخلية أنه يوجد "في القرية بيوت جيدة كثيرة، وسيكون من الممكن أن نسكن فيها عدة مئات من المهاجرين الجدد"؛ وكيف التقى بن غوريون في اثناء عطلته في طبريا، موشيه شريت وطائفة من الموظفين وقرر طرد سكان القرية، وكيف طردوا في صيف 1950 الى الابد. أليس هذا لذيذا، لكن يجب أن نعلم. فهذا أيضا جزء من تاريخنا. إن خطة نتنياهو لا تتجاوز عن هذا الفصل فقط، بطبيعة الأمر. فهي تتجاوز عن مئات السنين من الاستيطان غير اليهودي لارض اسرائيل. ألكي لا نعلم؟ أيستطيع تراث دعائي أن يغير وجه التاريخ؟ واذا كان الماضي مشكلا الى هذا الحد، فربما ندعه الى أن نستجمع الشجاعة لروايته كاملا. في هذه الاثناء، ربما يحسن أن يكون نتنياهو أكثر انشغالا بالمستقبل. ربما يحسن ان يفكر في أنه ما هو التراث الذي يريد ان يخلفه وراءه؛ ماذا سيدع لورثته – أمواقع معارك، أتراث حرب آخر، أم شيئا آخر ربما من أجل التغيير؟