أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) تقريرًا جديدًا حول الأوضاع في قطاع غزة، لتؤكد مرة أخرى مكانتها كإحدى أكثر المؤسسات الدولية حضورًا ونشاطًا في القطاع، حيث تؤدي رسالتها الإنسانية بأمانة ومهنية عالية. ويشكّل هذا التقرير مرآة صادقة للحقيقة، أشبه بعين الكاميرا التي تلتقط التفاصيل بلا تحريف، كاشفًا زيف الادعاءات الإسرائيلية وفاضحًا الأكاذيب التي يروّج لها نتنياهو وحكومته بشأن الواقع الميداني. ولعل اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي، من بين كل الجهات الدولية، الأجرأ والأقدر على نقل الحقيقة كما هي، بهدوء ودون تزييف، عارضةً مشاهد الكارثة الإنسانية اليومية بطريقة لا تخطئها العين.
لقد أشار التقرير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار منذ 11 أكتوبر 2025، ما أدى إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين الفلسطينيين نتيجة القصف المتكرر للمناطق السكنية ومخيمات النازحين. وفي الوقت نفسه، أكد التقرير أن استمرار هذه الانتهاكات يعمّق مأساة ملايين المدنيين الذين يعيشون تحت وطأة الفقر المدقع، والتهجير القسري، وانعدام الخدمات الأساسية.
كما أوضح التقرير أن إسرائيل تفرض حصارًا خانقًا على القطاع، إذ لا تسمح إلا بدخول 150–200 شاحنة مساعدات يوميًا، في حين يحتاج السكان إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة لتلبية احتياجاتهم من الغذاء والدواء والخيام والملاجئ المؤقتة والوقود ومواد الإيواء الطارئة. وأشارت اللجنة الدولية إلى أن آلاف الشاحنات ما تزال عالقة عند المعابر، بينما تمنع سلطات الاحتلال دخول كميات كبيرة من المواد الأساسية.
وسلط التقرير الضوء على مشاهد مأساوية في المخيمات، حيث أدّت موجة الأمطار الغزيرة إلى غمر آلاف الخيام والملاجئ المؤقتة، بعد أن اختلطت مياه الأمطار بالصرف الصحي، مما يهدد بانتشار الأمراض والأوبئة، خصوصًا بين الأطفال وكبار السن. وروى التقرير قصة أم وضعت مولودها حديثًا، لتجد نفسها محاصرة بالمياه داخل خيمتها مع طفلها، في مشهد يلخّص هشاشة ظروف الإيواء وغياب الحد الأدنى من الأمان.
كما أشار التقرير إلى انهيار شبه كامل في شبكات المياه والصرف الصحي، ونقص المعدات الثقيلة والوقود لدى البلديات وفرق الدفاع المدني، بالإضافة إلى انتشار آلاف الذخائر غير المنفجرة في مناطق سكنية ومخيمات النازحين، مما يشكّل تهديدًا دائمًا لحياة المدنيين وفرق الإغاثة. وأكد التقرير أن المستشفيات تعاني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وأن 70% من الأطفال يعانون من سوء التغذية في ظل استمرار نقص الغذاء وحرمان السكان من الحد الأدنى من المساعدات الإنسانية.
وجاء في التقرير أيضًا أن الاحتلال يواصل منع آلاف الفلسطينيين من العودة إلى منازلهم الواقعة خلف ما يُسمّى “الخط الأصفر”، والذي يبتلع أكثر من نصف مساحة القطاع، ما يجبر العائلات على البقاء في المخيمات والخيام المتهالكة، ويضاعف هشاشة أوضاعهم الإنسانية. وترى اللجنة الدولية أن هذه الممارسات تمثل عقابًا جماعيًا وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون قيود.
باختصار… يؤكد التقرير أن هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة ليست مجرد أرقام وإحصاءات، بل هي مرآة الحقيقة لكل ما يجري على الأرض؛ تكشف الوجه الحقيقي للحصار وسياسات التجويع والتهجير القسري، وتعرّي الادعاءات الإسرائيلية المروّجة إعلاميًا. وهو بذلك يقدّم للمجتمع الدولي شهادة موثوقة عن حجم المعاناة اليومية للمدنيين في غزة، ويضع على عاتق الجميع مسؤولية التحرّك العاجل والفوري لإنقاذ أرواح ملايين الفلسطينيين قبل فوات الأوان.
كلمة أخيرة…
إن هذا التقرير أشبه بحدّ السيف القاطع في كشف ما يتعرض له الفلسطينيين من مظلومية وانتهاكات بحق الإنسانية، ولن تستطيع إسرائيل تغطيتها أو حجبها بغربال الزيف والدجل.


