غزة سما في كل صباح يقود عبد الكريم ابو حصيرة دراجته ذات العجلات الثلاث والتي يحمل عليها بضع فروش من الاسماك التي تعد وجبة غذائية مرتفعة الثمن الى حد بعيد في قطاع غزة بسبب الحصار الذي تفرضه اسرائيل . ومؤخرا اصبح ابو حصيرة ( 63 عاما ) قادرا على الدخول بدراجته المتهالكة الى مناطق فقيرة في مدينة غزة حيث يعيش ليبيع الاسماك هناك والتي انخفضت اسعار الكثير منها بعد ان نجح المهربون في ايصالها الى السوق المحلي من مصر . وقال ابو حصيرة الذي يعول اسرة مكونة من سبعة افراد ويقطن في مخيم الشاطىء بغزة " ان كميات الاسماك التي تهرب من مصر كل صباح في تزايد متواصل حيث يصل الى السوق الخاص بها في مدينة غزة الى نحو طنين من مختلف انواعها عبر الانفاق . وتفرض اسرائيل حصارا مشددا على القطاع الذي يعيش فيه نحو مليون ونصف مليون نسمة والذي تغلق منافذه منذ اكثر من ثلاثة اعوام الامر الذي ادى الى ارتفاع اسعار الكثير من المواد الغذائية خاصة اللحوم والاسماك وكثير من الحاجات الاساسية التي لم يعد الكثير منها في الاسواق . واكد ابو حصيرة " " ان الاسماك المهربة تصل الى حسبة البيع صباح كل يوم طازجة الى حد كبير وهو ما ادى الى انخفاض اسعار تلك التي يجرى صيدها محليا. واوضح " ان تهريب الاسماك بدأ قبل اشهر عدة من الانفاق التي تربط مدينة رفح الفلسطينية بمصر والتي ازداد عددها وقد شجعني انخفاض اسعاره الى التوجه لاحياء المدينة الفقيرة فيما زادت اعداد الزبائن . ويصل سعر اجود انواع الاسماك ( اللوكس ) الذي يسمى في دول الخليج ( بالهامور ) في معظم الاحيان الى 100 شيقل ( الدولار يساوي 3,8 شيقل ) للكيلو جرام الواحد ولكن عمليات التهريب دفعت بالسعر ليصل الى نحو 65 شيقل مؤخرا . اما السردين والذي يعد الوجبة الاكثر شعبية في القطاع خاصة لدى الطبقات الفقيرة فيصل سعر الكيلو جرام الواحد بسبب التهريب الى 25 شيقل فيما كان ثمنه قبل ان تفتح هذه السوق الى نحو 40 شيقل. ويتردد ان مهربين بدأوا في الاونة الاخيرة في تهريب بعض انواع الاسماك مثل السلطعونات والجمبري الى مصر عبر الانفاق الامر الذي ارتفاع اسعاره في غزة ليصل في السوق المحلي الى 120 شيقل للكيلو جرام الواحد ويتفق الفلسطينيون على ان رتفاع اثمان الاسماك التي تحرم الغالبية من تذوقها او اكلها في القطاع مرده منع البحرية الاسرائيلية للصيادين من التوجه بعيدا في عرض البحر حيث تتكاثر الاسماك . وتتمركز سفن الحرب هذه على نحو متواصل في عرض البحر ليس بعيدا عن الشواطىء والتي يمكن رؤيتها بوضوح وبالعين المجردة والتي لا تتردد في اطلاق النار نحو قوارب الصيد . ويقول ابو حصيرة " ان الصيد في قطاع غزة مهنة بالغة الخطورة بسبب عمليات اطلاق النار التي يتعرض لها الصياديون وقواربهم من قبل طرادات الحرب الاسرائيلية والتي ادت في كثير من الاحيان الى اصابة اعداد من هؤلاء مع تدمير قواربهم ويعمل في قطاع غزة نحو خمسة الاف فلسطيني في مجال الصيد في منطقة تمتد من شاطىء مدينة رفح جنوبا وحتى منطقة بيت لاهيا شمال في مسافة يصل طولها الى نحو اربعين كيلو متر وتخضع لمراقبة اسرائيلية متواصلة . وقبل اشهر قليلة وضعت قوات الاحتلال التي تتواجد زوارق حربها على نحو مكثف اشارات ضوئية تحذيرية في عرض البحر قبالة بلدة بيت لاهيا في شمال قطاع غزة لتحذر الصيادين من التوجه شمالا ولتحدد مناطق ابحارهم غربا . ويؤمن الكثير من الفلسطينيين في القطاع ان الانفاق باتت تشكل الشريان الذي يمنح الحياة لاهالي المنطقة المحاصرين بما يسمح لهم باستمرار العيش ومواصلة الصمود امام حصار اسرائيلي جائر طال الجميع هنا دون تمييز . ووفق مصادر فلسسطينية مختلفة " فأن نحو الف وخمسة مائة نفق تربط الان بين قطاع غزة ومصر وتهرب منها كافة انواع الطعام والادوية والوقود " غير ان ظل يعمل منها الان لا يتجاوز عددها الاربعمائة نفق . وقال ابو اشرف وهو مالك نفق تهريب في مدينة رفح " ان التهريب اصبح واجبا وطنيا على عمال الانفاق خاصة وانهم في الواقع يطعمون شعبا باكلمه ويلبون حاجاته الانسانية التي تمنعها اسرائيل . واكد ابو اشرف " ان النفق الذي يديره يستخدم لتهريب الكثير من الادوية والمواد الغذائية بما في ذلك الاسماك مرتفعة الثمن في قطاع غزة والتي انخفض سعرها الى حد معقول واصبح بامكان بعض الفقراء تناولها . واشار " ان الاسماك التي يجرى تهريبها ليلا تصل طازجة في غالبية الاحيان وتحملها شاحنات من رفح الى السوق الخاص بها في مدينة غزة في رحلة لا تستغرق اكثر من ثلاثة ارباع الساعة . ويرى ابو اشرف الذي يعمل في نفقه نحو 30 عاملا في دورات عمل متوالية يوميا " انه لولا الانفاق لمات الناس جوعا في القطاع المتعب بسبب الحصار " مشيرا الى " ان الاف العمال يعملون في الانفاق غير الامنة تحت الارض لتهريب ما يلزم شعبنا المحاصر." وحسب مصادر حقوقية فلسطينية " فقد قتل نحو 150 عاملا فلسطينيا وجرح المئات خلال العامين الاخيرين بسبب انهيار انفاق يعملون بها او بعد تعرضها لغارات جوية اسرائيلية تستهدفها عادة بالصواريخ . وفي القطاع يعيش مئات الالاف من السكان على معونات غذائية ودوائية تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الانروا ) والذين يزداد عددهم بمرور الوقت مع استمرار الحصار الاسرائيلي . ويرى عمر شعبان وهو واحد من اشهر الخبراء الاقتصاديين في قطاع غزة " ان الانفاق اصبحت شريان الحياة الوحيد للسكان بعد ان فرضت اسرائيل الحصار عليهم منذ عدة اعوام متواصلة . وقال " ان الانفاق تستخدم لتهريب كثير من الحاجات اللازمة الا انها في النهاية تؤثر سلبيا على الاقتصاد الفلسطيني " مشيرا الى " ان المشكلة في الحصار الذي يعتبر المشكلة الاساسية التي يتوجب حلها من قبل المجتمع الدولى . وشدد على " ان الانفاق تستخدم لتهريب الكثير من البضائع الى السوق المحلي الامر الذي ادى لانخفاض اسعار بعضها مثل الاسماك والحمضيات والملابس . واضاف شعبان " ان ما لا يقل عن ستة الاف عامل فلسطيني يعملون هذه الايام في الانفاق تحت الارض في ظروف امنية خطيرة وهم يغامرون من اجل اطعام شعب محاصر . واوضح " ان هذه الظاهرة سلبية لانها غير قانونية ويستخدم فيها الاطفال الى حد كبير فيما قتل نحو 100 شخص خلال النصف الثاني من العام الماضي فيما اصبح الكثير من الفقراء اثرياء بسببها فيما تحول الكثير من الاغنياء الى فقراء بسبب عمليات التهريب .