تقديم: في الاستعارة من حروب سابقة، نجد أن افتتاح اسرائيل لحربها المباشرة مع إيران فجر 13 حزيران، فيه ملامح من نمط حرب 1967، باستهداف مسبق لسلاح الجو العربي وتدميره في الضربة الأولى؛ في المقابل فيه ملامح من الفصل الأخير من الحرب المكثفة بين اسرائيل وحزب الله حين استهدفت في ضربات كبرى قيادة اركانه جماعيا، وسبقها تفجيرات البيجر وتحييد قواته الضاربة الاساسية ولاحقا القضاء على قيادته السياسية بمن فيهم الأمين العام نصرالله وخليفته صفي الدين.
في الحالات الثلاث لم تكن الضربات بنات لحظتها، بل كانت نتاج عمليات تحضير استخباراتية وعملياتية وبناء قدرات، دامت سنين طويلة، تمتد الى نحو ثلاثة عقود وبشكل مكثف الى عقدين من الزمن، وتمت بشكل محكم للغاية، وكما في جميعها باسناد حربي ودعم امريكي وتوفير مظلة حربية لاسرائيل.
في المعطيات، عقيدة زامير :
تضمنت الضربة الاسرائيلية الأولى والتي استهدفت المنشآت الاستراتيجية النووية والصاروخية الايرانية، بالاضافة الى استهداف قادة الجيش والحرس الثوري وكبار علماء المشروع النووي والصاروخي. هي الأهداف تندرج في العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي عكف على بلورتها قائد الاركان الحالي ايال زمير منذ العام 2008 وانجزها في العام 2022 حيث اعتمدها الجيش ركنا من أركان عقيدته العسكرية في الملف الإيراني.
وفقا لهذه العقيدة فما دام النظام الايراني قائما فلن يتراجع عن المشروع النووي وعن القدرات لتحويله الى مشروع عسكري في حال قرر ذلك، وفي كل الأحوال، سيبقى المشروع الصاروخي ويتم توسيعه وتطويره باستمرار.
يقوم المنظور الاسرائيلي على ان المشروع النووي ومعه المشروع الصاروخي يشكلان خطرا وجوديا على اسرائيل، ولا بد من خلخلة النظام بكامله للتخلص من هذه المخاطر.
للوصول الى هذه الأهداف فإن اسرائيل بحاجة الى حرب طويلة الأمد متعددة الطبقات او الدوائر مع إيران. أنجزت اسرائيل مركبات منها تتعلق بتفكيك ما أقامته إيران من محور قائم على المنظمات العسكرية الموازية للدولة،تطوّق به اسرائيل، وأهمها حزب الله وهيمنة إيران في سوريا. مع نجاح إسرائيل في حربها مع حزب الله بتقويضه الى حد كبير، بسقوط نظام الأسد، رأت القيادة السياسية والعسكرية ان الهدف القادم هو رأس الأخطبوط في اشارة الى ايران التي اعتبرتها بأنها باتت مكشوفة ومن دون وحدة الساحات.
فيما الدوائر الأخرى وفقا لزامير تتحدث عن البعد الاستخباراتي وضمان تحييد القدرات الصاروخية والدفاعات الجوية بهدف تدمير المنشآت النووية، بالاضافة الى الحصار الاقتصادي على ايران، واستنهاض الصراعات الداخلية فيها، وتحييد قدراتها على تصدير النفط وعلى اغلاق مضيق هرمز ومنعها من التأثير على الاقتصاد العالمي برمته، وهو ما أخفقت به اسرائيل، رغم ضمها الى القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة (سنتكوم).
تجنبت اسرائيل في الضربة الافتتاحية للحرب المباشرة التعرض للمنشآت النفطية الايرانية. يبدو ان هذا الموقف اخذ بالاعتبار الموقف الأمريكي بهدف منع ازمة طاقة عالمية تؤثر بشكل غير قابل للسيطرة على اقتصادات العالم. تشكل البنية النفطية الايرانية ورقة لعب قوية لهذا البلد وتأكيدا بأن عواقبها ستكون ثقيلة على العالم.
للخلاصة:
** لا يزال من المبكر التقدير بمنحى الأمور في المعركة الاسرائيلية الايرانية ، فكل المقومات للتصعيد قائمة بما فيه تحويلها إلى أزمة دولية متعددة الاطراف وحصريا في حال تحولت الى حرب نفط وطاقة، كما أن المجتمع الدولي وحصريا العربي غير معني باتساع رقعة الحرب وباستعارها مما يهدد الاستقرار الإقليمي والعالمي بشكل خطير.
** رغم قوة الضربة الإسرائيلية وتفوقها الاستخباراتي العملياتي لحد الان والمسنود امريكيا وبريطانيا مقابل إيران المعزولة دوليا، الا أنها بعيدة عن الحسم مما قد يطيل أجلها الأيام إن لم يكن لاسابيع طويلة، خاصة وأن المستهدف هو النظام الإيراني وبنية الدولة.
** اسقاطات الحرب على الحالة الفلسطينية وحصريا على الحرب على غزة، تشد الأنظار عالميا عن غزة التي تموت وحيدة. مما يتطلب عربيا تعزيز الجهود لعقد مؤتمر نيويورك الذي أرجئ حاليا نحو اقامة دولة فلسطينية، ووضع مسألة وقف الحرب على غزة في طليعة الأولويات العربية والدولية
** عربيا من الاهمية بمكان التوافق السريع على تحرك عربي وحصريا خليجي ومصري يحول دون استمرار الحرب، وذلك بالتنسيق مع الدول المعنية بوقفها وحصريا الصين وروسيا واوروبا. ضرورة هذا التحرك لمنع ويلات اتساع نطاق الحرب والتي قد تدفع البلدان العربية انظمة وشعوبا اثمانها الكارثية على المنطقة.
** تقديرنا سوف تنحو ادارة ترامب إلى تحويل الضربة العسكرية لايران إلى مكسب تفاوضي بدلا من حملة لإسقاط النظام. بناء عليه تظهر اهمية الضغوط العربية والاقليمية والدولية سعيا لوساطة تقود نحو اتفاق نووي جديد بدل الانجرار لحرب استنزاف.