قدر صغير من الأرز، وآخر يصغره حجما من طبيخ الفاصولياء المعلبة، كان طعام أسرة حسن صالح، الرجل الذي دخل العقد الخامس، دون أن يشبع أحد من الأسرة بعد صيام نهار رمضان، بعد أن شح الطعام بشكل كبير من أسواق غزة، ونفد المخزون القليل الذي كانت تحتفظ فيه أسر المواطنين في منازلها ومناطق نزوحها.
أكل لا يشبع
وكغيره من أرباب أسر غزة، يؤكد هذا الرجل الذي تعاني أسرته من وضع اقتصادي صعب، أن توفير الطعام في هذا الوقت بات أمرا في غاية الصعوبة، بعد أن عادت الحرب من جديد إلى القطاع، ومع طول إغلاق سلطات الاحتلال معابر قطاع غزة، حيث تقترب عملية الإغلاق من دخول أسبوعها الرابع على التوالي.
ويقول لـ “القدس العربي” إنه بات يخرج مما تملكه أسرته من مخزون طعام من المعلبات والأرز والمعكرونة، بقدر قليل جدا، بالعادة لم يكن يكفي نصف أفراد الأسرة، وهذا الرجل يقول إنه وزوجته يتنازلان رغم جوعهما عن حصة من طعامهما لصغار السن في الأسرة، ويضيف “إذا بقي الحال هيك، كمان كم يوم مش راح نلاقي أكل (لن نجد طعاما)”.
وكان هذا الرجل حصل على كرتونة مساعدات قبل إغلاق معابر قطاع غزة، يوم الثاني من الشهر الجاري، من إحدى المؤسسات الاغاثية الدولية، وتحتوي على بعض المعلبات من الفول والفاصولياء والأرز والجبن المعلب، وأنه كان يحتفظ بكميات قليلة أخرى مشابهه من هذه المواد التموينية، لكنه استخدم غالبيتها خلال الأيام الماضية.
ويوضح بأن الكثير من السلع اختفت من الأسواق مع بداية فرض الحصار، وهو أمر قال إنه يعود لـ “جشع التجار” الذي باعوه بأثمان مرتفعة، لكنه يشير إلى أن مع طول مدة الحصار، وعودة إسرائيل للحرب والغارات، ازداد الوضع سوءا، بعد قيام بعض السكان الذين يملكون المال، بشراء تلك المنتجات بأثمان مرتفعة، ما أدى إلى نفادها بشكل كامل من الأسواق، ويشير إلى أنه تجول لأكثر من ساعتين في سوق مدينة دير البلح وسط القطاع، على أمل شراء أي نوع من الطعام، دون أن يجد ما هو متاح مع ما يتوفر لديه من مال، وقال بحزن “ما ظل إلا نرجع نوكل (نأكل)، ورق الشجر”.
ارتفاع الأثمان ونفاد الأطعمة
وكغيره اشتكى من ارتفاع جنوني حاليا طال أسعار ما توفر من سلع قليلة، لا تشاهد في أغلب الأسواق، حيث بات ثمن كيلو البطاطس يفوق الـ 50 شيكلا (الدولار الأمريكي يساوي 3.6 شيكل)، فيما ارتفع ثمن الطماطم لأكثر من 30 شيكلا، والملوخية إلى أكثر من 30 شيكلا، وسط توقعات بأن تقفز هذه الأسعار في قادم الأيام، في حال لم تحل أزمة اغلاق الاحتلال لمعابر غزة.
ولإشباع جوع أطفاله، قال صبحي صبح في الأربعينيات من العمر، إن زوجته باتت تطهو منذ خمسة أيام على موقد النار، المعلبات سواء كانت فاصولياء أو بازيلاء أو فولا، وتخلطها بالخبز وتضعها في صينية كبيرة، ليأكل منها أفراد الأسرة، وقد اشتكى من جودة الطعام، وقال “اليوم احنا بناكل لإسكات المعدة”.
ويمكن ملاحظة حجم أزمة الطعام في قطاع غزة، خلال التجول في الأسواق، بما فيها الأسواق الشعبية التي تقام قرب مراكز الإيواء، وتجمعات خيام النازحين وفي الأحياء المختلفة، حيث تخلو من الكثير من الأطعمة، فيما يباع المتوفر بأثمان عالية، وهناك خشية كبيرة بأن تنفد هذه الكميات القليلة خلال أيام فقط، فيما تعجز المنظمات الاغاثية في هذا الوقت عن تقديم المساعدات للسكان، لعدم سماح سلطات الاحتلال التي تتحكم في معابر غزة، لهذه المنظمات بإدخال شاحنات المساعدات.
وأجبرت العديد من “تكايا الطعام” الخيرية، التي تقدم وجبات صغيرة الحجم من الأطعمة الساخنة، على وقف خدماتها، لنفاد ما لديها من مخزون الطعام، فيما اضطرت الكثير من المخابز أيضا لإغلاق أبوابها، لعدم توفر أي كميات من الدقيق أو الغاز المخصص لتشغيل الأفران، وبات الحصول على رغيف الخبز بسبب العدد القليل للمخابز التي لا تزال تعمل بطاقة أقل، يحتاج إلى جهد كبير، وقد يعود رب الأسرة إلى منزله دون أن يحصل على مراده، بعد انتظار في طابور طويل أمام المخبز قد يمتد لأكثر من خمس ساعات.
وتقول هبة وتكنى بأم عدي، والتي عانت سابقا من ويلات النزوح القسري خلال فترة الحرب، وتخشى من العودة إلى ذلك الواقع الأليم، إن أسرتها لا تملك سوى أقل من 20 كيلو جراما من الدقيق، وهو مخزون لا يكفي إلا لخمسة أيام على الأكثر، وتضيف لـ “القدس العربي”: “مش عارفة شو بدي أعمل لو ما حصلت على الطحين”، وتشير هذه السيدة إلى أن الجوع والخوف اجتمعا على سكان غزة من جديد، وأن أحدا في غزة لم يعد قادرا على تحمل هذه الأعباء.
وارتفع بشكل جنوني ثمن شوال الدقيق ليصل إلى أكثر من 150 شيكلا، وهو أمر يفوق قدرة أغلب أسر قطاع غزة، ومن المؤكد أن هذا الثمن سيرتفع بشكل أكبر، في حال لم يجر حل الأزمة في وقت قريب.
ويعتمد سكان غزة بسبب ندرة الطعام، على الخبز في ملء بطونهم، وهو أمر لا يكفي احتياجات أجسادهم من مواد غذائية، وقد تسبب ذلك سابقا في إصابة غالبية السكان بسوء التغذية.