طوال الأيام الماضية حرصت السلطات الأردنية الرسمية على تجنب نشر “عبارات حادة” ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأغراض تجنب الإحراج قبل ترتيب اللقاء المنتظر بين الرئيس وعاهل البلاد الملك عبد الله الثاني.
الاتصالات والتوجيهات وأحيانا التعليمات خصوصا لوسائل الإعلام الرسمية بقيت حريصة على تمكين الدبلوماسية الأردنية من حوار هادئ وتجنب مواجهات إعلامية بعدما تبين بالملموس أن الرئيس الأمريكي شخصيا تصله مذكرات من سفاراته في دول المنطقة بما يقال عنه والأوصاف التي يطلقها الكتاب الصحافيون بخصوصه.
لا بل الرئيس ترامب استخدم فعلا بعض العبارات في تصريحاته الإعلامية مما نشر حسب المصادر المطلعة ضده في عدة عواصم عربية من بينها عمّان والقاهرة.
الفكرة كانت هنا تخفيف حدة أي توتر خلال لقاء ملكي مع الرئيس الأمريكي وسط حالة الضجيج والفوضى التي تثيرها تصريحاته خصوصا في ملف تهجير أبناء قطاع غزة.
يبدو أن الدولة الأردنية على علم بالتفاصيل وبدأت تبحث في خيارتها الممكنة على قاعدة إصرار الأردن الحتمي والقطعي على أن التهجير للمملكة خط أحمر وهي صيغة أعاد وزير الخارجية أيمن الصفدي التأكيد عليها عندما استفسرت منه “القدس العربي” مؤخرا .
وُضعت قبل اللقاء بين ترامب والملك بعض قواعد الاشتباك تحت ستار بذل كل جهد ممكن لتجنب المنزلقات الإعلامية حصرا ولممارسة ضغط في الاتجاه المعاكس لترامب بناء على سردية أردنية وضعت بين يديه مبكرا عبر الحيثيات والوقائع التي عرضها الملك والوزير الصفدي شخصيا خلال وجبة لقاءات دسمة نهاية الأسبوع الماضي مع أبرز اللاعبين في إدارة ترامب وفي لجان الكونغرس.
لقاءات القيادة الأردنية هنا شملت وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ومبعوث ترامب للمنطقة وبعض الشخصيات الأساسية في الكونغرس.
والهدف بقي خلف الستائر من الشروحات الأردنية هو تقديم رواية خبيرة في المنطقة والقضية الفلسطينية تجنبا للاصطدام مع حالة الابتزاز العلنية التي مارسها الرئيس ترامب وختمها فجر الثلاثاء بتصريح أعاد إلهاب مشاعر الرأي العام الأردني أعلن فيه أنه “ربما” يقطع المساعدات عن الأردن ومصر إذا ما رفض استقبال لاجئين فلسطينيين من قطاع غزة.
مفردة “ربما” التي استعملها ترامب أشغلت النخب ودوائر القرار الأردنية لأن هدفها التكتيكي الضغط على الأردن وبوضوح.
لكن كل المؤشرات في عمان تنطوي على إيمان بالعمل ضمن إستراتيجية تتجنب قطع المساعدات أو تجميدها والاحتفاظ بذات الوقت بالقدرة على البقاء في ملف التهجير ضن خطاب الثوابت والرفض.
الشروحات الأردنية التي قدمت لطاقم ترامب قبل ساعات من اللقاء المنتظر تقصدت التأشير على أن مخاوف المملكة لا تقف عند حدود أبناء قطاع غزة بل تتعدى إلى أن القبول بفكرة استقبال لاجئين من غزة قد يؤدي لتزايد شعور الشعب الأردني بأن عليه الخضوع لما تقرره حكومة اليمين الإسرائيلي من تهجير محتمل لأهالي المخيمات في التجمعات السكانية الـ6 في الضفة الغربية.
رواية الأردن أعادت التأكيد على أن مسألة التهجير ستهدد بالضرورة معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية وقد تؤدي إلى قلاقل في الضفتين الغربية والشرقية خلافا لأن السماح بالتهجير مسألة أمن قومي أردني وينظر لها في عمّان باعتبارها مساس بالهوية الوطنية الأردنية بعيدا عن التعقيدات الأهلية والاقتصادية التي ستنتج.
طرح الأردن على الاستشاريين الأمريكيين بعض الأسئلة من بينها: “هل تريدون إلغاء اتفاقية وادي عربة؟ هل لديكم رغبة بأن يخرج الشعب الأردني إلى الشوارع ويطالب بإغلاق القواعد وطرد القوات العسكرية الأمريكية؟ هل تتحملون كلفة الاضطرابات الأهلية التي ستجتاح المنطقة إذا ما فرض التهجير في الأردن وسوريا ولبنان ومصر والضفة الغربية ؟”.
مثل تلك الأسئلة طرحها المفاوض الأردني بعيدا عن الأضواء.
وفي الإطار ذاته تفصيلات أخرى من بينها استعداد الأردن لاستقبال جرحى ومصابين من أبناء القطاع والتذكير بوجود 150 ألف من أبناء قطاع غزة يقيمون أصلا في الأردن منذ عقود، وينتج عن وجودهم تعقيدات قانونية وأمنية خلافا طبعا للعبء الاقتصادي ولعدم قدرة المملكة على استقبال المزيد من اللاجئين ووجود أكثر من مليون لاجئ سوري في الأردن والنقص الحاد في المياه وفي الخدمات الأساسية.
فرض الأردن توضيحاته بهذا المعنى. لكن ما يرشح عن المؤسسات الرسمية هو الاستعداد للحظة صدام محتملة مع أجندة الرئيس ترامب، مما برر الانتقال إلى تدبير بدائل ولو مؤقتة عن المساعدات من بينها 3 مليارات تعهدت بها الشراكة الأردنية الأوروبية.
من بينها أيضا وجود قابلية كبيرة جدا عند الشعب الأردني للاستغناء عن المساعدات والبحث عن تدبير بدائل لها مقابل تجنب المجازفة.
جميع الأوساط الأردنية وقبل نحو 3 ساعات فقط من اجتماع مقرر مع الرئيس ترامب بانتظار نتائج ذلك الاجتماع الذي خصص له ساعة ونصف الساعة وسط حالة ترقب شديدة جدا وحذرة لما يمكن أن يقوله الرئيس الأمريكي قبل أو بعد الاجتماع.
المناورة الأردنية تميل إلى طرح بدائل ناعمة وتجنب الاحتكاك المباشر لكن حالة الصدام الشرسة مع الرئيس ترامب يبدو أنها أردنيا على الأقل تبرز في ظل قرار أردني رسمي واضح في تثبيت المعادلة الأردنية ضمن منهجية المجازفة بقطع المساعدات وإغضاب الرئيس الأمريكي أقل كلفة بكثير من مجاملته ومهادنته والقبول بما يطرحه بسبب تعقيدات اجتماعية وأمنية وديمغرافية حادة في العمق الأردني.