في الايام الاخيرة استؤنف الجدال في مسألة اذا كان ينبغي لاسرائيل أن تشكل لجنة تحقيق كي تفحص الاتهامات في تقرير غولدستون. الجدال مشروع، ولكن يبدو أن المؤيدين لتشكيل لجنة كهذه يعانون من السذاجة. توجد أربعة اسباب وجيهة لعدم تشكيل لجنة تحقيق، ولا يوجد سبب حقيقي لماذا ينبغي عمل ذلك. السبب الاول يتعلق بمجال الانشغال. رصاص مصبوب يمكن فحصها بمقياس عسكري – مهني، بمقياس اخلاقي وبمقياس سياسي. محظور فحصها بمقياس القانون الدولي، كما اراد غولدستون، من السبب البسيط بانه غير ذي صلة. القانون الدولي الذي يبحث في قواعد الحرب يقوم على اساس ثلاث افتراضات: الحرب هي بين دول، الطرفان يستخدمان جنودا يلبسون البزات والطرفان ملتزمان بذات المعايير. لا شيء من هذا قائم في غزة. لما كانت لمعظم النزاعات العسكرية اليوم خصائص مشابهة، فان المقياس الوحيد الذي من الصحيح أن نفحص انفسنا بموجبه هو المقياس السائد في العالم، واذا ما تشددنا – المقياس المقبول من الامريكيين والبريطانيين. يمكن الموافقة على الفحص حسب العقيدة الامريكية المكتوبة، حسب اوامر الحملة الصادرة في كوسوفوا، في العراق وفي افغانستان وحسب العمليات التي نفذوها. محظور أن يتم الامر من قبل رجال قانون، الذين مقاييسهم هي قواعد الحرب. السبب الثاني هو التوقيت. لتوها رفعت اسرائيل الى الامم المتحدة وثيقة سميكة الغلاف أجابت فيها على ادعاءات غولدستون واحدا إثر آخر. أفلا نثق بوثيقة صادرة عنا أنفسنا؟ السبب الثالث سياسي. من عين لجنة غولدستون يحاول أن يدفع اسرائيل الى وضع يعتبر فيه كل عمل عسكري ناجع غير شرعي. غولدستون قال صراحة انه حيال تهديد الصواريخ كان بوسع اسرائيل أن تستخدم (فقط) عمليات كوماندو موضعية. تبني هذا النهج يتعارض تماما والمصلحة الامريكية. وخلافا لنبوءات الغضب، وبموجبها اذا لم نشكل لجنة تحقيق فان الولايات المتحدة لن تمنحنا الاسناد، فان الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية ايدتنا وليس فقط بسبب تماثل المصالح في هذا الموضوع. السبب الرابع داخلي. الجمهور في اسرائيل يقبل بالحاجة الى لجنة تحقيق بل ويطالب بذلك عندما يتبين بان أداء الجيش والقيادة السياسية كانت مخيبة للامال (مثلما حصل في يوم الغفران وفي حرب لبنان الثانية)، او عندما يكون تخوف حقيقي على اخلاقيات الجيش (صبرا وشاتيلا)، وعن حق يعارض الجمهور التحقيق الذي غايته ارضاء الاغيار واجلاس الجيش الاسرائيلي دون مبرر على مقاعد الاتهام. المؤيدون لتشكيل لجنة تحقيق يدعون بان تشكيلها سيزيل عنا ضغطا دوليا ويقلص خطر تقديم مسؤولين اسرائيليين كبار الى المحاكمة في خارج البلاد. ليس لهذا أي اساس كون الضغط على اسرائيل سياسي وليس موضوعيا. قبل نحو سنتين بدأ في اسبانيا اجراء قضائي ضد ستة اسرائيليين اتهموا بالمس بالمدنيين في اثناء تصفية صلاح شحادة. في تلك الحالة اياها بالذات تصرفت اسرائيل "على نحو رائع"؛ فقد حقق في الامر من خارج الجيش بل وبحث في المحكمة العليا. كل هذا لم يقنع الاسبانيين بان يتركونا لحالنا. لماذا الغي الاجراء الاسباني؟ القانون الاسباني جذب للدولة عشرات الدعاوى من كل العالم ضد كل العالم. وما أن بدأت الاجراءات في اسبانيا ضد جنرالات صينيين اتهموا بجرائم ضد الانسانية، حتى اوضحت الصين لاسبانيا بانه من المجدي لها ان تغير القانون. وهذه ذعرت وغيرت القانون. في 2002 بادر الامين العام للامم المتحدة الى تشكيل لجنة تحقيق في "المذبحة في جنين". لماذا الغيت اللجنة حتى قبل أن تتشكل؟ لان اسرائيل نجحت في ان تجند سواء الادارة ام الكونغرس الامريكي لمعارضة الخطوة.بتعبير آخر، لا العدل ولا القانون هما أداتين في اللعب. فقط السياسة الواضحة. تشكيل لجنة تحقيق في اسرائيل لم تخفف من الضغط علينا بل فقط ستشجع عناصر معادية لمواصلة الضغط على اسرائيل.