ما زالت الاحتفالات في إسرائيل مستمرّةً وبوتيرةٍ عاليةٍ لسقوط نظام الرئيس د. بشّار الأسد في سوريّة، واستغل الكيان الفوضى السائدة في هذا البلد العربيّ لتنفيذ هجماتٍ على ما أسماها بالمواقع الإستراتيجيّة، علاوة على احتلال الجزء السوريّ من جبل الشيخ، وإعلانه أنّه سيبقى هناك حفاظًا على مصالحه الإستراتيجيّة، وتفاخر رئيس الوزراء في دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ليلة أمس الاثنين في مؤتمرٍ صحافيٍّ بالقول إنّ سقوط الأسد في سوريّة كان نتيجةً حتميةً للجهود الإسرائيليّة، على حدّ تعبيره.
إلى ذلك، زعمت مصادر أمنيّة إسرائيليّة، وُصِفَت بأنّها رفيعة المُستوى، صباح اليوم الثلاثاء، أنّ سلاح الجوّ الإسرائيليّ في طريقه للقضاء على سلاح الجوّ السوريّ بشكلٍ كاملٍ، بالإضافة إلى تدمير الدفاعات السوريّة ضدّ الطائرات، بحسب ما نقل عنها موقع صحيفة (يديعوت أحرونوت) على الإنترنيت.
ووصفت المصادر عينها الخطوة الإسرائيليّة بالتاريخيّة، والتي تمّت تحت غطاء سقوط نظام الأسد، لافتةً إلى أنّ هذه العملية لم تجرِ منذ خمسة عقودٍ، حيثُ يُهاجم سلاج الجوّ الإسرائيليّ قواعد عسكريّة تابعة لسلاح الجوّ السوريّ، مُضيفة أنّ إسرائيل نفذّت أكثر من 300 هجومٍ بواسطة مئات المقاتلات الحربيّة، وفقًا للمصادر الأمنيّة في تل أبيب.
في السياق عينه، رأى المحلل يائير كراوس، في مقالٍ نشره بصحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة أنّ “إسرائيل على الجبل، ويُحظَر على الجيش ورئيس الحكومة نتنياهو النزول عنه مجددًا: إنّ احتلال جبل الشيخ السوريّ، ونقاط أُخرى مهمة وحيوية للدفاع عن الجولان الإسرائيليّ، على امتداد الحدود في المنطقة العازلة، داخل مناطق النظام السوريّ السابق، هو أكثر من عملية ضمّ أراضٍ موضعية، أوْ (صورة نصر)، إنّه حدث استراتيجي، يستغل واقعًا أمنيًا وسياسيًا غير مسبوق منذ خمسين عامًا”، طبقًا لتعبيره.
وتابع الكاتب الإسرائيليّ أنّ “هذا الواقع، الذي يرسّم واقعًا جديدًا في ميدان من الفوضى والقلق، وفي ضوء العبر المستقاة من “مجزرة” السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وأحلام بقية أعدائنا المشابهة بتكرار ما حدث آنذاك، يجعلنا نصرّ على أنّ ما كان لن يتكرر، وأنّ إسرائيل لن تسمح بفرصة جديدة للأحلام الجهنمية التي يسعى جيراننا لتحقيقها على بقية حدود البلد”، على حدّ تعبيره.
إلى ذلك، قال المُستشرق الإسرائيليّ ميخائيل ميلشتاين إنّه “على الرغم من سقوط عدوّ مرّ، وتلقّي محور المقاومة بقيادة إيران، الذي كان مهيمنًا على المنطقة خلال العقود الماضية، ضربات أدت إلى زعزعته، يجب الامتناع من إبداء النشوة المليئة بالشعارات، والتي تتطور في أعقاب إنجازات المعركة في الشمال”.
ومضى قائلاً في مقالٍ نشره بصحيفة (يديعوت أحرونوت) ونقلته للعربيّة (مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة)، إنّه “لا يوجد في سورية أيّ شيء يمكن أنْ نستمد منه الأمل بعد الأسد. يدور الحديث عن مجموعات تم دمجها معًا، لديها حسابات مفتوحة ودامية (يمكن أن تندفع بحدة، وخصوصًا ضد العلويين)، وفي الخلفية، لا توجد أيّ ممارسة سياسية ليبرالية، أوْ مجتمع مدني، أوْ دولة قومية متماسكة”.
علاوة على ذلك، شدّدّ المستشرق على أنّ “سورية متعددة المركّبات والتناقضات على صُعد كثيرة، وهي الآن تشبه، إلى حد بعيد جدًا، العراق ما بعد سنة 2003، لكنها تفتقد إلى الصمغ الأمريكيّ الذي حافظ على تماسُك الدولة، حتى لو كان بشكل متقطع. ليس هذا فقط، فالمتمردون لا يشكلون معسكرًا واحدًا فقط، بل مجموعات لديها مصالح متناقضة وأفكار (بعضها جهادية)، تعيش في واقع يشهد كثيرًا من التدخلات الأجنبية، ومن ضمنها طهران. وفي هذه الحال، لن يكون من المبالَغ فيه القول إنّ سورية ستُقسّم إلى كياناتٍ منفصلةٍ، أوْ بشكلٍ أكثر دقةً، ستتم مأسسة الوضع المفكك الذي ميّزها على مدار أكثر من عقد”، طبقًا لأقواله.
ولفت المستشرق أيضًا إلى أنّه “يجب أنْ تبتعد طريقة التعامل الواعية عن الأوهام وخلق العناوين. آخر سلوك كهذا كان محاولة نقل الرئيس الأسد إلى المحور العربيّ المعتدل، وبذلك يتم زرع الفتنة في محور المقاومة. الزلزال الذي وقع في سورية يدفع إلى طرح أفكارٍ جديدةٍ بشأن الحاجة إلى دعم جزء من تنظيمات المتمردين، وهي فكرة تذكّر بتاريخ مرير ومنسي، حاولت فيه إسرائيل صوغ أنظمة حُكم في المنطقة، ويمكن أنْ تكون مغامرة خطِرة تتطور في اتجاهات متعددة، في الوقت الذي لا تزال إسرائيل تتعامل مع جبهات مفتوحة في غزة ولبنان، وعليها التركيز على إيران”، على حدّ تعبيره.
واختتم المستشرق قائلاً إنّه قبل أنْ تتطور أفكار اليوتوبيا بشأن بناء (شرق أوسط جديد)، يتوجب على متّخذي القرار وغيرهم ممّن يعملون على فهم الواقع، أنْ يتزودوا بعدة قيَم أساسية: الحذر، والتواضع، والسعي الدائم لفهم الشرق الأوسط في العمق، وهو ما لا يمكن أنْ يحدث من دون فهم المميزات الثقافية ولغة أبناء المنطقة. هذه الخلاصة ضرورية لكلّ المجتمع الإسرائيليّ، وهو ما تم تهميشه، بالضبط مثلما حدث بعد “حرب الغفران”، أيْ حرب العام 1973، كما قال.