قال المحرر الدبلوماسي في صحيفة “الغارديان” باتريك وينتور، إن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا سيعمل على تهميش روسيا ويدفع تركيا للأمام. ففي الوقت الذي انطلقت فيه الأجواء الاحتفالية بدمشق وإطلاق النار، صمتت المدافع الدبلوماسية الإيرانية والروسية التي كانت في الدوحة لحضور منتدى حواري كبير، وبدت عاجزة ولم تعد مهمة بسبب أحداث دمشق.
وقبل 12ساعة فقط، التقت القوى الخارجية الرئيسية، روسيا وإيران إلى جانب تركيا، بخمس دول عربية على هامش المنتدى لإصدار بيان مشترك يدعو إلى إنهاء العمليات العسكرية والحفاظ على سلامة الأراضي السورية والتشاور بشأن حل سياسي بين نظام بشار الأسد والمعارضة. وكانت هذه هي المحاولة الأخيرة للاحتفاظ بمظهر من مظاهر السيطرة على الأحداث، ولكن الدبلوماسيين ناقشوا أيضا بقلق مصير الرئيس السوري في الاجتماع، وما إذا كان القتال سوف يندلع في شوارع دمشق قريبا.
وتحدث ممثلو روسيا في الاجتماع أن الأسد كان متصلبا ورفض قبول الواقع أو ضرورة الحوار مع تركيا، الدولة الراعية لقوات المعارضة التي تهدد العاصمة.
وبدا وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي متألما ومشتتا. وبعد ست ساعات من مغادرة الدبلوماسيين المنهكين الاجتماع، استيقظوا على خبر سقوط الأسد. ومن النادر ما يصبح عدد من الدبلوماسيين غير ذي صلة بالأحداث وبهذه السرعة.
ففي بداية القمة يوم السبت، تعرض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لمساءلة غير مريحة على منصة المؤتمر، وسئل حول مستقبل سوريا. وطلب منه شرح الدور الروسي في البلاد على مدى العقد الماضي. وفي مرحلة ما، بدا لافروف حائرا عندما سأله المحرر الدبلوماسي لقناة الجزيرة الإنكليزية، جيمس بيز، وردّ قائلا: “إذا كنت تريد مني أن أقول: نعم لقد خسرنا في سوريا، نحن يائسون للغاية، إذا كان هذا ما تحتاجه، فلنستمر”.
وألحّ على محاوره لتحويل المناقشة إلى أوكرانيا، وهي أرض مألوفة له ويمكنه من خلالها تأكيد القوة العسكرية الروسية والنفاق الأمريكي. لكنه استمر في التمسك بالخط القائل بأن الجماعات الجهادية لا يمكنها أن تترسخ في سوريا وأن الأسد هو الحصن لمنعها.
وقال لافروف: “من غير المقبول السماح للمجموعات الإرهابية بالسيطرة على الأراضي في انتهاك للاتفاقيات القائمة”، في إشارة إلى جماعة هيئة تحرير الشام التي قادت عملية الخروج من محافظة إدلب إلى حلب ثم التقدم سريعا نحو دمشق.
ومضى لافروف في طقسه حول ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 والذي أقر في كانون الأول/ ديسمبر، ودعا لانتقال ديمقراطي في سوريا، حيث رفض الأسد التعاون في تطبيقه. وعندما سئل عن سبب عدم مساعدة الأسد في انتقال السلطة، قال لافروف: “لا يوجد هناك أحد مثالي”. ولم يشر لافروف إلى المرات الـ17 التي استخدمت فيها روسيا حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أجل حماية الأسد.
ومع استمرار المقابلة، عبّر لافروف عن عدم ارتياحه عندما سئل عن مستقبل القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، والقاعدة الجوية في حميميم، وقال إنه “ليس من هواة تخمين” ما قد يحدث. كل ما يعرفه هو أن موسكو تبذل قصارى جهدها لمنع “الإرهابيين” من الانتصار، مضيفا أنه يشعر بالأسف على الشعب السوري إذا ما حذا حذو ليبيا والعراق.
وعندما سئل عما إذا كان يعتقد حقا أن الأسد سيفوز في الانتخابات الحرة والنزيهة المنصوص عليها في القرار 2254، غير لافروف الموضوع إلى الوجود الأمريكي في شرق سوريا “الذي يدعم الانفصاليين الأكراد، بما في ذلك على الأراضي التي كانت تنتمي تاريخيا إلى القبائل العربية، ويستغل النفط والموارد الغذائية، ويبيعها في السوق العالمية، ويمول شبه الدولة التي يبنيها هناك”.
وقال وينتور إن لافروف قد يكون الدبلوماسي الأكثر خبرة على مستوى العالم، ولكنه لم يتعرض أبدا لمساءلة بهذا الوضوح وفي لحظة إذلال.
وفي الوقت نفسه، كان عراقجي يقوم بجولات في الدوحة، مصرّا على أنه من الممكن أن يبقى الأسد على قيد الحياة، ومتشبثا بالنقطة التي اتفقت عليها جميع القوى الخارجية، وهي ضرورة حماية سلامة أراضي سوريا. ولكن كانت لديه نظرة رجل مسكون أدرك فجأة أن الأحداث خرجت عن سيطرته.
ففي الأيام السابقة، فشلت كل الجهود لإقناع العراق، آخر معقل لطهران في العالم العربي، بالتدخل لإنقاذ الأسد. لقد اقترب انخراط إيران الذي دام 12 عاما في سوريا من نهايته، مما يشير إلى إغلاق ممرها البري إلى لبنان و”حزب الله”.
لقد انهارت استراتيجية إيران الأمنية بالكامل للدفاع المتقدم، والآن قد تحتاج الحكومة إلى إعادة التفكير في كيفية بقائها.
في المقابل، لم يتحدث وزير الخارجية التركي حقان فيدان، وهو مدير مخابرات سابق وكان محاطا بوفد كبير، إلا قليلا في العلن، حيث كان يشعر أن بلاده قد تكون الطرف الخارجي الأكثر استفادة من سقوط الأسد. فتركيا تملك تحت سيطرتها مجموعة شاملة من الميليشيات السورية تسمى “الجيش الوطني السوري”، وعلاقة من نوع ما مع هيئة تحرير الشام.
ولكن مع القوة تأتي المسؤولية. وأكثر من أي دولة أخرى في المنطقة، تمتلك تركيا القدرة على مساعدة السوريين في تشكيل حكومة توافقية مستقلة يستحقها كفاحهم الطويل من أجل التحرير.