في ظل التطورات الحاصلة في سورية، بعد هجمات فصائل المعارضة وسيطرتها على مناطق مركزية كانت تحت سيطرة النظام السوري في شمال ووسط سورية، وأبرزها مدن حلب وحماة وحمص، ما زالت الإستراتيجية الإسرائيلية كما كانت طوال الحرب الأهلية في سورية، وهي بقاء نظام بشار الأسد، ولكن ضعيفا جدا.
ويرى تقرير صادر عن معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي التابع لجامعة تل ابيب، أن معضلة إسرائيل في سورية في ظل هجوم "ردع العدوان" أنه بالنسبة لإسرائيل، استهداف كبير للنظام السوري ورئيسه بشار الأسد، وربما إسقاطه سيشكل ضربة شديدة لإيران وأذرعها، ولروسيا أيضا. فيما إيران منغمسة بجهد مواجهة الأضرار التي تعرض لها حزب الله في لبنان وتواجه صعوبة في نقل مقاتلين وموارد إلى سورية.
وحسب المحلل العسكري في القناة 13 وصحيفة معاريف ألون بن دافيد، فإنه ليس لدى إسرائيل أي مصلحة برؤية نسل تنظيم القاعدة يسيطرون على سورية، في إشارة إلى "هيئة تحرير الشام" التي في طليعة هجوم المعارضة المسلحة، "بل على العكس، إسرائيل تتطلع إلى استمرار حكم الأسد المستضعف وإبعاده عن المحور الشيعي".
وأضاف بن دافيد في مقاله الأسبوعي في صحيفة "معاريف"، أن السؤال هو كيف بالإمكان دفع هذا التطلع في الوضع الجديد الحاصل في سورية، وما هي حدود إسرائيل التي بعد تجاوزها ستضطر إلى التدخل، و أنه حتى الآن لم تجر مداولات بمستوى إستراتيجي لتحديد أهداف إسرائيل في الوضع الجديد في سورية.
بينما قال المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل،
ان الإستراتيجية الإسرائيلية مستمرة طوال فترة الحرب الأهلية في سورية، ولا يرصدون في إسرائيل حاليا خطرا داهما مباشرا، هي هجمات مفاجئة تشنها منظمات متطرفة، فيما المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية حول نشاطها والقدرة على إدراك اعتباراتها محدودة نسبيا.
وراضون جدا من الحرج الذي لحق بإيران، لكن في المدى البعيد يوجد خطر متطور، ومصلحة تركيا وإسرائيل باستمرار سيطرة النظام في جيبين حول دمشق وحول اللاذقية وطرطوس.
في حينن ذكر المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، إلى ثلاثة تهديدات على إسرائيل إثر التطورات في سورية.
التهديد الأول يتعلق باحتمال سقوط أسلحة، وخاصة صواريخ وربما سلاح كيميائي، الموجودة في شمال ووسط سورية بأيدي المتمردين الجهاديين في الأيام أو الساعات المقبلة، إن لم تكن قد سقطت بأيديهم فعلا.
وأن التهديد الثاني نابع مباشرة من ضعف الجيش السوري ومن حقيقة أن روسيا ليست قادرة على الدفاع عن نظام الأسد مثلما دافعت عنه في العام 2015. والقصف الجوي الروسي لم ينجح في منع احتلال حلب، وأخّر ليوم واحد احتلال مدينة حماة في وسط سورية.
ونتيجة لضعف جيش سورية والمساعدات العسكرية الروسية الضئيلة، لا مفر أمام نظام الأسد سوى الحصول على المساعدة التي يقدمها الإيرانيون له، من خلال نقل قوات إلى سورية، مؤلفة بالأساس من مقاتلين شيعية أفغان وباكستانيين، تقودهم عناصر الحرس الثوري الإيراني، كما طلبت إيران وحصلت على عدة مئات من عناصر حزب الله الذين انتقلوا من لبنان إلى سورية لمساعدة نظام الأسد، دون نجاح حتى الآن.
وحسب بن يشاي، فإنه لدى اسرائيل مشكلة مع هذه الميليشيات ومع عناصر حزب الله الذين دخلوا إلى سورية، لأن بإمكانهم أن يشكلوا تموضعا إيرانيا عسكريا بواسطة أذرعها في الدولة، ومن شأن هذه الميليشيات أن تبقى في سورية وأن ينشرها الإيرانيون عند الحدود مع إسرائيل. وبإمكانهم أيضا أن يعملوا من الأراضي السورية بواسطة إطلاق قذائف صاروخية وصواريخ وتوغلات برية إلى بلدات (المستوطنات الإسرائيلية) في هضبة الجولان.
وأضاف أن إمكانية ضعف النظام في سورية سيسمح للميليشيات الموالية لإيران بالاستقرار عسكريا في سورية وعند الحدود مع إسرائيل وتهريب أسلحة إلى لبنان من أجل تسليح حزب الله مجددا، هي الإمكانية التي تثير القلق الأكبر في إسرائيل في الوضع الحالي.
اما التهديد الثالث هو أن ينهار نظام الأسد، وعندها ستتحول سورية إلى دولة فاشلة أخرى مثل اليمن ولبنان وغزة، وأن يشكل الإيرانيون فيها ويمولون جيشا إرهابيا هدفه العمل ضد إسرائيل.
وعبر بن يشاي عن الخشية من صوملة سورية بحيث تكون فيها قوات جهادية سنية وشيعية عند حدود إسرائيل، هي مشكلة من شأنها التهديد على بلدات الجولان والجليل الشرقي.
واشار بن يشاي أن للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أيضا مصلحة بأن لا ينهار نظام الأسد بالكامل، وإنما أن يستمر بالسيطرة في جيبين صغيرين، الأول حول دمشق والثاني حول اللاذقية وطرطوس، ولن يتمكن من إلحاق أضرار منها بتركيا وإسرائيل.
بينما رجح التقربر الصادر عن "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب،، أن المعارضة المسلحة في سورية شنّت هجومها على مناطق خاضعة لسيطرة النظام في منطقتي حلب وإدلب، الأسبوع الماضي، في أعقاب ضوء أخضر تركي، في محاولة لممارسة ضغط على النظام من أجل التقدم نحو تسوية العلاقات بين الجانبين.
وأنه بالرغم من أن إسرائيل ليست ضالعة مباشرة بهذه التطورات، إلا أنه من الواضح أن الضربة الشديدة التي وجهتها إلى محور المقاومة في لبنان وسورية، وكذلك تهديداتها المباشرة للأسد بألا يسمح باستمرار التموضع الإيراني في أراضي دولته، شكلت حافزا للمتمردين وتركيا.
وذكر التقرير أن الأحداث الآخذة بالتطور في سورية تنطوي على جوانب إيجابية وسلبية بالنسبة لإسرائيل. وفي الجانب الإيجابي، فإن استهداف كبير لنظام الأسد، وربما إسقاطه سيشكل ضربة شديدة لإيران وأذرعها، ولروسيا أيضا.
لكن التهديد لنظام الأسد، بقدر ما يتصاعد، سيؤدي إلى تعزيز قوات إيرانية ستأتي لإنقاذه، رغم عدم تحمس طهران حيال ذلك.
وأنه من الجهة الأخرى، انهيار نظام الأسد، إذا تحقق، من شأنه أن يؤدي إلى وضع تكون فيه منطقة تسودها فوضى وغير مستقرة لفترة طويلة. والأخطر من ذلك، نجاح جهات ذات أيديولوجية دينية – جهادية، رغم أنها أصبحت أكثر اعتدالا، في السيطرة على أجزاء واسعة في سورية وربما على مخازن أسلحة كبيرة، وبضمنها سلاح كيميائي، وتشكيل تهديد خطير على مصالح إسرائيلية.
ووفقاً للتقرير إذا استخلصت فصائل المعارضة عبرة هامة من الحرب الأهلية واتحدت في إطار عسكري ناجع، يتمكن من شن عمليات عسكرية متزامنة ضد النظام ومؤيديه وبقيادة منظمة ذات صورة معتدلة أكثر من هيئة تحرير الشام، مثل الجيش السوري الحر الذي نشط خلال سنوات الحرب، فإنه قد ينشأ بديل أفضل لنظام الأسد.
وختم التقربر بان الفترة القريبة المقبلة ستكون مصيرية بالنسبة لمستقبل سورية. وفي هذه المرحلة وإلى حين اتضاح الصورة، من الصواب أن تمتنع إسرائيل عن التدخل في الأحداث في سورية، باستثناء حالة وجود تهديد على مصالحها الأمنية.