أعلنت إسرائيل يوم يوم الثلاثاء الماضي الموافق 26/11/2024 موافقتها على مقترح وقف إطلاق النار مع حزب الله الذي جرى التوصل اليه عبر مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين بوساطة أمريكية.
وفيما لم تنشر تفاصيل الإتفاق إلا أن غالبية المجتمع الإسرائيليبواقع 61% وفقاً لإستطلاع الرأي الذي نفذته القناة العبرية (13) مباشرة رأت أن الإتفاق لا يجسد إنتصار إسرائيل في الحرب ولم يحقق اي من أهدافها المعلنة، كما كشف الإستطلاع أن هناك انفسام داخل المجتمع الإسرائيلي حول تأييد الإتفاق بواقع 44% مع، و37% ضد.
الأمر الذي دفع رئيس الوزراء نتنياهو لتبرير موافقة إسرائيل على الإتفاق بتوضيح ثلاثة مبررات، كان أولها أن الإتفاق يسمح لإسرائيل التركيز على مواجهة التهديد الإيراني، وكان ثانيها أن الإتفاق يمكن إسرائيل من منح الجيش المنهك وقت للراحة، كما يمنح الدولة وقت لملئ مخازنها من الأسلحة والذخيرة، وكان آخرها أن الإتفاق يكسر مفهوم وحدة الساحات ويفصل غزة عن لبنان.
وعلى الرغم مما تظهره هذه المبررات من واقع إسرائيل الإستراتيجي ونواياها في المرحلة القادمة، إلا أن هذه المقالة ستسعى لفحص إذا ما كان الإتفاق حقاً قد كسر مفهوم وحدة الساحات وفصل غزة عن لبنان؟
وتتطلب موضوعية الفحص توضيح الزاوية التي تنظر من خلالها إسرائيل لوحدة الساحات؟
إذ ترى إسرائيل أن وحدة الساحات أو توحد العرب في قوة عسكرية فاعلة ومؤثرة مساس بشروط بقاء الدولة، وفي هذا الشأن يجادلالخبراء في الأمن القومي الإسرائيلي وكذلك الخبراء في الجيوبواتيك من اليهود حول العالم أن إسرائيل قد نجحت خلال القرن الماضي، أي منذ الإعلان عن قيامها العام 1948 وحتى العام 2000، في توفير شروط بقاء الدولة كما كتب قبل عدة أعوام الخبير في الجيوبولتيك المعروف جورج فريدمان، وهي هنا ثلاثة شروط
- وجوب منع العرب من التوحد في قوة عسكرية واحدة مؤثرة وفعالة.
- وجوب دوام تحكم إسرائيل في اختيار زمان ومكان وتسلسل الحرب.
- وجوب عدم خروج إسرائيل للحرب بالتزامن مع وجود إنتفاضة فلسطينية داخلية.
وتظهر قرائة واقع إسرائيل الإستراتيجي ما بعد العام 2000، أن إستراتيجية اسرائيل في منع العرب من التوحد في قوة عسكرية واحدة مؤثرة كانت ناجحة مع الدول والجيوش العربية النظامية، ولكن ما بعد العام 2000 ثبت فشل هذه الإستراتيجية مع قوى محور المقاومة التي تعتبر أنها منظمات من خارج نظام الدولة.
وينبغي هنا التوضيح أن هذا الفشل يعتبر من أهم محركات السجالات الفكرية والسياسية بما في ذلك الإنقسامات الإجتماعية داخل إسرائيل، لا سيما وان هذا السجال بدأ يظهر للعلن بعد الإنسحاب أحادي الجانب من لبنان هروبا من المقاومة الإسلامية اللبنانية بقيادة حزب الله، ثم الإنسحاب احادي الجانب من قطاع غزة العام 2005 هروبا من المقاومة الإسلامية في غزة بقيادة حركة حماس، ثم هزيمتها امام حزب الله في حرب تموز 2006، وعدم تحقيقها أي من الإنتصارات العسكرية على المقاومة في غزة خلال في أي من الحروب التي شنتها على غزة منذ العام 2008 والتي كان أبرزها معركة وحدة الساحات العام 2022، ثم تطور فكرة وحدة الساحات الى إستراتيجية كما تجلت في مواجهة حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل منذ أكتوبر 2023.
ربما يظهر ما تقدم كيف تنظر إسرائيل لوحدة الساحات والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل نجحت إسرائيل عير اتفاق وقف اطلاق النار على الجبهة اللبنانية في كسر مفهوم وحدة الساحات وفصل غزة عن لبنان كما يقول نتنياهو؟
للإجابة على هذا السؤال يقول الخبراء في الأمن القومي الإسرائيلي من الإسرائيليين أنفسهم أن وقف إطلاق النار مع لبنان (حزب الله) قد يكون ساهم في تهدئة الجبهة مؤقتاً، لكنه لم يحقق بشكل واضح هدف تقكيك وحدة الساحات للأسباب التالية:
1- إستمرار التنسيق الإستراتيجي بين مكونات محور المقاومة.
2- الخطاب الإعلامي لمحور المقاومة، إذ يعزز هذا الخطاب الوحدة بين الجبهات مما يعني ان التهدئة على الجبهة اللبنانية لم تؤثر بشكل جذري على هذا البعد، الأمر الذي تجلى في خطاب إعلان النصر للأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الذي أعلن بوضوح مواصلة الحزب تمسكه باستراتيجة مقاومة الإحتلال في فلسطين حتى التحرير، وفي خطاب السيد الحوثي الذي أعلن مواصلة مساندته لغزة وأهلها ومقاومتها.
3- الإحتمال المرتفع للعودة للتصعيد من جديد لا سيما وأن إسرائيل ليس بواردها الإلتزام ببنود الإتفاق الموقع مع لبنان، والإلتزام أكثر ببنود الإتفاقية الثنائية الأمريكية الإسرائيلية غير المعلنة.
4- إعلان الساحة اليمنية مواصلة التزامها بمساندة المقاومة في غزة وقصفها لوسط إسرائيل بصاروخ باليستي صباح أمس الموافق 1/12/2024.
5- حرص حزب الله على عدم الخروج على وحدة الساحات والإلتزام بالمقاومة كإستراتيجية تحررية ضمن حسابات دقيقة تراعي الوضع اللبناني الداخلي والوضع الإقليمي كما تجلى بوضوح في كلمة الأمين العام للحزب، فحزب الله القوي لبنانيا وإقليميا أكثر قدرة على مساندة الشعب الفلسطيني ومقاومته ومشروعه التحرري من الإحتلال من حزب الله الضعيف والمعزول لبنانيا وإقليميا.
6- إدراك مكونات محور المقاومة أنهم يعبرون عن وجدان الشعوب العربية والإسلامية رغم الأثمان الباهظة التي دفعها ويدفعها الشعبين الفلسطيني واللبناني.
ويضيف الخبراء في الأمن القومي الإسرائيلي أن جبهة غزة هي الجبهة الأكثر تأثيرا على بقية الساحات، هذه الجبهة التي يبدو الجيش الإسرائيلي جاثيا على ركبتيه أمامها، الأمر الذي يتجلى في فشل الجيش في تحرير أسراه من قبضة المقاومة فيها كما قال صباح يوم الأحد الجنرال المتقاعد غيورا آيلاند في مقابلة صباحية له على القناة العبرية (12N).
يكشف ما تقدم أن الحكومة الإسرائيلية بزعامة مجرم الحرب نتنياهو المطلوب للإعتقال إنما يواصل خداع الإسرائيليين بقوله أنه نجح في تفكيك وحدة الساحات وفصل غزة عن لبنان باعلان موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار، إذ يدرك أصغر الإسرائيليين سناً أن جبهة غزة رغم صغر مساحتها الجغرافية ورغم ما تتعرض له من إبادة وتطهير (كما أقر علناً مؤخرا وزير الدفاع الأسبق بوجي يعالون)على مدى اربعة عشر شهراً لا زالت تملك الكلمة الفصل المؤثرة على كل الجبهات والساحات.