ما هي الخطة الأمريكية للبنان؟ يجيب المعلق ديفيد إغناطيوس، في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، أن الولايات المتحدة تحاول تحقيق رؤية جذابة للبلد، ولكنها تحتاج إلى واقعية حقيقية كي تنجح.
وتحدث إغناطيوس، بناءً على زيارته للعاصمة اللبنانية بيروت، حيث زار مقر وحدة من قوات الجيش تقوم بدوريات للحفاظ على الأمن في المدينة التي تعيش حالة حرب.
ويعترف أنه سأل قائد دورية السؤال الخطأ، حيث طلب منه تحديد الجنود السنة والشيعة والمسيحيين والدروز في الدورية. فردَّ الجندي: “لا نتحدث عن هذا في الجيش”، فهو سؤال محرّم في جيش يمثّل المؤسسة الوطنية في بلد متعدد الطوائف الدينية.
ولكنه عاد وسأل إن كان الجيش اللبناني مستعدًا للانتشار والسيطرة على الجنوب وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701، وتأمين الحدود ومنع مقاتلي “حزب الله” من العمل في المنطقة.
والتفت القائد إلى أحد جنود القبعات الخضر، واسمه وليد، الذي تقدّمَ وأدى التحية العسكرية، وقال: “طبعًا نستطيع حماية بلدنا”، ثم جذب الجنرال الكاتب جانبًا، وقال: “طالما نعمل معًا وبدون تدخل دولة أجنبية ضدنا فسننجح”.
وكعادة الكاتب في الحديث عن “اليوم التالي”، حيث ردّد هذا في مقالاته عن غزة، فقد قال: “هذا هو حلم اللبنانيين عن اليوم التالي بعد هذه الحرب، وأمسكت به في وقت كانت فيه مسيّرة إسرائيلية تزنّ فوق العاصمة اللبنانية، وتقصف المقاتلات الإسرائيلية مواقع “حزب الله” في كل لبنان. وفي حديثي مع عدة مسؤولين لبنانيين، فإنني لم أعثر على شخص لا يريد حكومة لبنانية بدلاً من الحالة الملتوية للدولة داخل الدولة، والتي خلقها “حزب الله” في العقود الماضية، ولكن كيف؟”
وأكد المسؤولون اللبنانيون أن هناك عملية اختراق ممكنة وسريعة، حالة أوقفت إسرائيل هجماتها.
وفي مقابلة مع رئيس الحكومة اللبنانية المؤقتة نجيب ميقاتي، قال فيها إن أولويته هي تنفيذ قرار 1701.
أما رئيس البرلمان، نبيه بري، فقد أكد قائلاً: “أردت وقف إطلاق النار، أمس، واليوم، وغدًا”.
أما زعيم “التيار الوطني الحر”، جبران باسيل، والذي تحالف سابقًا مع “حزب الله”، فقد قال: “يشعر الكثير من اللبنانيين بالسعادة مع انكسار قوة الفيتو لـ “حزب الله”. ولكننا نعتقد أن التنوع الطائفي اللبناني مقدس، ويجب الحفاظ عليه بالتساوي بين الجميع”.
وتساءل الكاتب: هل هذا واقعي؟ هل يمكن للجيش والشعب الاتحاد معًا، واسترجاع لبنان بدعم من أمريكا، في وقت لا تزال تتعامل فيه إيران وإسرائيل مع لبنان كساحة رئيسية للنزاع القاسي؟
وعلق إغناطيوس أن هذه الأسئلة شخصية له، فهو يزور لبنان منذ ما يقرب من 45 عامًا، وكان في السفارة الأمريكية في بيروت في 18 نيسان/أبريل 1983، قبل أقلّ من ساعة من انفجار سيارة مفخخة ضخمة عند الباب الأمامي.
وقد أسفر الهجوم عن مقتل 63 شخصًا، ونفذه عملاء تلقوا الدعم من إيران، وكانوا أسلافًا لـ “حزب الله”، وكان بداية لحرب إرهابية ضد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مستمرة حتى يومنا هذا، كما يقول.
وأشار إغناطيوس إلى أن المسؤول الأمريكي الذي أجرى معه مقابلة في السفارة، في ذلك اليوم قبل 41 عامًا، قدم صورة وردية حول كيفية مساعدة الولايات المتحدة في إنشاء جيش لبناني قوي قادر على إصلاح البلد بعد الغزو الإسرائيلي، عام 1982.
ويعلق أنه كان “حلمًا ساحرًا بإعادة الإعمار بقيادة أمريكية في الشرق الأوسط. وهو حلم يكاد يكون مطابقًا لحلم اليوم. ولكن مع تسارع التفجيرات والاختطاف والاغتيالات، لم يكن لدى الولايات المتحدة الشجاعة الكافية لمتابعته حتى النهاية. وانسحبت القوات الأمريكية في عام 1984. واستمرت الفوضى، وقتل الآلاف من اللبنانيين”.
وتساءل الكاتب إن كان الوضع اليوم غير الأمس؟ وهو يريد أن يؤمن بأن الإجابة نعم، لكن دبلوماسية جو بايدن من أجل وقف إطلاق النار تجري في عين عاصفة الانتخابات. وكما في المحاولات السابقة، فهناك أدلة قليلة عن فهم الشعب الأمريكي ما يجري خلف الالتزامات التي يقدمها المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين. وسأل الكاتب مسؤولًا أمريكيًا مطلعًا في بيروت، الأسبوع الماضي، عمّا قد تفعله الولايات المتحدة إذا اغتيل أحد دعاة وقف إطلاق النار مع إسرائيل أو انفجرت سيارة مفخخة، ولكنه لم يتلق إجابة واضحة.
يحتاج الأمريكيون، هذه المرة، التأكد من بناء لبنان على أسس متينة، لا فوق رمال متحركة، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها ملتزمون بالوقوف إلى جانب اللبنانيين خلال هذه العملية التي ستحتاج إلى وقت طويل.
ويقول إغناطيوس إن الجيش اللبناني يشكّل حجر الزاوية في خطة وقف إطلاق النار الأمريكية، ولكنه حجر الزاوية الهش، حيث أصبحت هذه القوات منهكة الآن. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن عدد جنوده يبلغ نحو 70,000 جندي، ولكن العديد منهم يعملون في وظائف أخرى لدعم أسرهم.
وذكر مراسلو الصحيفة للكاتب أن بعض نقاط التفتيش التابعة للجيش اللبناني كانت، شهر تشرين الأول/أكتوبر، بدون حراسة في بعض الأحيان، مع أنها تقع قرب مناطق رئيسية. وتلقى الجيش معونات عسكرية من أمريكا وقطر للحفاظ عليه، ولكي يتمكن من دفع الرواتب للجنود، والتي لا تقلّ عن 100 دولار في الشهر، ولكن المال بدأ ينفد.
وقال جنرال لبناني بارز، في حديث بنادي الضباط، إن الطريقة التي سيتمكّن منها الجيش استعادة قوته، تبدأ من قائده جوزيف عون، وهو قائد عسكري نظيف، حسب عسكري أمريكي في لبنان.
وأضاف الكاتب أن الجنرال عون يخطط لتعزيز القوات اللبنانية ومهمتها في جنوب لبنان. وبحسب الجنرال البارز، يحتاج الجيش إلى 930 مليون دولار لشراء أسطول جديد من المركبات المدرعة والأسلحة والمعدات الجديدة.
ولديه الآن نحو 4,800 جندي في الجنوب، ويتوقع أن يزيد هذا العدد بسرعة إلى 5,500، بعد وقف إطلاق النار، وسيصل عددهم إلى 10,000 جندي، بعد ستة، أو ثمانية أشهر من الآن.
وأشار الكاتب إلى مقتل 31 عنصرًا من الجيش، منذ بداية الحملة الإسرائيلية، في أيلول/سبتمبر، منهم 11 قتلوا في الميدان، و20 في بيوتهم. وربما اضطر 50,000 للنزوح من بيوتهم، كجزء من 1.2 نازح شُردوا من الجنوب.
ويواصل الجيش الحفاظ على اتصال غير مباشر منتظم مع الجيش الإسرائيلي، حتى لا يواجه النيران أثناء تحركه.
أما بالنسبة لـ “حزب الله”، فقد قال الجنرال إن القيادة والتحكّم فيه أصبحت الآن تحت قيادة ضباط من “الحرس الثوري” الإسلامي يعملون انطلاقًا من السفارة الإيرانية.
وأشار الكاتب إلى أن الجيش اللبناني لديه ستة أفواج تدخّل، ولديه مستشارون من عدة دول أوروبية.
ونظرًا لقبضة عون القوية على الجيش، بات بعض اللبنانيين، والعديد من المسؤولين الأمريكيين، يرون فيه الرئيس المقبل للبنان، وهو المنصب الذي أصبح شاغرًا الآن.
وزعم أحد أعضاء البرلمان اللبناني، وهو من أشد أنصار عون، أن “البلاد تحتاج إلى ديكتاتور يحكمها لمدة عامين”، وأن يكون “خارج المجموعة الفاسدة”. ولكن أحد الوزراء اللبنانيين السابقين حذّرني من الاعتماد على رجل قوي عسكري، قائلًا: “لبنان ليس مصر”.
ورغم ما يقال عن ميقاتي وبري، وكونهما من الطبقة السياسية التي تتعرّض لانتقادات، فسيظلان، وغيرهما، صنّاع السلطة اللذين سيتعامل معهما هوكشتاين.
ودعم ميقاتي خطة الأخير، وهو مع نشر القوات اللبنانية في الجنوب، وتمديد قيادة عون للجيش، والتي تنتهي في كانون الثاني/يناير. وقال: “لا نغيّر ضباطنا وسط المعركة”، وأضاف أن اللبنانيين يحتاجون إلى رئيس يحظى بالإجماع. وأكد ميقاتي على أهمية انتهاز الفرصة الحالية، وإعادة البنية السياسية: “لبنان معروف عنه بتفويته الفرص”، و “آمل أن نتعلم من هذا التاريخ، وانتهاز الفرصة التي لدينا الآن”.
كما التقى الكاتب مع بري في مقر إقامته ببيروت الغربية. وقبل لقائه تحدث مع علي حمدان، المستشار المقرب لبري لسنوات عديدة، في غرفة مؤتمرات خارج مكتب بري. وحذره من أن إسرائيل يجب أن تدرك أن “القوة العسكرية لا تحل المشكلة في لبنان”. وقال إن إسرائيل يجب أن ترى أن “الفوز” يجب أن يكتب بين قوسين، وتجنّب الإفراط في غزوها للبنان عام 1982، والذي أصبح مستنقعًا مميتًا لإسرائيل.
وقال حمدان، قبل أن يقود الكاتب لمقابلة رئيسه: “لدينا فرصة نادرة جدًا لإنقاذ لبنان، ويجب ألا نعود إلى العمل كالمعتاد”. وأكد بري دعمه لتفاصيل خطة هوكشتاين. وعندما ضغط عليه الكاتب بشأن إيران، التي سهلت قبضة “حزب الله” الخانقة على السياسة اللبنانية، يقول إنه أعطاه إجابة مباشرة مشجعة: “أنا لا أنكر أن إيران تساعد “حزب الله”. حتى “حزب الله” يقول ذلك. ولكن إذا ساعدت أمريكا لبنان، فلن نتلقى الأوامر من إيران”. لكن المتحدث باسم بري نفى الكلام بعد نشره، وقال إن التعليق المنسوب إليه بشأن إيران “غير صحيح”، وإن كلامه جاء ردًا على سؤال حول تمويل إيران لـ “حزب الله” بقوله: “هذا معروف للجميع، وأنتم تدعمون إسرائيل”.
ويعلق إغناطيوس قائلًا: “ملاحظاتي واضحة، وتدعم تقريري الأصلي، لكن توضيح بري يوضّح أنه لا يريد أي قطيعة مفتوحة مع إيران”.
وقاده التفكير حول الدور الأمريكي في لبنان إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وحضر محاضرة ألقاها مؤرخ بارز، وهو مكرم رباح، تحدّثَ فيها عن الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
وبعد ساعة من النقاش مع الطلاب، طرح إغناطيوس سؤالًا حول إمكانية مساعدة أمريكا للبنان هذه المرة. وبدا من كلام الطلاب أن التغيير ممكن، لكن في حال احتكرت الدولة السلطة، فإن قوة الميليشيات لم تجلب على البلد سوى العنف والدمار. ويزعم الكاتب أن إدارة بايدن وضعت، في أيامها الأخيرة، خطة مدروسة لإنقاذ لبنان من غطرسة “حزب الله” وقنابل إسرائيل. وهي “محاولة نبيلة”، لكن على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة للسير بثبات مع اللبنانيين على طريق سيكون خطيرًا. و”إذا لم نكن جادّين هذه المرة، فسنقتل المزيد من اللبنانيين”.