لم يستطع الجيش الإسرائيلي التقدم نحو الجنوب اللبناني بعد أكثر من شهر من المواجهات البرية المباشرة وتمركز خمس فرق عسكرية، ويتخوف في حالة التقدم نحو نهر الليطاني أن يعيش سيناريو رهيب مشابه لمعركة فردان الألمانية-الفرنسية التي خلفت أكثر من 700 ألف ضحية بين قتيل وجريح خلال الحرب العالمية الأولى. والمقارنة هنا في الحربين ليس بحجم عدد الضحايا إنما بمدى دموية القتال مع اختلاف عدد الجهتين المتقاتلتين حاليا.
وأوردت جريدة يديعوت أحرنوت في عددها اليوم الأربعاء أنه بعد شهر من المواجهة البرية المباشرة ضد المقاومة اللبنانية، لم تنجح خمس فرق عسكرية ولواء احتياط في التقدم والتموقع العسكري في الجنوب اللبناني. ويتعلق الأمر بأكثر من خمسين ألف جندي. ومن باب المقارنة، فهذا العدد الضخم من الجنود هو ثلاثة أضعاف الجنود الذين كانوا في حرب تموز 2006 ضد حزب الله.
ورغم القوة النارية التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي واستعماله سلاح الجو في قصف المقاومة اللبنانية، فقد فشل في احتلال ولو قرية واحدة في الجنوب اللبناني ويتقدم كيلومترين أو ثلاث ويتراجع. وهذا يبرز نجاعة التكتيك الذكي الذي ينتهجه حزب الله. ويقوم هذا التكتيك الميداني من خلال تتبع الخبراء لمجريات الحرب على عدد من خطوط دفاع على الأقل بين الثابتة والمتحركة والمجهزة بشتى أنواع القذائف التي تقنص المدرعات والدبابات والجنود بشكل دقيق. وعلاوة على هذا، نهج تقنية الاختفاء، حيث لا يرصد الجيش الإسرائيلي في الغالب مصادر النار التي تفاجئه وتفشل جميع خططه في التقدم حتى الآن، كما أن سلاح الجو الإسرائيلي لا ينفع مع قوات متخفية في مناطق صعبة جغرافيا، ويلجأ في المقابل إلى ضرب البنيات التحتية والمدنيين.
وفشل الجيش الإسرائيلي في التقدم ناتج عن صعوبة رسم خريطة دقيقة لتمركز قوات المقاومة اللبنانية، لكنه يتفاجأ عند كل تقدم بكثافة نارية رهيبة، ويحدث هذا رغم أن استخباراته تعتبر حزب الله العدو الأول وتركز على مراقبته بشدة. . ومما يزيد من خطورة التقدم هي الطائرات المسيرة الصغيرة التي لا يستطيع مواجهتها بحكم أن القبة الحديدية لا تحميه في هذا التقدم، كما أن قصر المسافة التي تكون أحيانا “الصفر” لا تنفع معها مضادات للمسيرات. ويرى العقيد احتياط في الجيش جاك نيريا لقناة إي 24 نيوز أنّ: “المقاتلين في لبنان يسمحون للجيش الإسرائيليّ بالتقدّم تمهيدًا لمهاجمته وإيقاعه في كمائن”، وهذا أسوأ سيناريو تتعرض له القوات الإسرائيلية بما فيها قوات النخبة مثل غولاني وبقي قوات الكوماندو.
وعمليا، يمكن للجيش الإسرائيلي التقدم نحو الجنوب وإلحاق خسائر كبيرة بالمقاومة اللبنانية، غير أن الفاتورة في الخسائر خاصة البشرية ستكون مرتفعة وربما أكثر من حصيلة جميع قتلى الجيش الإسرائيلي طيلة الحروب التي خاضها منذ أواخر الأربعينات حتى طوفان الأقصى. وعليه، يوجد الجيش الإسرائيلي في مأزق حربي إذا ما تقدم وأمام سيناريو رهيب وهو احتمال تكرار سيناريو معركة فردان بين القوات الألمانية والفرنسية ما بين 21 فبراير الى 18 ديسمبر من سنة 1916 إبان الحرب العالمية الأولى التي خلفت مقتل 163 ألف في صفوف فرنسا و143 في صفوف القوات الألمانية وأكثر من 400 ألف جريح في صفوف الطرفين، وانتهت بهزيمة الألمان. ولا تريد السلطات السياسية ولا الجيش سقوط ضحايا بالمئات إذا حدث التقدم البري، فقط أصبح التقدم العسكري البري مرادفا لمعركة فردان جديدة بسقوط آلاف القتلى في صفوف الطرفين. وعند كل حرب، تتفادى الجيوش الوقوع في فخ معركة فردان لأنه كابوس حقيقي بسبب الخسائر التي قد تقع إذا حدث هذا السيناريو، وهي عقدة الجيش الإسرائيلي مقابل قوات مستعدة للموت دفاعا عن بلدها.
وكانت إسرائيل تقول منذ شهر “إذا فشل العالم في سحب حزب الله الى ما وراء نهر الليطاني، فإن إسرائيل ستفعل ذلك”. غير أن التطورات تحمل معطيات ميدانية مختلفة، فقد بدأ الجيش الإسرائيلي يتخلى تدريجيا عن تقدم عسكري نحو الجنوب اللبناني وفكرة تحويل نهر الليطاني الى الحدود الآمنة التي لا يجب على حزب الله عدم تجاوزها، لاسيما بعد أن استعاد حزب الله تنظيم قواته العسكرية بعد الضربات التي تعرض لها نهاية سبتمبر الماضي.