تسربت وثائق استخباراتية أمريكية حساسة للغاية حول الخطة المفترضة للرد الإسرائيلي على هجوم إيران يوم فاتح أكتوبر الجاري. ولا يمكن استبعاد أن هذا التسريب المتعمد يعود الى أطراف في الدولة العميقة ترفض الدخول في حرب مع إيران، وبالتالي تكرار سيناريو هذه الأطراف سنة 2006 للحرب التي كان ينوي الرئيس الأسبق جورج بوش الابن شنها ضد إيران.
وقد بدأ تداول هذه الوثائق السرية ابتداء من 15 أكتوبر الجاري في حساب في تلغرام يحمل اسم “ميدل إيست سبكتاتور” وتعود الى أحد أهم وكالات الاستخبارات الأمريكية وهي “وكالة الاستخبارات الجغرافية المكانية” NGA التي تراقب العالم بعدد كبير من الأقمار الاصطناعية، وتخصصت في مراقبة التحركات العسكرية في العالم، وهي التي تحدثت عن الحشود الروسية لغزو أوكرانيا، وهي التي رصدت تحريك الحرس الثوري الإيراني لمنصات الصواريخ لضرب إسرائيل يوم فاتح أكتوبر الجاري، وأعلنت عن ذلك للعالم.
وجرى تسريب الوثائق التي أنجزتها عن تحركات الجيش الإسرائيلي للرد على الهجوم الإيراني، وهي وثائق مختومة بسري جدا. وتفيد هذه الوثائق بأن الوكالة رصدت القوات الجوية الإسرائيلية وهي تعد ما لا يقل عن 16 صاروخًا من طراز ”الأفق الذهبي“ وما لا يقل عن 40 صاروخًا باليستيًا من طراز ”روكز“ تطلق من الجو. وقد بدأت هذه الاستعدادات في 8 أكتوبر/تشرين الأول على أبعد تقدير في قاعدة رامات ديفيد الجوية وقاعدة رامون الجوية. ونقل عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مجموعة من المصادر تأكيد ذلك.
وفي وقت لاحق، أجرى سلاح الجو الإسرائيلي في 15 تشرين الأول/أكتوبر مناورة واسعة النطاق لتوظيف القوات تحاكي ظروفاً مشابهة جداً لتلك التي قد يتطلبها الهجوم على إيران – مع التركيز بشكل كبير على عمليات التزود بالوقود جواً وعمليات البحث والإنقاذ القتالية. وشملت التدريبات واسعة النطاق ما لا يقل عن ثلاث ناقلات من طراز KC-707، وطائرة واحدة من طراز G550 Gulfstream للإنذار المبكر والتحكم المحمولة جواً، والتي تعتبر حيوية لتسهيل عمليات المقاتلات بعيدة المدى الفعالة. كما تسربت وثائق وكالة الأمن القومي الخطوط العريضة التي تعرضت لتدريبات سلاح الجو الإسرائيلي التي تتضمن صواريخ جو أرض لضرب إيران، ولا يستبعد تسريب وثائق أخرى.
وهذه الوثائق موجهة الى ما يعرف في عالم الاستخبارات ”العيون الخمس“ لتبادل المعلومات الاستخباراتية التي تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا ونيوزيلندا وأستراليا. وهذا يعني مشاركة هذه الدول في اتخاذ القرار والدعم اللوجيستي بل والعسكري المباشر إذا تطلب الأمر.
والاثنين من الأسبوع الجاري، صرح الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض جون كيربي الذي يتولى الحديث وشرح الملفات العسكرية الشائكة أن الرئيس جو بايدن قلق من هذا التسريب، وتحقق مختلف الاستخبارات الأمريكية حاليا في كيف حدث التسرب الاستخباراتي. وتوجد فرضيتان حول عملية التسريب وهما:
قيام أطراف في الدولة العميقة الأمريكية بتسريب الوثائق لفضح الهجوم الإسرائيلي لأنها تعتقد أن أي هجوم سيليه رد قاس من نظام طهران، وبالتالي جر الولايات المتحدة الى خوض حرب ضد إيران للدفاع عن إسرائيل. وترفض هذه الأطراف أي حرب مع إيران لأنها تتطلب مجهودا عسكريا جبارا لأن إيران ليست بالدولة الضعيفة عسكريا لا سيما في ظل امتلاكها صواريخ فرط صوتية، ثم أن أي مواجهة عسكرية تعني إضعافا حقيقيا لاستراتيجية البنتاغون الانتشار في منطقة المحيط الهادي-الهندي.
ويسيطر قلق كبير على صناع القرار في الدولة العميقة الأمريكية من استغلال الصين لهذه التطورات التي قد تقع لبسط نفوذها التام على المنطقة المذكورة. وهذا سيناريو ليس بالغريب. فقد كان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن قد قرر شن حرب ضد إيران سنة 2006 كتكملة لحربه ضد العراق ومنعها من الحصول على القنبلة النووية، لكن كل أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي تعمل ضمن “مجمع الاستخبارات الأمريكية” قدمت تقارير تؤكد عدم استطاعة طهران وقتها الحصول على القنبلة النووية، وبالتالي سحبت منه مبرر شن الحرب. وكان مجمع الاستخبارات يعتقد أن الحرب ضد إيران ستحمل انعكاسات سلبية على مستقبل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وكان السفير الأمريكي في الأمم المتحدة سنة 2006 وأصبح لاحقا مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، جون بولتون، أكد في كتابه الصادر سنة 2007 “الاستسلام ليس خيارنا” أن “تقارير المخابرات الأمريكية حول إيران وقتها كلها كانت مخالفة للحقيقة، فقد أرادت تجنب الحرب، وعارضت الرئيس في عملية أشبه بالانقلاب عليه”.
وتتجلى الفرضية الثانية في تسريب متعمد هو عبارة عن مسرحية لتمكين إسرائيل من ذريعة بأن لا تشن هجوما على إيران بعد انفضاح ما يزعم مخطط الهجوم، وبالتالي حفظ ماء وجه الكيان بسبب عجزه عن الرد الإيراني حتى الآن خوفا من رد عنيف لطهران التي هددت في أكثر من مناسبة، وآخرها الثلاثاء من الأسبوع الجاري على لسان رئيسها مسعود بزشيكان.