نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي كبير قوله إن تشكيل قوة فلسطينية تدربها الولايات المتحدة، هو الترتيب الأكثر ترجيحا لتأمين الحدود بين غزة ومصر، في حال التوصل لاتفاق.
وفي تقرير لها، أوضحت صحيفة "واشنطن بوست" أنه "في الوقت الذي يكافح فيه من أجل بقائه السياسي، أصبح إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إبقاء القوات على شريط ضيق من الأرض على طول الحدود بين غزة ومصر العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن مع حماس"، وفقا لمسؤولين حاليين وسابقين من الدول الوسيطة.
وبعد أشهر عديدة من المحادثات غير الحاسمة، ناقش الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس مع المستشارين يوم الاثنين كيفية المضي قدما في اقتراح نهائي "اقبلوه أو اتركوه"، لتقديمه إلى إسرائيل و"حماس"، ربما في أقرب وقت من هذا الأسبوع.
بالنسبة لأسر الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا يأملون في إعادة أحبائهم إلى ديارهم أحياء، ولأكثر من مليوني فلسطيني في غزة يتصارعون مع النزوح والجوع والمرض والقصف الإسرائيلي، فإن المخاطر لم تكن أعلى من أي وقت مضى، والتوقعات لم تكن أكثر قتامة من أي وقت مضى، حسب الصحيفة.
وتحدثت "واشنطن بوست" مع تسعة مسؤولين حاليين وسابقين في دول مشاركة في المحادثات، حيث أعربوا عن إحباطهم المتزايد إزاء الافتقار إلى التقدم بالإضافة إلى التشاؤم المتزايد بشأن احتمالات التوصل إلى اتفاق، فيما تحدث معظمهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم.
وفق الصحيفة، يتفق المسؤولون على أن النقطة الشائكة الرئيسية هي مطلب نتنياهو بالسماح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في محور "فيلادلفيا"، وهي منطقة عازلة تمتد على طول الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر، والتي استولت عليها إسرائيل في مايو.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يواصلون السعي للحصول على التزامات من حماس بشأن جوانب مهمة من الاتفاق أيضا ويخشون أن "حماس" قد لا تزال تعرقل التوصل إلى اتفاق، حتى لو تم حل قضية الحدود، على حد زعمهم.
ويعتبر نتنياهو أن "البقاء في المحور ضروري لمنع حماس من تهريب الأسلحة"، وهو الموقف الذي يغذي التوترات مع مصر والمعارضة الصريحة المتزايدة من جانب شخصيات داخل المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية، التي تقول إن البلاد يجب أن تعطي الأولوية لعودة رهائنها، وهم يقللون من أهمية الوجود الإسرائيلي في فيلادلفيا، ويصفون مطالب رئيس الوزراء المحاصر بأنها محاولة لعرقلة الاتفاق الذي قد يضعف من مكانته السياسية.
رفض مكتب رئيس الوزراء التعليق على مزاعم مفادها أن موقفه على الحدود أصبح الآن العائق الرئيسي أمام تقدم المحادثات.
وفي مؤتمر صحفي عقد في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، استهدف بيني غانتس وغادي آيزنكوت، السياسيان المعارضان اللذان استقالا من حكومة نتنياهو الحربية في يونيو، رئيس الوزراء بشكل مباشر.
وقال غانتس: "يركز نتنياهو على البقاء السياسي، مما يؤدي إلى إلحاق الضرر بالعلاقات مع الولايات المتحدة بينما تقترب إيران من القدرة النووية. يجب إعادة الرهائن، حتى ولو بثمن باهظ للغاية".
في يوم السبت، استعادت القوات الإسرائيلية جثث ستة رهائن من نفق في جنوب غزة، وقالت السلطات الإسرائيلية إنهم أعدموا من قبل خاطفيهم في الأيام الأخيرة أثناء عمل القوات في المنطقة، مما أثار موجة من الحزن والغضب في جميع أنحاء إسرائيل، حيث كان أربعة على الأقل من الستة على قائمة الإفراج عنهم في المرحلة الأولى من الاتفاق المقترح الذي كان المفاوضون يتجادلون بشأنه طوال الصيف.
ولا يزال سبعة وتسعون رهينة محتجزين في غزة، وفقا للحكومة الإسرائيلية، ويعتقد أن 64 فقط على قيد الحياة.
وفي بيان صدر مساء الاثنين، أصدر المتحدث العسكري باسم كتائب "القسام" أبو عبيدة، تحذيرا بشأن مصيرهم: "إصرار نتنياهو على تحرير الأسرى من خلال الضغط العسكري بدلا من إبرام صفقة سيعني عودتهم إلى أهلهم داخل توابيت وعلى عوائلهم الاختيار إما قتلى وإما أحياء".
ومع خروج أسر الرهائن وأنصارهم إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة يوم الاثنين، وتجمع الآلاف من المشيعين لتذكر الإسرائيلي الأمريكي هيرش غولدبرغ بولين، الذي كانت جثته من بين الجثث التي تم انتشالها من غزة، تواصل مسؤول إسرائيلي مع صحيفة "واشنطن بوست" للتعبير عن غضبه.
وتحدث المسؤول عن الرهائن قائلا: "لقد قتلتهم حماس، وحماس هي الشريرة هنا، لكن حكومتي أهملتهم. كان بوسعنا إنقاذهم. لقد ارتكبت "حماس" الجريمة ويجب أن تحاسب، لكن حكومتي كانت مسؤولة عن القيام بكل ما يلزم لإنقاذهم، وقد خذلتهم وأسرهم. نحن مدينون لهم بالاعتذار"، على حد قوله.
ومن جانبه، أكد القيادي في حركة "حماس" عزت الرشق أن "من يتحمل مسؤولية موت الأسرى لدى المقاومة هو الاحتلال الذي يصر على مواصلة حرب الإبادة الجماعية والتهرب من الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، والإدارة الأمريكية بسبب انحيازها ودعمها وشراكتها في هذا العدوان".
وشدد الرشق على أن "الأسرى قتلوا بالقصف الصهيوني"، مضيفا أن حماس "كانت حريصة أكثر من (الرئيس الأمريكي جو) بايدن على حياة الأسرى لديها، ولهذا وافقت على مقترحه بخصوص الهدنة، بينما رفضها نتنياهو".
وفي مؤتمر صحفي عقده يوم الاثنين، طلب نتنياهو من عائلات القتلى المغفرة، لكنه أكد أيضا على موقفه بشأن الحدود.
وأشار نتنياهو خلال عرضه لخريطة خضراء نيون لقطاع غزة مغطاة بأيقونات صواريخ وأكياس نقود ورجال ملثمين، مضيفا: "محور الشر يحتاج إلى ممر فيلادلفيا، ولنفس السبب يجب أن نسيطر على ممر فيلادلفيا".
وصوّت مجلس الوزراء الإسرائيلي لصالح الوجود العسكري المستمر على طول الممر يوم الخميس، على الرغم من اعتراضات وزير الدفاع يوآف غالانت.
وعلق إفرايم سنيه، نائب وزير الدفاع السابق وعضو مجلس إدارة قادة من أجل أمن إسرائيل، بالقول: "يشير قرار مجلس الوزراء إلى أن نتنياهو غير مهتم بإعادة الرهائن إلى ديارهم..لا يوجد تفسير آخر".
واستأنفت المحادثات الدبلوماسية على نغمة متفائلة في أواخر مايو، عندما أعلن بايدن عما وصفه بأنه اقتراح إسرائيلي، وقد دعا المقترح إلى عملية من ثلاث مراحل من شأنها أن تشهد تبادل الرهائن بالسجناء الفلسطينيين خلال وقف إطلاق النار الأولي لمدة ستة أسابيع، بهدف التوصل إلى نهاية دائمة للحرب، التي قتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وكثير منهم من المدنيين، وخلقت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وفي أوائل يوليو، وتحت الضغط الأمريكي، تخلت "حماس" عن بعض مطالبها المتشددة، وأعرب بايدن عن ثقته في أن الاتفاق قريب، ولكن في وقت لاحق من ذلك الشهر، قدم المفاوضون الإسرائيليون رسميا متطلبات جديدة، بما في ذلك بقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا ومعبر رفح الحدودي مع مصر. وأكدت "حماس" مرارا وتكرارا أن هذا أمر غير قابل للتنفيذ، وقد ثبت أن الجهود المبذولة لإيجاد حل وسط بعيدة المنال.
كما أثار موقف نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا التوترات مع مصر، التي تعترض على أي وجود إسرائيلي هناك وحذرت من أنه ينتهك اتفاقيات كامب ديفيد لعام 1979، وهي معاهدة تاريخية حافظت على السلام بين البلدين لأكثر من أربعة عقود.
ومنذ السابع من أكتوبر، زعم نتنياهو أن الممر يشكل قناة رئيسية لنقل الأسلحة والأموال إلى مسلحي "حماس" في غزة، فيما ترفض مصر هذه الاتهامات، ويقول الجيش الإسرائيلي إنه عثر على نحو عشرين نفقا تحت الحدود منذ مايو.
وكان رد فعل القاهرة غاضبا على هذه الاتهامات، قائلة إنها دمرت أكثر من 1500 نفق تهريب على مدى العقد الماضي وأنشأت منطقة عازلة عسكرية بعمق ثلاثة أميال تقريبا على جانبها من الحدود في شمال سيناء.
وفي بيان صدر يوم الثلاثاء، أشارت وزارة الخارجية المصرية إلى أن أحدث تعليقات نتنياهو بشأن الممر كانت محاولة "لزج اسم مصر لتشتيت انتباه الرأي العام الإسرائيلي وعرقلة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار".
وعندما "زار ممثلون إسرائيليون القاهرة قبل أسبوعين، أمضوا يوما كاملا في اجتماع مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل لمناقشة ممر فيلادلفيا فقط، وليس تفاصيل تبادل الأسرى"، وفقا لما نقلته "واشنطن بوست" عن مسؤول مصري سابق مطلع على المحادثات.
وفي وقت ما من الشهر الماضي، رفض الوسطاء المصريون تمرير أحدث مقترحات إسرائيل إلى حماس لأنها اعترضت بشدة على أحكام الحدود، كما قال المسؤول السابق.
وأضاف أن مصر ستكون على استعداد للترفيه عن الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من ممر فيلادلفيا، ولكن "عليهم في النهاية الانسحاب".
وهذا موقف مشترك بين واشنطن التي كانت مصرة على أنه لا يمكن أن يكون هناك احتلال إسرائيلي دائم لغزة.
وفي اعتراف علني نادر بالاختلافات مع إسرائيل، قال بايدن للصحفيين في البيت الأبيض يوم الاثنين إن نتنياهو لا يبذل جهدا كافيا للتوصل إلى اتفاق.
وفي الشهر الماضي، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكين إن الزعيم الإسرائيلي وافق على أحدث اقتراح أمريكي، فقط لكي ينكر نتنياهو علنا جوانب رئيسية منه بعد ساعات.
وعندما تم الضغط عليه يوم الثلاثاء للحصول على رد أمريكي على أحدث تصريحات نتنياهو بشأن ممر فيلادلفيا، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي: "لن أتجادل مع رئيس الوزراء".
ورفضت واشنطن النظر في ربط المساعدات العسكرية لإسرائيل، ومع وجود بايدن في الأشهر الأخيرة من رئاسته وولاية ثانية محتملة لترامب في الأفق، إذ "يلعب نتنياهو لعبة صعبة، وفق ما ذكره عضو في بعثة دبلوماسية في المنطقة لـ"واشنطن بوست".
وصرح مسؤولان كبيران في الإدارة الأمريكية للصحيفة بأنه "إذا لم تقبل إسرائيل وحماس صفقة "اقبلوها أو اتروكها"، فقد يمثل ذلك نهاية المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة.
إن الضغط الأكبر على نتنياهو يأتي الآن من داخل إسرائيل، حيث يرى المسؤولون العسكريون أن موقفه على الحدود مدفوع باعتبارات سياسية وليست أمنية.
واعتبر غالانت أن البقاء في "فيلادلفيا" ليس ضروريا من منظور عسكري، لافتا إلى أن قوات الدفاع الإسرائيلية مستعدة لدفع أي ثمن عملياتي مطلوب لتحرير الرهائن. وبين المتحدث العسكري الإسرائيلي دانييل هاغاري مرارا وتكرارا أن الصفقة التفاوضية فقط هي التي ستجلب معظمهم إلى الوطن.
وقال غيرشون باسكين، ناشط السلام الإسرائيلي الذي ساعد في التفاوض على إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط من أسر حماس في عام 2011، إنه حصل على الضوء الأخضر من أعضاء فريق التفاوض الإسرائيلي بشأن الرهائن لفتح قناة خلفية سرية مع "حماس" في مايو، موضحا أنه شارك تحديثات يومية حول اتصالاته مع الفريق الرسمي.
وأردف: "استمر الأمر لمدة أسبوعين فقط قبل أن يتم إغلاقي. تحاول إسرائيل إقناع الجمهور بأن هناك مفاوضات جارية، ولكن لا توجد مفاوضات حقيقية جارية".
وعندما طُلب من مكتب رئيس الوزراء التعليق على جهود باسكين خلف الكواليس، قال إنه "لم يكن، ولا يزال، جزءا من المفاوضات الرسمية أو غير المباشرة التي أجرتها إسرائيل منذ أحداث السابع من أكتوبر".
وأفاد موتي كاهانا، رجل الأعمال الإسرائيلي الأمريكي الذي يدير شركة الأمن الأمريكية "جي دي سي"، بأن هناك بدائل حدودية قابلة للتطبيق ولكن لا توجد إرادة سياسية إسرائيلية لملاحقتها.
وأشار إلى أن شركات الأمن الخاصة كانت في مناقشات مع مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين حول خطط لإعادة توظيف موظفين سابقين للسلطة الفلسطينية في غزة لحراسة معبر رفح.
وتابع كاهانا: "يمكنهم بسهولة التوصل إلى حل إذا قرروا اتخاذ قرار".
ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي كبير قوله إن "قوة فلسطينية تدربها الولايات المتحدة هي الترتيب الأكثر ترجيحا لتأمين الحدود".
وأكد الاتحاد الأوروبي أنه "على استعداد لإعادة دوره في مراقبة معبر رفح، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية"، وفق ما ذكرت الصحيفة.
وذكرت الصحيفة نقلا عن المسؤول المصري السابق أن القاهرة سترحب بوجود الاتحاد الأوروبي هناك.
وصرح إيال هولاتا، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، قائلا: "هناك حلول لمنع تهريب الأسلحة من قبل "حماس"..إن الأمر يتعلق بالاتفاقيات مع الأمريكيين، ويتعلق بأشياء نحتاج إلى موافقة المصريين عليها، لكن أعضاء فريق التفاوض، الذين حصلوا على تفويض محدود في الجولة الأخيرة من المحادثات على مستوى العمل في الدوحة الأسبوع الماضي، يعتقدون أن الأمور لا تسير في طريقهم..لو كان هذا شيئاً سيوافق عليه نتنياهو، لكان قد حدث منذ زمن".