معضلة "إسرائيل" التالية: من سيدير قطاع غزة بعد الحرب؟

الثلاثاء 02 يوليو 2024 09:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
معضلة "إسرائيل" التالية: من سيدير قطاع غزة بعد الحرب؟



غزة/سما/

 تتمثل الخطة التي عرضتها إسرائيل لغزة ما بعد الحرب، على حلفاء الولايات المتحدة، في إدارة القطاع بالتعاون مع عشائر محلية ذات نفوذ.

لكن المشكلة هي أنه لا أحد يرغب في أن يُرى وهو يتحدث إلى العدو في مكان ما زالت تتمتع فيه حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) بنفوذ قوي جدا.

وتتعرض إسرائيل لضغوط من واشنطن لوقف نزيف الخسائر البشرية وإنهاء هجومها العسكري بعد نحو تسعة أشهر، لكنها لا تريد أن تتولى حماس المسؤولية بعد الحرب.

ومن ثم، يحاول المسؤولون الإسرائيليون رسم مسار لما بعد توقف القتال.

وبحسب تصريحات علنية لمسؤولين إسرائيليين بارزين فإن أحد الركائز الأساسية للخطة يتمثل في تشكيل إدارة مدنية بديلة تضم جهات فلسطينية محلية ليست جزءا من هياكل السلطة القائمة ومستعدة للعمل مع إسرائيل.

لكن المرشحين المعقولين الوحيدين في غزة لهذا الدور، وهم رؤساء العشائر المحلية القوية، غير مستعدين للمشاركة، وفقا لمحادثات أجرتها رويترز مع خمسة أفراد من العشائر الكبيرة في غزة ومن بينهم رئيس إحدى العشائر.

وقالت تهاني مصطفى، المحللة البارزة في الشأن الفلسطيني في مجموعة الأزمات الدولية، وهي مركز أبحاث مقره بروكسل، إن إسرائيل “تبحث جاهدة عن عشائر وعائلات محلية على الأرض للعمل معها… وهم يرفضون”.

وقالت تهاني التي لها اتصالات ببعض العائلات وأصحاب المصلحة المحليين الآخرين في غزة، إن العشائر لا تريد المشاركة، ويرجع ذلك جزئيا إلى خوفها من انتقام حماس.

وهذا التهديد حقيقي لأنه، على الرغم من هدف إسرائيل الصريح من الحرب المتمثل في تدمير حماس، ما زال للحركة أفراد فاعلون يفرضون إرادتها في شوارع غزة، وفقا لستة من السكان الغزيين.

وردا على سؤال عن النتيجة التي سيحصل عليها أي رئيس عشيرة ذات نفوذ في غزة إذا تعاون مع إسرائيل، قال إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامي الحكومي لحماس في غزة “أتوقع أن يكون الرد مميتا لأي عشيرة أو جهة ترتضي أن تنفذ مخططات الاحتلال، أتوقع أن يكون الرد مميتا من قبل فصائل المقاومة”.

واعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتحديات الأسبوع الماضي، قائلا في مقابلة مع القناة 14 التلفزيونية الإسرائيلية إن وزارة الدفاع حاولت بالفعل التواصل مع العشائر في غزة لكن “حماس” قضت على المحاولات.

وأضاف أن وزارة الدفاع لديها خطة جديدة لكنه لم يذكر تفاصيل سوى الإشارة إلى عدم رغبته في مشاركة السلطة الفلسطينية التي تحكم حاليا الضفة الغربية المحتلة.

ولم يتم التأكد مما إذا كانت جهود إسرائيل للعمل مع العشائر مستمرة.

وناقش وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خطط ما بعد الحرب في اجتماع عُقد في واشنطن الأسبوع الماضي مع مسؤولين أمريكيين.

وقال غالانت في مؤتمر صحافي خلال الزيارة “الحل الوحيد لمستقبل غزة هو أن يحكمها الفلسطينيون المحليون. لا يتعين أن تكون إسرائيل ولا يتعين أن تكون حماس”. ولم يذكر العشائر تحديدا.

 عشائر قوية
في غزة، يوجد عشرات من العائلات صاحبة النفوذ تعمل كعشائر منظمة تنظيما جيدا. وكثيرون منها لا روابط لهم رسمية بحماس. وتستمد العشائر قوتها من السيطرة على النشاط الاقتصادي وتتمتع بولاء مئات أو آلاف من الأقارب. ولكل عائلة زعيم له لقب “المختار”.

واعتمد الحكام الاستعماريون البريطانيون لفلسطين قبل إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 بشكل كبير على هؤلاء الزعماء (المخاتير) في الحكم. وبعد السيطرة على غزة عام 2007، قلصت حماس من قوة العشائر. لكن هذه العشائر احتفظت بدرجة من الاستقلالية.

وتتحدث إسرائيل بالفعل مع بعض التجار في غزة لتنسيق الشحنات التجارية عبر نقطة تفتيش في الجنوب. ويتردد السكان في الكشف عن أي تعاملات مع إسرائيل.

ووصف أفراد من عشائر غزة التقارب مع إسرائيل بأنه كان محدود النطاق وتعلق بقضايا عملية داخل غزة نفسها، وركز على شمال القطاع حيث تقول إسرائيل إنها تركز جهودها في الحكم المدني.

وقال أحد زعماء العشائر في غزة، طالبا عدم ذكر اسمه، إن المسؤولين الإسرائيليين اتصلوا بمخاتير آخرين، لكن ليس هو، في الأسابيع القليلة الماضية. وقال إنه علم بالأمر لأن متلقي المكالمات أخبروه بها.

وأضاف أن المسؤولين الإسرائيليين “كان بدهم ناس لهم احترامهم ونفوذهم” للمساعدة في توصيل المساعدات إلى شمال غزة. وأضاف “أتوقع ألا يستجيب أي من رؤساء العشائر والمخاتير لهذه الألاعيب” مستندا على الغضب من إسرائيل بسبب هجومها الذي أدى إلى استشهاد أفراد من العشائر وتدمير الممتلكات.

والشخص الذي تلعب عشيرته دورا رئيسيا في الزراعة والاستيراد في غزة ليس له أي صلة رسمية بحماس.

وفي اتصال آخر بين إسرائيل وأصحاب النفوذ من سكان غزة، اتصل مسؤولون من وزارة الدفاع الإسرائيلية في الأسبوعين الماضيين باثنين من كبار أصحاب الأعمال في قطاع الأغذية في غزة، وفقا لمصدر فلسطيني مطلع على الاتصالات.

ولم يتضح ما الذي يريد الجانب الإسرائيلي التحدث عنه. ورفض أصحاب الأعمال، وهم من شمال غزة، التعامل مع الإسرائيليين، بحسب المصدر.

وقال عضو بارز في عشيرة أخرى إن المسؤولين الإسرائيليين لم يتصلوا بعشيرته، لكنهم لن يجدوا إلا الصدود إذا فعلوا ذلك.

وقال عضو العشيرة الذي ليس له أي صلة رسمية بحماس “نحن لسنا جواسيس وإسرائيل لازم توقف هيك (هذه) الألاعيب”.

 خيار بديل
قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي في تعليقات الأسبوع الماضي إن الحكومة فوّضت الجيش الإسرائيلي لمهمة إيجاد “قيادة محلية ترغب في العيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل ولا تكرس حياتها لقتل الإسرائيليين”.

وفي حديث تُرجم إلى الانجليزية في مؤتمر، قال إن تلك العملية بدأت في الجزء الشمالي من قطاع غزة، ومن المرجح أن نرى نتائج في وقت قريب.

وإلى جانب الإدارة المدنية، تشمل الركائز الأخرى لخطة إسرائيل لغزة بعد الحرب جلب قوة أمنية من الخارج للحفاظ على النظام والسعي إلى الحصول على مساعدة دولية في إعادة الإعمار والبحث عن تسوية سلمية طويلة الأجل.

وتقول الدول العربية التي تحتاج إسرائيل إلى دعمها إنها لن تتدخل ما لم توافق إسرائيل على جدول زمني واضح لإقامة دولة فلسطينية، وهو الأمر الذي يقول نتنياهو إنه لن يُرغم على القيام به.

وخلال فترة الحرب دعت واشنطن إلى إجراء إصلاحات لتعزيز السلطة الفلسطينية وتجهيزها لحكم غزة التي كانت تديرها في السابق.

وذكر نتنياهو أنه لا يثق في السلطة الفلسطينية، وفي المقابل تقول السلطة الفلسطينية إنه يسعى إلى الإبقاء على حالة الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية.

ووفقا لاستطلاع نشره المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الثاني عشر من يونيو حزيران، فإن الدعم للسلطة الفلسطينية ضعيف بين سكان غزة.

ومع ذلك قال مسؤولان أمريكيان إن نتنياهو قد لا يكون أمامه خيار سوى تسليم مهمة الأمن للسلطة الفلسطينية.

وأضاف المسؤولان اللذان طلبا عدم كشف هويتيهما نظرا لحساسية الأمر أن إسرائيل لم تضع بعد خطة واقعية لحكم وإدارة الأمن في القطاع بعد الحرب.

وأوضحا دون تفاصيل أن المسؤولين الإسرائيليين يدرسون مجموعة من الخيارات.

ولم ترد وزارة الخارجية الأمريكية على طلب التعليق حتى الآن.

“حماس القوة الأبرز”
أظهر استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن بعض سكان غزة يلقون باللوم على حماس في إشعال الحرب، فيما اقترب البعض الآخر أكثر ناحية الحركة غضبا من الهجوم الإسرائيلي، ولا سيما مع التزام الجماعة المعلن بتدمير إسرائيل.

وتدرك حماس أنها من غير المرجح أن تحكم بعد الحرب، لكنها تتوقع الاحتفاظ بنفوذها.

وقال أحد سكان القطاع إنه رأى أفرادا من الشرطة التابعة لحماس يتجولون في شوارع مدينة غزة في يونيو حزيران ويحذرون التجار من رفع الأسعار.

وأضاف طالبا عدم ذكر اسمه خوفا من العواقب أنهم كانوا يرتدون ملابس مدنية بدلا من الزي المتعارف عليه ويتنقلون بدراجات.

وقال أربعة من سكان المدينة إن مسلحي حماس تدخلوا للسيطرة على شحنات المساعدات وقتلوا بعض الشخصيات المعروفة المنتمية إلى العشائر في بداية العام الجاري بعدما حاولوا الاستيلاء على شحنات في مدينة غزة.

وأحجمت حماس عن التعليق على عمليات القتل.

وفي أبريل نيسان ذكرت حماس أن أجهزتها الأمنية اعتقلت العديد من أعضاء جهاز الأمن الموالي للسلطة الفلسطينية.

وذكر ثلاثة أشخاص من المقربين للسلطة الفلسطينية أن المعتقلين كانوا يرافقون شحنة مساعدات في طريقها إلى شمال قطاع غزة.

وقال مايكل ميلشتاين، وهو كولونيل سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ويرأس حاليا منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز موشيه ديان للأبحاث في إسرائيل، “لا يوجد فراغ في غزة، وحماس لا تزال القوة الأبرز”.

(رويترز)