نشر موقع “ميدل إيست آي” تقريراً أعده آزاد عيسى قال فيه إن عالمة سياسية أمريكية رائدة كتبت مقالاً تصف فيه كيف حاولت الأوساط الأكاديمية والعلمية السائدة مراقبة شعور الناس تجاه الهجوم الذي قادته “حماس” من غزة، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فتم منحها إجازة من منصبها التدريسي في كلية هوبارت أند وليام سميث في نيويورك.
وقال الباحثون والأكاديميون إن الحادث الذي تعرضت له جودي دين، المنظرة السياسية الشهيرة والمتميزة، كان له تأثير مروع على أعضاء هيئة التدريس والطلاب في جامعة نيويورك.
وبحسب الرسالة التي أرسلها الرئيس مارك غيران، يوم الأحد، فإن إعفاء دين من مهامها، أثناء إجراء التحقيق، كان مبنياً على احتمال “أن يكون هناك طلاب في الحرم الجامعي لدينا قد يشعرون بالتهديد داخل الفصل الدراسي أو خارجه” بسبب مقالتها.
أصبحت دين واحدة من العديد من الأساتذة في جميع أنحاء الولايات المتحدة الذين تم استهدافهم، إما بسبب التحدث، أو الكتابة، بما يتعارض مع الروايات الأمريكية السائدة حول الهجمات التي قادتها “حماس” على جنوب إسرائيل، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
لكن الأكاديميين والباحثين يقولون إن رؤيتها فيما يتم تمييزها واستهدافها كعضو دائم في هيئة التدريس، يشكل سابقة جديدة تماماً.
وقال بول باسافانت، أستاذ السياسة في هوبارت أند ويليام سميث: “لقد كان له تأثير مروع على أعضاء هيئة التدريس، الدائمين وغير الدائمين، وعلى مجتمع الكلية بأكمله، بمن في ذلك الطلاب، حيث سيتم اختيار شخص ما وتأديبه على هذا الأمر.
إنه ينتهك إجراءاتنا المؤسسية، إنه انتهاك كامل للحرية الأكاديمية، وينتهك نزاهة المؤسسة كمؤسسة أكاديمية”.
وأضاف باسافانت، وهو أيضاً رئيس الفرع الجامعي للجمعية الأمريكية لأساتذة الجامعات: “أنا هنا منذ 20 عاماً، ولم أر شيئاً كهذا”.
وفي البحث الذي نشرته دار فيرسو للكتب بعنوان: “فلسطين تتحدث للجميع”، في 9 نيسان/ أبريل، وصفت دين صور الطائرات الشراعية وهي تحلّق فوق السياج الذي يفصل جنوب إسرائيل عن قطاع غزة بأنها “مبهجة”.
وكتبت دين: “من منا لا يشعر بالنشاط عندما يرى المضطهدين وهم يهدمون الأسوار التي تحيط بهم، ويطيرون في السماء هرباً، ويطيرون بحرية في الهواء؟”، وقالت: “إن تحطيم الإحساس الجماعي بالممكن جعل الأمر يبدو كما لو أن أي شخص يمكن أن يكون حراً، كما لو أنه يمكن الإطاحة بالإمبريالية والاحتلال والقمع”.
وأضافت دين أن “مثل هذه الإجراءات تحطم التوقعات وتخلق إحساساً جديداً بالاحتمال، وتحرر الناس من اليأس والإحباط”.
على الرغم من أن إطلاق دين الافتتاحي كان موضوعاً للسخرية والشكوى بين المؤيدين لإسرائيل، إلا أن بحثها تناول أيضاً كيف تم إخبار الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والكتاب كيف يفكرون ويشعرون ويتعاملون مع أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وقالت دين لموقع “ميدل إيست آي” إن بحثها حاول “التقاط ردود الفعل التي شعر بها الكثيرون، والموجودة في العالم. خاصة عندما تقرأ كتابات من أشخاص ليسوا في الولايات المتحدة [مثل] أشخاص يعيشون في الجنوب العالمي. حيث ستجد العديد من التصريحات مثل هذه، في البداية في الولايات المتحدة، ثم تم إغلاقها بسرعة”.
ووصفت الأستاذة الشهيرة “سياسة المشاعر” بأنها مهمة في هذه اللحظة. وأضافت أنه من المثير للاهتمام أنها تعاقب الآن لأنها تجرأت على التحدث عن مشاعر الناس بشأن هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
تقول دين إنها لا تستطيع إلا أن تلاحظ المفارقة في الانضباط على نفس الشيء الذي تصفه في القطعة: “لقد تم تأديبي لوصف شعور ما”، و”وأنا أحاول في هذا البحث التقاط إحساس بالنضال من أجل الحرية وأهمية النضال من أجل الحرية للاعتراف بالفلسطينيين كبشر كاملين”.
وأضافت دين: “ويبدو أن عدم القدرة على الاعتراف بشجاعة وعزيمة المقاومة هو أحد الأشياء التي تمنع تطور قدر كبير من التضامن الذي نحتاجه حقاً هنا في بطن الوحش في الولايات المتحدة لإيقافنا المشاركة في هذه الإبادة الجماعية وتقديم الدعم الحقيقي لها”.
بعد أربعة أيام من نشر البحث، أبلغ زملاؤها دين أن حملة عبر الإنترنت ضدها بدأت تكتسب المزيد من القوة. وبعد يوم واحد، تم استدعاؤها إلى مكتب غيران، حيث تم تلاوة بيان يخبرها بأنه تم فصلها من مواصلة واجباتها كمحاضرة. وتم إبلاغها أنه سيتم إجراء تحقيق.
وقال غيران، في رسالة تمت مشاركتها مع موقع “ميدل إيست آي”: “إننا جميعاً نتقاسم المسؤولية للتأكد من أننا لا نجعل هذا وقتاً أكثر صعوبة”.
وفي بيان أُرسل إلى موقع “ميدل إيست آي”، قالت كاثرين ويليامز، نائبة رئيس التسويق والاتصالات في الجامعة، إن دين في إجازة بانتظار التحقيق.
“تؤمن كلية هوبارت أند ويليام سميث إيماناً عميقاً بحرية التعبير والحرية الأكاديمية وتدعمهما. إنها إحدى مبادئ عملنا. وهذا يعني أن الأستاذة دين لها الحق في التعبير عن آرائها، تماماً كما يحق للآخرين اعتبار تلك الآراء مستهجنة ومسيئة وإدانتها”.
وقالت ويليامز: “ومع ذلك، فإن كلية هوبارت أند ويليام سميث أيضاً ملزمة، كما هو الحال مع جميع الكليات والجامعات في الولايات المتحدة، بموجب قوانين مكافحة التمييز الفيدرالية، بما في ذلك الفصل السادس، باتخاذ إجراءات عندما نعلم أو يجب أن نعرف بوجود بيئة معادية قائمة على أسس وطنية. هذا هو القانون ونحن نلتزم به تماماً”.
رداً على بيان الجامعة، قالت دين لموقع “ميدل إيست آي” إن الكلية لم توضح أو تشرح بعد لماذا يوجد سبب للاعتقاد بأن الطلاب قد يشعرون بعدم الأمان نتيجة لبحثها.
وقتل حوالي 1200 شخص، من بينهم مئات الجنود الإسرائيليين، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وتم أخذ أكثر من 200 كرهائن إلى غزة، ما أدى إلى استمرار الهجوم الإسرائيلي على القطاع الذي أودى بحياة أكثر من 33000 فلسطيني، وترك مليون شخص على حافة المجاعة والموت.
وفي كانون الثاني/ يناير، وصفت “محكمة العدل الدولية” سلوك إسرائيل الحربي بأنه قد يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
وقالت دين إن جزءاً من الجهود المبذولة لإملاء ردّ فعل الناس أو شعورهم تجاه الجرائم الإسرائيلية متجذر في الدعم المؤسسي طويل الأمد لإسرائيل.
“من الواضح جداً أن إسرائيل منخرطة في حرب إبادة جماعية. وأن الجهود المبذولة للتظاهر بعدم حدوث ذلك لا تزال قائمة، خاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا”.
وأضافت دين: “مؤسسات التعليم العالي هي جزء من النظام الإمبراطوري الذي يحافظ على الدعم الأمريكي لإسرائيل. أعتقد أن هذا الجزء ينهار أكثر من أي وقت مضى، منذ عام 1967، على الأقل”.