أربـعـة قـرارات تـاريـخـيـة..مهند عبد الحميد

الثلاثاء 20 فبراير 2024 01:11 م / بتوقيت القدس +2GMT
أربـعـة قـرارات تـاريـخـيـة..مهند عبد الحميد



البحث عن إنقاذ وحل في هذه اللحظة الحرجة والدقيقة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يختلف باختلاف رؤية الصراع وحرب الإبادة الإسرائيلية وعلاقتهما بموازين القوى والقدرات وفيما إذا كان هذا الصراع قابلا للحل أم لا. يمكن التوقف هنا عند رؤية تنطلق من نهاية حتمية لاحد الطرفين، المقاومة أو إسرائيل. معسكر المقاومة اعتقد انه يستطيع التغلب على إسرائيل، ولم يكن من باب الصدفة عقد مؤتمر في العام 2022 في غزة حضرته نخبة سياسية ودينية، قدم أوراقا وخطابات لمرحلة ما بعد إسرائيل، فضلا عن تنبؤات دينية سابقة بانهيار إسرائيل في تاريخ محدد. بعد 7 أكتوبر، تعامل معسكر المقاومة بأنه في هذا اليوم أُلحقت «هزيمة مدوية بإسرائيل هشمت قوة ردعها وقربت صورة الهزيمة النهائية للمشروع الصهيوني الاستعماري». كان الرهان على وحدة محور المقاومة وساحاته الذي سيوزع القوة العسكرية الإسرائيلية على 5 جبهات، وسيعرض العمق الإسرائيلي إلى هجمات صاروخية مدمرة. وكان تقدير أصحاب القرار في المقاومة انه في غياب امتداد الحرب إلى الساحات الأخرى فإن التدمير والمجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين ستؤدي إلى انفجارات شعبية ضاغطة على أصحاب القرار تفضي إلى وقف الحرب. كما أن تهجير قطاع غزة والضفة إلى مصر والأردن سيفجر حربا إقليمية لن تكون في مصلحة إسرائيل.
إن إبرام هدنة جديدة مع استمرار سيطرة المقاومة على قطاع غزة واستعادتها لقدراتها، يعني إخفاق نظرية الردع الإسرائيلي وفقدان المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لثقة المجتمع الإسرائيلي واليهود في أنحاء العالم، وبطلان مقولة إن إسرائيل هي المكان الآمن لليهود في العالم. وإضعاف ثقة الغرب بإسرائيل كقاعدة لحماية مصالحه في الشرق الأوسط، واهتزاز ثقة البلدان العربية التي اختارت إسرائيل كقوة حماية وحليف لا يُشق له غبار – الاتفاقات الإبراهيمية -. إسرائيل لا تتحمل الخسائر ولا تتحمل مسؤولية موت الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في الحرب، وقد بدأ أكثر من نصف مليون إسرائيلي بمغادرة البلاد، في الوقت الذي أخفقت فيه إسرائيل في إخماد المقاومة في كل المناطق التي أعادت احتلالها داخل قطاع غزة. بناء على هذه المعطيات فإن الحل الذي تقبل به المقاومة هو وقف الحرب وانسحاب إسرائيل وعودة المهجرين وإعادة الإعمار مقابل صفقة تبادل الأسرى – اتفاق باريس -.
القضية الأساسية في تفكير قيادة المقاومة هي عدم وجود حل سياسي للصراع إلا بهزيمة إسرائيل - نصر أو استشهاد -. وهي بهذا لا تعتقد بأن هزيمة إسرائيل ستكون بحرب واحدة، خلافا لقول القائد الإيراني سليماني، إن إيران تستطيع تدمير إسرائيل في 9 دقائق. حيث تحتاج المقاومة إلى تبريد الصراع عبر هدن استعدادا لجولات قادمة تقود إلى هزيمة نهائية لإسرائيل. لكن تبريد الصراع استمر على الجبهة السورية 51 سنة ولم يتبعه تسخين، واستمر على الجبهة اللبنانية 18 سنة إلى أن جرى تسخينه بالمستوى الرمزي إسنادا لمقاومة غزة ودفاعا عن نظرية المقاومة التي خلقت استقطابات كبيرة وبديلا لمنطق الحل السياسي.
الحرب ونتائجها لا تنفصل عن ميزان القوى الواقعي على الأرض والمحتمل في المدى المباشر. ميزان القوى من المفترض أن يُقرأ بموضوعية تخلو من إسقاط الرغبات. وهو ما لم يحدث في كل المعارك السابقة وبخاصة معركة 7 أكتوبر. ميزان القوى لا يسمح بحرب مواجهة مفتوحة مع قوة تنتمي للضواري. بالاعتماد على مجرد توقعات غير مسنودة بتفاهمات وتعهدات حول مشاركة «حزب الله» وإيران وسورية، وبالاعتماد على توقع عدم تحمل العدو للخسائر، واعتماد ورقة الأسرى كورقة رابحة ومضمونة لوقف الحرب وانسحاب المحتلين وإعادة الإعمار وتبييض السجون من الأسرى وإدخال المساعدات.
الشروط التي تضعها قيادة «حماس» مشروعة، ومن المفترض التوقف عند كيفية تحقيقها، وإذا ما كانت هناك إمكانية لتحقيقها، والثمن المطلوب دفعه. تقديرات الوسطاء تقول، إن نتنياهو غير راغب في التوصل إلى اتفاق لأنه يريد تقديم صورة نصر حاسم للإسرائيليين عبر غزو رفح وارتكاب مجازر وتدمير ما تبقى من مستشفيات ومدارس وبنية تحتية. نتنياهو يستمر في حرب الإبادة وقد جعل أكثر من ثلثي قطاع غزة غير قابل للحياة، أو كما قال الرئيس البرازيلي لولا، «ما يحدث في قطاع غزة ليس حربا، بل إبادة لم تحدث في أي مرحلة أخرى في التاريخ، إلا حين قرر هتلر أن يقتل اليهود». نتنياهو قائد حرب الإبادة يحظى بدعم أميركي كان آخره التهديد باستخدام «الفيتو» في مجلس الأمن ردا على مشروع القرار الجزائري بوقف إطلاق النار.
عندما يتعرض شعب من الشعوب لحرب إبادة يصبح الهدف المركزي هو إنقاذه من فعل الإبادة، كل يوم يمر بدون إنقاذ يموت اكثر من مئة شخص وفي أيام أخرى يزيد العدد ويتضاعف، ويتزايد التدمير، ويشتد الحصار الذي يتحكم في المياه والغذاء والدواء والطاقة، ويزداد ترهيب الأطفال وأجيال ما دون 18 عاما، ويزداد الخطر الذي يهدد حياة المصابين والمرضى. بتعبير آخر، تمارس آلة الحرب الإسرائيلية ترويع المواطنين من أجل تهجيرهم بالقوة بعد تحويل قطاع غزة إلى مكان غير قابل للحياة. لا تستطيع المقاومة منع ذلك رغم استمرارها بالتصدي البطولي للمعتدين وتحملها لخسائر كبيرة في صفوفها. وبمرور الوقت تزداد الخسائر البشرية ويتفتت المجتمع بلا افق لتغيير علاقات القوة بعد اختبار كل التوقعات والتقديرات على أرض الواقع وكانت سلبية في معظمها وعاجزة عن وقف العدوان. السؤال الأهم: هل توجد إمكانية لاستمرار المقاومة تحت وفوق الأرض في شروط السيطرة الإسرائيلية، برا وبحرا وجوا، على القطاع، وما يعنيه ذلك من استمرار حرب الإبادة، وتحمل المسؤولية عن نتائجها وتداعياتها القائمة والمحتملة؟ إن كل حديث عن نجاح المقاومة في فرض شروطها على المعتدين هو اعتقاد لا يسنده البون الشاسع بين القوتين وإمكانيات وقدرات كل طرف. في كل الأحوال هذا الخيار  يحتاج إلى تأييد أكثرية الشعب وبخاصة في قطاع غزة.
بعد ذلك، أمام المقاومة والمرجعيات السياسية 4 قرارات تاريخية، الأول: نزع مبرر استمرار حرب الإبادة والتهجير بقرار فلسطيني يلتزم بأن قطاع غزة لن يهدد الأمن الإسرائيلي، وان الشعب الفلسطيني بمختلف فصائله سيعتمد على النضال اللاعنفي من أجل تحقيق أهدافه المشروعة في إنهاء الاحتلال وتقرير المصير. وقد سبق للشعب الفلسطيني أن انتقل من الكفاح المسلح بعد فشله وانسداده الكامل من الخارج إلى الانتفاضة السلمية.
القرار الثاني: انسحاب حركة حماس الطوعي من حكم قطاع غزة لفترة انتقالية تشمل الضفة الغربية والتوافق على حكومة مركزية من شخصيات وطنية ومهنية وكفاءات غير فصائلية وبحماية الشرطة المدنية. ثالثا: فتح أبواب منظمة التحرير أمام جميع التنظيمات فورا وحسب برنامجها ولوائحها القديمة لفترة انتقالية يتم خلالها وضع رؤية تنظيمية وإدارية وبرنامجية لإعادة البناء والتجديد. رابعا: بعد فترة المراجعة النقدية لكل ما جرى يتم الاحتكام للشعب عبر انتخابات ديمقراطية.