سكان غزة المهجّرون… رحلة البحث عن الرمق الأخير ،،، مصطفى إبراهيم

الأربعاء 07 فبراير 2024 10:29 ص / بتوقيت القدس +2GMT
سكان غزة المهجّرون… رحلة البحث عن الرمق الأخير ،،، مصطفى إبراهيم



ما زالت الحاجة فاطمة، بعد أكثر من مئة يوم من الحرب الإسرائيليّة على غزّة، تردّد: “رجعوني على دارنا في برير، ليش جبتوني على رفح”. برير مسقط رأس الحاجة فاطمة، حيث أمضت صباها وشبابها.
الانتظار الآن هو سيّد الموقف في قطاع غزّة، والحديث الطاغي بين الناس يدور حول نجاح صفقة الأسرى، والتوصل الى التهدئة ووقف الحرب، وردّ حركة حماس الذي تأخر على  مقترحات وقف إطلاق النار، ما يغذي الإحباط وثقل الانتظار والإشاعات حول رفض حماس المقترح.
لكن ما زال الأمل قائماً بعد نفي حماس صحة الأخبار المتداولة حول رفض الحركة مقترحات وقف إطلاق النار، لكن لم يعد لدى الناس صبر أكثر، ولا يخفون رغبتهم في التوصل الى التهدئة الآن وبأي شكل، فالمهم أن تتوقف الحرب ومعاناتهم العظيمة، وأن يعود النازحون الى بيوتهم وحياتهم.
الحاجة فاطمة (90 عاماً)، نزحت مع عائلتها من بيت لاهيا  في شمال قطاع غزة إلى خان يونس في الأسبوع الأول من الحرب، بعدما أجبر  الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين على مغادرة منازلهم بالقوة الى وسط القطاع وجنوبه. 
أقامت الحاجة فاطمة مع عائلتها في شقة في خان يونس نحو شهرين. وفي الأول من كانون الأول/ ديسمبر، اضطرت العائلة للنزوح مرة ثانية بعد إعلان الجيش الإسرائيلي اجتياح خان يونس برياً.
تُقيم الحاجة فاطمة منذ أكثر من شهرين في خيمة من البلاستيك (النايلون)، أقامها أبناؤها على  قطعة أرض لأحد أصدقاء العائلة في  حي تل السلطان غرب مدينة رفح.
تحوي قطعة الأرض عدداً من الخيام يقيم فيها أكثر من 40 شخصاً من أبنائها وأحفادها، نصفهم من الأطفال والنساء، من بينهم خمس حوامل في الأشهر الأخيرة، ولا تتوافر لهن رعاية طبية أو نفسية أو راحة بدنية أو مكان آمن ودافئ. 

خلال الفترة الماضية، لم تتوقف الحاجة فاطمة عن ترديد كلمات قليلة “رجعوني على دارنا في برير، ليش جبتوني على رفح، أنا بدي ارجع على برير”. تبعد برير عن مدينة غزة 21 كيلومتراً، هي قريتها التي وُلدت وتربت فيها وهُجّرت منها  بالقوة، إذ طُرد أهلها وقُتل عدد منهم على أيدي العصابات الصهيونية في العام 1948.
هذه الهجرة وهذا النزوح الثالث عاشتهما الحاجة فاطمة، إذ اختبرت النكبة الكبرى ومآسيها وأهوالها، والآن تعيش النكبة الثانية بكل تفاصيل الأولى، هي التي اضطرت للعيش وحيدة إثر وفاة زوجها بعد عشرين عاماً من النكبة.

اضطرت بعدها الحاجة فاطمة للعمل في التجارة مع شقيقها لتربية أولادها وبناتها وتعليمهم حتى أصبحوا ذوي شأن، ولا تعلم أي هجرة ونكبة جديدة قد تحلّ بها، ربما تكون خارج فلسطين كما تخطط إسرائيل، لا قريتها برير، أو حتى منزلها في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، الذي يبعد عن قريتها الأصلية أقل من 15 كيلومتراً.
في ظل هذا الظلم والنكبات المستمرة، ما زال الفلسطينيون يرددون  كلمات محمود درويش “كم كنت وحدك يا ابن أمي”، ‏ وكأن قدرهم عموماً وغزة على وجه الخصوص، على موعد طويل الأمد مع الخيمة والحرب والصقيع، وهي واحدة من وجوه الحرب على غزة، وتطارد الفلسطينيين كأنها سمة من سماتهم الأبدية.