7 أكتوبر: قبل وبعد..تحسين يقين

الأحد 04 فبراير 2024 07:17 ص / بتوقيت القدس +2GMT
7 أكتوبر: قبل وبعد..تحسين يقين



بالرغم من الأهمية القصوى لوقف المذبحة، إلا انه إذا لم تقد جهود وقف الحرب المرتبطة بإغاثة شاملة وتعمير الى بدء فعلي لحلّ سياسي، فسيكون ما بعد السابع من أكتوبر قريب الشبه بما كان قبله.
آثار العدوان المستمر كبيرة، وإزالته فوق طاقة الأفراد والجماعات والحكومة، بل والدول، والمؤسسات بما فيها الأمم المتحدة، وليس فقط وكالة الأونروا، لإغاثة وتشغيل اللاجئين.
تأمل آثار العدوان يثير الغضب، لكنه يؤشر على مسؤوليات المجتمع السياسي الدولي الفاعل، الحاضن الفعلي لدولة إسرائيل، والذي يبدو أنه سينشغل فقط بدعم المعتدي، فيما سيساهم في الإغاثة ليس أكثر. لذلك، فإن الحاضن الفعلي لغزة هم الأشقاء العرب.
وسط بحر الدماء والحزن العميق على الفقدان، وتدمير البيوت، فإن الشعب هناك يحتاج لتقوية بقائه، سيعتمد في جزء منه على نفسه، لكن هذا عبء كبير، يصعب تحمله، في ظل أن ما كان إنما هو هدف للتهجير؛ فحين يشارك نصف الحكومة في فعاليات تدعو الى إعادة الاستيطان الإسرائيلي في قطاع غزة، فإن الاتجاه اليميني صار واضحاً جداً، وهو يبعث برسالة تتعلق بالاستيطان في الضفة الغربية، ما يعني ازدياد صعوبات البدء في حلول سياسية لحل الدولتين.
قلنا منفعلين، بأن ما بعد السابع من أكتوبر لن يكون كما قبله، ربما أصبنا في جانب، وبالغنا في جوانب؛ فالتوازنات الدولية ما زالت لصالح الاحتلال، وما يظهر من حديث عن "وقف إطلاق النار"، لا يعني إلا العودة الى إدارة الصراع، بالاعتماد على أن استخدام إسرائيل المفرط للقوة، سيجعل الفصائل المسلحة في غزة تتردد في الفعل، تاركة لقيادتها السياسية البحث عن حلول سياسية.
الآن، الأولوية هي للبقاء، بمعنى البقاء على قيد الحياة، بتأمين المأكل والمشرب والملبس والمسكن والكهرباء والمدرسة والمستشفى. وليست هذه بالمهمة السهلة، في ظل سيطرة إسرائيل على حدود غزة. ولكن الأمل بتوقف القصف الجوي والبري، وانسحاب قوات الاحتلال، ليلتقط الناس أنفاسهم، لإعادة موضعتهم في الوطن الغزيّ، وألا نجد أنفسنا في ظل هجرة طوعية تطال عشرات الآلاف من الشباب الغزيين. وهذا ملف شائك، وغير واضح، سيكون الرد عليه، بمنح الناس-الشعب هناك الأمل بالبقاء، ومن ثم البدء برحلة تنفيذ حق تقرير المصير مع أشقائهم في الضفة الغربية، ليكون البقاء بالمعنى الوطني الشامل.
حاجات شعب غزة أكثر مما يصلها، والتخريب كبير وواسع، فإن لم يشغل ذلك الأسرتين العربية والدولية، فما الذي سيشغلهم إذن؟
ما يحتاجه الغزيون الآن، هو البدء في رحلة إعادة الحياة إلى غزة، إعادة الحياة اليومية، التي من الممكن أن تساهم في زيادة مساحات الأمل. وبالتدريج يمكن إعادة تلك الحياة الى الحد المقبول.
لكن هذا لا يعني الوقوف هنا، بل لا بدّ أن يكون ذلك ضمن اتفاق وقف الحرب على غزة، والدخول في طرق الحل السياسي، ويجب إقناع إسرائيل أنه آن الأوان للبدء في طريق حقيقي لإنجاز حل سياسيّ مرض.
لكن ما يظهر على جغرافيا الأرض، لا يدل على أن هناك تغيراً حقيقياً، بمعنى أن حل استخدام القوة المفرطة هو طريق الحل، الذي هدفه الاستسلام؛ فما حدث في مستشفى ابن سينا في جنين مثلا، يتفق مع ما تدرسه إسرائيل فيما يتعلق باليوم التالي للحرب (والقصد بعد وقفها)، وهو يعني قتل الأمل بإطلالة حل سياسي.
سياق الحرب واحد، هنا وهناك، والدول الكبرى تقاتل من خلال الدول الصغرى، وشعبنا يدفع ثمنا غالياً، ليس من دمه وممتلكاته، بل من قلق حق تقرير المصير، حين تتركه دول العالم الصديقة والعدوة بيد دولة الاحتلال.

"تعديل مناهج التعليم"!
مرة أخرى ومتكررة، لا يتم الحديث عن الحلول السياسية، إلا بقرنها بتعديل مناهج التعليم، وتقصد دولة الاحتلال بذلك، لا تعديل ما يتعلق بصورة الاحتلال، بل بشطب ما يتعلق بفلسطين، لأن الفلسطينيين إن كتبوا تاريخ وطنهم وجغرافيته، سيتهمون بالتحريض، أفلا ينبههم أحد في هذا العالم إلى ما هو مكتوب في مناهجهم؟
نكرر، إذا كان الاحتجاج على عبارة توحي بالتحريض من منظور الاحتلال الإسرائيلي، فما بال كل هذه الجرائم التي تم ارتكابها في غزة؟ وهل سيكون طلبة فلسطين بحاجة لمن يؤثر على أفكارهم بعدما عاشوا هذه الحرب؟
ورغم ذلك، فإن المناهج الفلسطينية تخلو فعلاً من التحريض، إلا إذا اعتُبرت كتابة حقائق التاريخ والجغرافية تحريضاً.
ليست المشكلة في كلمات الكتب، بل في لغة القوة المفرطة تجاه المدنيين وممتلكاتهم في فلسطين المحتلة.
والآن، في ظل البحث عن اليوم التالي، أليس من الجدير فعله، تقرير أفعال تبعث الأمل بالبقاء والعيش الكريم الحر في وطن حر؟
ألا يكفي طُرق آلام سار بها الشعب الفلسطيني؟ ألا يكفي؟ وهل ما زالت طُرق آلام جديدة سيسير فيها؟
كم عوّلنا على الدول بأن تراعي الالتزام الوجودي في الحل وفي طرق الحل، لكن يبدو أن العالم الرسمي، حكومات العالم، لا تستمع إلا للقوي.
الحكمة تقتضي تأمّل ما كان قبل السابع من أكتوبر جيداً، وهو لا يتعلق بأشهر وسنوات، بل بعقود مرت هنا، تركت الأسباب والمسببات، ومواصفات الجاد والجدية معروفة، ومن الإجحاف الاستمرار بإنكار شعبنا.
إن تأمل أي حدث في سياق الحرب على غزة، لا يمنح شعبنا الأمل، ولو حللنا الموقف الدولي مثلاً من وكالة الأونروا، التي جمدت دول غنية مساعداتها بحجة مشاركة أفراد من موظفيها في أحدث 7 أكتوبر، متناسية استشهاد العشرات من موظفي الوكالة. ثم ما ذنب متلقي الخدمات من اللاجئين الفلسطينيين، والذين أصبحوا لاجئين للمرة الثانية والثالثة! كيف يتلقى شعب فلسطين العقوبات الجماعية من دول ترفع شعارات حقوق الإنسان؟
والغريب، نجد أننا في الوقت الذي يتم قتلنا وتخريب ممتلكاتنا، نجد في هذا العالم من يوجه اللوم والعتاب والاتهام لنا؟
يبدو أن المطلوب من الشعب الفلسطيني فعله هو الاستسلام للاحتلال وحلفائه، بل ودفعنا لطلب الوصاية علينا. ألا توجد طريق سياسية تحترم كرامة شعبنا وهو يسعى نحو الحرية والاستقلال؟
مطلوب من العالم مرة واحدة أن يكون موضوعيا وإنسانيا، فعل سيفعل العالم ذلك؟ إن لم يفعل فإن سكوته عن هذا الظلم لا يعني إلا الوقف مع الظالم، وهذا لا يجوز، ولا يجدي نفعا، ولا يقي أحدا من مستقبل غير مضمون استمرار تحقق الأمان له.
لعل صحوة شعوب العالم تفعل شيئاً بدلاً من سلبية الحكومات الرسمية في معظمها.
والصحوة لا بد قادمة، لأن الشعوب تعرف ما الذي ينتظرها من خراب إن غضت الطرف عن خراب يصيب الآخرين من المدنيين الأبرياء.
ما بعد 7 أكتوبر يدفع كل حكيم لتأمل ما قبل وما بعد وصولاً للسلام الدائم والحقيقي لكل الناس هنا، وليس لفئة دون أخرى.

Ytahseen2001@yahoo.com