الـمـراســلـــون..غسان زقطان

الإثنين 08 يناير 2024 10:32 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الـمـراســلـــون..غسان زقطان



"المراسلون" هم رواتنا الحقيقيون الآن، هم الشعراء أيضا، الذين يواصلون منذ سنين طويلة سرد الحكاية ومنحها نبضها وتحريك يديها وقلبها.
المراسلون الذين كانوا هنا دائما، يأتون من جلسة "الحكواتي" الذي يحضر الحكايات من طرقها وألسنة شهودها لينقلها إلى عوالم أخرى لم تر ولم تسمع؛ سير الشهداء ومآثرهم وقصص الحب ونبل العشاق ودروبهم المحفوفة بالشوق، انهم يأتون من هناك، المراسلون، من جلسته المؤثرة وتنقله بين الحكايات وشخوصها ووقائعها ومن انتظارنا، في امتداد أجيال يتدافع ويتجدد، يبدأ من نبرته القديمة وتعابير وجهه، من رحلة "حامل الأخبار" أول سعاة البريد ودروبهم ليصل إلى شاشة الفضائية، من رواية الحكاية ببلاغة الرحالة الذي رأى إلى حداثة الخبر حيث سنرى نحن.
بأصواتهم وطرائق سردهم؛ النبرة والحماسة والهدوء والتأثر حد البكاء أمام الكاميرا، تصبح النهايات التراجيدية للأبطال ومصائرهم جزءا من مصائرنا، عبرهم نجد أنفسنا في فصول الرواية وأحداثها، ونتجول بين أبطالها ونسعى في أمكنتها.
يقودنا المراسلون من أيدينا لنلمس أجساد الشهداء ونغلق أعينهم، لننفض الغبار والتراب وجداول الدم عن وجوههم وملابسهم، لنصغي إلى لعب أطفالهم على الشاطئ وأحلامهم وخوفهم، لندرك حزن أمهاتهم، لنحفر بأيدينا في أكوام الخرسانة والحديد بحثا عن الأحياء.
يأخذوننا من أصواتنا لننادي على أولادهم، الذين أصبحوا أولادنا، تحت الركام.  هكذا يمنحنا المراسلون حق أن نكون للحظة أهلهم.
دخلت "شيرين أبو عاقلة" حياتنا برقة غزال وصلابة مقاتل ونبل مهني نادر، وواصل صوتها الرقيق القوي منحنا قوة الحنان والحقيقة حتى بعد رحيلها.
هكذا أصبح "وائل الدحدوح" أبا صابرا لمشاهديه بحكمة صوته وملامحه القريبة من القلب، ودقة معرفته وتفاصيل المشهد الذي يفرده بهدوء وثقة ليرسم مشهدا وافيا كمن يؤدي أمانة.
الأجيال الجديدة من المراسلين، الشابات والشبان الذين يطلون من مختلف الفضائيات دون توقف، بأعين مرهقة تحيطها هالات التعب والنوم القليل، بأدائهم الذي يتعدد، حيث يمنح لكل منهم نبرة وصورة وأسلوبا، تبدأ من النطق ومخارج الحروف العربية، النظرة والوقفة والطلاقة، الجرأة والشجاعة ....
المراسلون هم الشعراء أيضا، وإلا كيف نسمي القدرة على تحويل الحدث المجرد إلى مشهد مرئي ومسموع وحي، وكيف نسمي تشكيله، الخبر، بين أيديهم وبث الحياة فيه كما يفعل النحاتون بقوالب الطين الميتة.