كنت في غزة …اسيا العتروس

الأربعاء 03 يناير 2024 09:42 ص / بتوقيت القدس +2GMT
كنت في غزة …اسيا العتروس



نعيش منذ السابع من اكتوبر الماضي على نبض زحمة  الاحداث في غزة … تلازمنا في كل ساعة و كل حين ..نهتز لمعاناة اهلها و صرخات اطفالها و استغاثة نساها  وثكلاها و ايتامها  و وجع صحافييها  و فنانيها و مؤرخيها ولوعة اطباءها وهم يشهدون موت المصابين البطيئ في قهر وعجز … نعيش على وقع غزة و كأننا هناك نتالم نسمع نرصد نبكي احيانا  لما يحدث و نشعر بالاحباط  نشعر بالاحباط و اليأس و لكن لا نفقد الامل  لان هناك شعب يكابد ينتصر كل يوم للحياة و يتفوق على رائحة الموت  المنتشرة في المكان …عيوننا  ترحل الى غزة كل يوم كما سبق و رحلت الى القدس مع انغام فيروز..  ..

في غزة انتهت الرحلة عبرسنة  2023 التي نعيش على وقع الزمن القصير المتبقي فيها و من غزة تبدأ الرحلة مع اولى ساعات سنة 2024 التي نستعد لاستقبالها على وقع ضجيج القنابل و الصواريخ و صور المقابر الجماعية و الاشلاء الادمية …لا احد يعرف حصيلة الشهداء في حرب الابادة الجماعية في غزة حتى اليوم السابع و الثمانين من حرب الابادة المفتوحة اقتربت الحصيلة من الاثنين و عشرين الف شهيد  و نحو ستين الف مصاب دون اعتبار المفقودين الذين جمعتهم المقابر الجماعية …و الجثث التي تم تشويهها و سرقة اعضاؤها …ما تقدمه نشرات الاخبار يوميا من جرائم الحرب التي يقترفها جيش الاحتلال ليست سوى الظاهر اما ما خفي فقد لا يكتشف حجمه قبل وقت طويل …غزة تنزف و كل قطرة من دماء ابناءها تشهد على بؤس و انانية و انهيار القيم الانسانية التي سقطت امام اختبار الة القتل الاسرائيلية و خذلت غزة و اهلها و تنكرت لحقهم في الحياة و الكرامة و انسانية الانسان ..
كم  كنا نتمنى لو أن غزة و اهلها المطاردون على ارضهم بامكانهم استقبال العام الجديد مثل بقية شعوب الارض الذين يحتفلون بهذا الموعد و يستعدون له بكل مظاهر الفرح بلقاء الاهل و الاصدقاء و اطلاق الشماريخ و تبادل الهدايا و كل ما يسعد الاطفال و يمنح الجميع فرصة التطلع للتفكير بالمستقبل  وتحقيق احلامهم في الحياة …لم يعد للحلم مكان في غزة او في الضفة فجرائم الاحتلال التي تربط الليل بالنهار تصر على تدمير كل مظاهر الحياة والسطو على ما بقي من الهوية الفلسطينية و من اسباب التمسك و البقاء على ارض فلسطين ….هكذا هي سياسات كيان الاحتلال منذ نشأتها قسرا من رحم عصب الامم و الامم المتحدة لاحقا التي سيتمرد عليها ويدوس على قراراتها بمباركة لحليف الامريكي و البريطاي و تواطؤ بقية اعضاء نادي مجلس الامن الدلي ..فقد قام الاحتلال منذ بداياته على الدم بداء من مجزرة دير ياسين و الطنطورة و اللد و الرملة و صفد وصولا الى القدس  وصبرا و شاتيلا و الخليل و غزة 1 وصولا الى خامس حرب على القطاع مع اختلاف واحد و هو ان عصابات الهاغاناه و الشترن تحولت الى جيش نظامي ارهابي

ad

..لا حديث اليوم الا عن غزة وهذا ما يجب ان يكون حتى يتوقف العدوان لا الاعلام يجب ان يمل ولا الشعوب الحية و الحقوقين الرافضين للظلم يجب ان يطبعوا و يستسلموا لما يحدث و يقبلوا بحرب الابادة الجماعية التي تشنها اسرائيل على القطاع المدمر فيما يتواصل صمت العالم و عجزه عن ايقاف الحرب و ايقاف شلال الدم المستمر …
ان ينحصر عنوان عام 2023 الذي نودع و عام 2024 الذي نستقبل حول ما يحدث في غزة مسألة فرضتها الاحداث و الايد ان ما ستؤول اليه هذه الحرب سيكون ربما منطلقا لقراءة توجهات و مستقبل المنطقة العربية و هل ستغرق اكثر و اكثر في دماء شعوبها و تستمر في الانهيار و السقوط و التفكك ام اننا سنشهد صحوة مفاجئة تضع حدا لحالة التدمير الممنهج التي تعيش على وقعه المنطقة العربية من المحيط الى الخليج …لم تكن سنة 2023 بدون ماسي قبل اندلاع الحرب على غزة فقد كان لزلزال سوريا و تركيا اثاره  الثقيلة المؤلمة ولكن ما شهده العالم من تضامن انساني على وقع الماسي الانسانية أوحى ببقية من قيم انسانية كونية تكابد من اجل البقاء …و كان لتزامن زلزال المغرب و طوفان درنة ما حول الانظار عن الماسي الانسانية العالقة في اليمن و معاناته مع الصراعات و الحروب و المجاعة و مع ماسي السودان الغرق في ازماته و صراعاته و حروب الاخوة الاعداء الذين اجتمعوا لاسقاط  دكتاتورية نظام البشيرفسقطوا في خلافاتهم و حروبهم التي تهدد السودان اليوم باخطر التداعيات الامنية و الاجتماعية .و لو انتقلنا في جولة افتراضية لوجدنا المنطقة العربية تنوء بارزاءها و اثقالها و ازماتها بين دكتاتورية متسترة وشعبوية متمددة و بين  بين ازمات اقتصادية و اجتماعية و فقرمادي و اخر معرفي و علمي و امية ضاربة و تطرف بلا حدود  ..
يلقي البعض بالتلميح حينا و التصريح حينا اخر على حماس بالمسؤولية فيما الت اليه الاوضاع في غزة من خراب و دمار و موت في كل مكان …و لكن ينسى الكثيرون ان غزة قبل عملية طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر لم تكن تحظى برغد العيش و لم يكن اهل غزة يعيشون في كنف الحرية و الامان …كانت غزة محاصرة برا و بحرا و جوا و كان الجميع داخل سجن لا مجال لمغادرته و كان نصف شباب غزة مبتور الاطراف بفعل الاعتداءات الاسرائيلية على المتظاهرين على الحدود كل اسبوع …كان غزة تعيش معاناة مضاعفة بمعزل عن كل العالم …عملت اسرائيل بعد اوسلو على تمكين حماس في غزة على امل تشتيت فتح و اضعافها و دفع الحركات الفلسطينية الى السقوط في محاربة بعضها البعض …و هو ما يمكن القول انها نجحت فيه ..
جاءت عملية طوفان الاقصى لتوجه صفعة لم يتوقعها الاحتلال و قناعتنا أن كل التقارير التي تتحدث اليوم عن معرفة مسبقة للاجهزة الامنية الاسرائيلية بالعملية و الادعاء بان اسرائيل لم تمنع وقوعها حتى تعيد احتلال القطاع محاولات لانقاذ حكومة ناتنياهو و جيش الاحتلال من العار الذي سيلاحقه الى ما لا نهاية …و الاكيد ان الحقد الاعمى و كل العمليات الانتقامية التي تقودها اسرائيل في هذه الحرب هي اشبه بما يقوم به حيوان جريح في لحظات الهيجان …و بقطع النظر عن ردود الافعال الاسرائيلية و الامريكية و نتائجها على الارض فان اسرائيل و حلفاءها لم يستسيغوا هزيمة الجيش الذي طالما وصف بانه لا يقهر و الهزيمة مشتركة لانها تمتد ايضا للحلفاء الذين يمولون و يجهزون جيش الاحتلال بكل انواع السلاح الحديث …
اليوم يدفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهضا من دماء اطفاله و نساءه و شبابه و موروثه و كل مكونات غزة باثارها و مساجدها و كنائسها ..بعض المؤشرات بدأت عن مفاوضات في القاهرة و مبادرة مصرية لانهاء الحرب و تبادل الرهائن و الاسرى ..من السابق لاوانه قراءة المشهد في ظل سموم القنابل المتهاطلة على اهالي غزة و الممتد الى الضفة في حرب الابادة المنسية على الفلسطينيين في جنين و الخليل و القدس..
هل يعني ذلك نهاية الامال و انعدام الافاق و المبادرات …بالتأكيد لا و الامر يبقى بيد الفلسطينيين وحدهم و سيتعين على كل الفصائل الفلسطينية المقاومة و كل السياسيين عدم التفريط في هذه المحطة التاريخية في تاريخ القضية الفلسطينية و عدم اهدار دماء الشهداء و الضحايا لان الاجيال القادمة لا و لن تغفر لهم ذلك …غزة اليوم عنوان لصمود اسطوري و لكن لمعاناة غير مسبوقة في تاريخنا الحديث ..كان البلدوزر شارون  يحلم أن يستيقظ و يجد أن غزة قد ابتلعها البحر …في سجل شارون مجازر و جرائم ذهب ضحيتها الاف الفلسطينيين…رحل شارون وقبر و بقيت غزة و هي اليوم تتحدى جلاديها وتواجه  لا  جيش الاحتلال الاسرائيلي  فقط و لكنها تواجه معه كل القوى العنصرية  الداعمة لصلف وغطرسة الاحتلال …
ما الذي سيحمله 2024 لغزة و للعالم ؟  قد يكون من الصعب التكهن بما سيؤول اليه المشهد في غزة و الضفة ولكن الاكيد ان القضية انتفضت و خرجت من غياهب النسيان ولا يمكن ان تكون محل مقايضة و سمسرة مجددا …
سنعود الى غزة و لن يكون ذلك عبر رحلة افتراضية و عبر رصد بين معاناة اهل القطاع و لكن عبر بحر غزة رئة القطاع و متنفسه و قاطرته الى كل العالم …سنعود الى غزة و نشهد  عودة مهد العزة الى اصحابها ..سنعود الى غزة التي ترسم للعالم اروع الملاحم النضالية في زمن عزت  فيه معاني النضال و باتت خاضعة للمقايضة في المنابر الاممية و مجلس امنها الذي يبارك ذبح الابرياء ارضاء لمكابرة و ظلم و همجية كيان الاحتلال ..
سنعود الى غزة لنسمع حكايات امواج البحر المتدافعة هناك تتحدث عن بحرها  مصدر ثرواتها و تجارتها و حضاراتها المتعاقبة التي صنعت تاريخ غزة و ماضيها و لكن ايضا مستقبلها و مستقبل الاجيال القادمة …سنعود الى غزة و الى فلسطين بالتاكيد …
كاتبة تونسية