طالب عدد من رؤساء منظمات إنسانية دولية الولايات المتحدة بتغيير مسارها بشأن الحرب في غزة.
وفي مقال نشروه في صحيفة “نيويورك تايمز” قال رؤساء منظمات كير وميرسي كوربس والمجلس النرويجي للاجئين ومنظمة اللاجئين الدولية ومنظمة أوكسفام الأمريكية ويونيسف أمريكا، إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قال مرة إن استهداف التدفئة والمياه والكهرباء في أوكرانيا كان بمثابة “تعامل وحشي مع شعب أوكرانيا” و”همجية”. ويجب على إدارة الرئيس جو بايدن أن تعترف بأن الأمر نفسه ينطبق على غزة وتغير مسارها ابتداء بالتوقف عن معارضة وقف إطلاق النار في مجلس الأمن. وأضافوا “نحن لسنا غرباء عن المعاناة الإنسانية – الصراعات، والكوارث الطبيعية، وبعض من أكبر وأخطر الكوارث في العالم. كنا هناك عندما اندلع القتال في الخرطوم. ومع سقوط القنابل على أوكرانيا. وعندما ضربت الزلازل جنوب تركيا وشمال سوريا. وعندما واجه القرن الأفريقي أسوأ موجة جفاف منذ سنوات والقائمة تطول”.
وأضافوا “باعتبارنا قادة بعض أكبر المنظمات الإنسانية العالمية في العالم، فإننا لم نر شيئا مثل الحصار المفروض على غزة. في أكثر من شهرين منذ الهجوم المروع على إسرائيل والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص وأدى إلى اختطاف حوالي 240 شخصا، قُتل حوالي 18000 من سكان غزة – بما في ذلك أكثر من 7500 طفل – وفقا لوزارة الصحة في غزة. وقد تم الإبلاغ عن مقتل عدد أكبر من الأطفال في هذا الصراع مقارنة بجميع الصراعات العالمية الكبرى مجتمعة في العام الماضي”.
وأشاروا إلى أن “الفظائع التي ارتكبتها حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر كانت غير معقولة ومنحرفة، كما أن احتجاز الرهائن أمر بغيض. إن المطالبات بالإفراج عنهم عاجلة ومبررة”. إلا أن “الحق في الدفاع عن النفس لا يتطلب ولا يمكن أن يتطلب إطلاق العنان لهذا الكابوس الإنساني على ملايين المدنيين. إنه ليس طريقا إلى المساءلة أو التعافي أو السلام. لم تشهد أي حرب أخرى يمكن أن نفكر فيها في هذا القرن أن يكون المدنيون محاصرين إلى هذا الحد، دون أي وسيلة أو خيار للهروب لإنقاذ أنفسهم وأطفالهم”.
وقالوا إن منظماتهم تعمل في غزة منذ عقود و”لكننا لا نستطيع أن نفعل شيئا كافيا على الإطلاق لمعالجة مستوى المعاناة هناك دون وقف فوري وكامل لإطلاق النار وإنهاء الحصار. لقد جعل القصف الجوي مهمتنا مستحيلة. وقد أدى حجب المياه والوقود والغذاء والسلع الأساسية الأخرى إلى خلق حجم هائل من الاحتياجات التي لا يمكن للمساعدات وحدها تلبيتها”. وذكر المسؤولون الإغاثيون زعماء العالم، وبخاصة الولايات المتحدة “أننا لا نستطيع إنقاذ الأرواح في ظل هذه الظروف. هناك حاجة اليوم إلى تغيير كبير في نهج الحكومة الأمريكية لانتشال غزة من هذه الهاوية”. ويبدأ الأمر بإدارة بايدن و”وقف تدخلاتها الدبلوماسية في الأمم المتحدة، وعرقلة الدعوات لوقف إطلاق النار”.
وأضافوا أن القتال منذ انتهاء الهدنة القصيرة زادت ضراوته و”المناطق القليلة المتبقية في غزة والتي لم يطالها القصف تتقلص كل ساعة، مما يجبر المزيد والمزيد من المدنيين على البحث عن الأمان الذي لا وجود له. وقد أصبح الآن أكثر من 80% من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة نازحين. الهجوم الإسرائيلي الأخير يجبرهم الآن على التجمع في قطعة صغيرة من الأرض”.
كما أن “القصف هو الشيء الوحيد الذي يمزق حياة الناس بوحشية. فقد أدى الحصار المفروض على غزة والحصار المحيط بها إلى ندرة حادة في الغذاء، وعرقلة الإمدادات الطبية والكهرباء، ونقص المياه النظيفة. ولا تكاد تتوفر أي رعاية طبية في هذا الجيب، كما يوجد القليل من الأدوية. يعمل الجراحون على ضوء هواتفهم المحمولة، دون تخدير. إنهم يستخدمون مناشف الأطباق كضمادات. ولن يتزايد خطر حدوث موجات من الأمراض المنقولة بالمياه والأمراض المعدية إلا في ظل الظروف المعيشية المكتظة بشكل متزايد للنازحين”. وتابعوا “وصف أحد زملائنا في غزة مؤخرا كفاحهم من أجل إطعام رضيعة يتيمة تم إنقاذها من تحت أنقاض غارة جوية. ولم ترضع الطفلة لعدة أيام بعد وفاة والدتها. لم يكن بمقدور زملائنا سوى الحصول على الحليب المجفف – وليس الحليب الخاص بالرضع، ولا حليب الثدي، وهو ليس طعاما مناسبا من الناحية الصحية للأطفال – كي لا تموت جوعا”.
ووسط تراجع تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة خلال الشهرين الماضيين تتزايد المأساة الإنسانية و”لو سمح بدخول المزيد، فإن عملنا في غزة يعتمد على ضمان قدرة فرقنا على التحرك بأمان لإنشاء المستودعات والملاجئ والعيادات الصحية والمدارس والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي والنظافة”. وتحدثوا عن سلامة الموظفين الذين أخبروهم بقرارهم “البقاء مع عائلاتهم في مكان واحد حتى يتمكنوا من الموت معا أو الخروج للبحث عن الماء والطعام”.
وتساءل المسؤولون الإغاثيون عن عبثية ما يطلقه المسؤولون في واشنطن من تصريحات حول “اليوم التالي” و”لكن إذا استمر هذا القصف والحصار بلا هوادة، فلن يكون هناك “يوم تال”، سيكون متأخرا جدا فمئات الآلاف من الأرواح في خطر اليوم.
وقالوا إن الدبلوماسية الأمريكية لهذه الحرب لم تحقق حتى الأهداف التي أكد عليها الرئيس بايدن وهي “حماية المدنيين الأبرياء، والالتزام بالقانون الإنساني، وتقديم المزيد من المساعدات”. و”لوقف الانهيار المتسارع في غزة، يجب على إدارة بايدن اتخاذ تدابير ملموسة كما تفعل في صراعات أخرى لرفع مستوى الرهان مع جميع أطراف الصراع والدول المجاورة”.
وقالوا إن “الأحداث المروعة التي تتكشف أمامنا تشكل سردية عالمية، إذا لم تتغير، فسوف تكشف عن إرث من اللامبالاة في مواجهة معاناة لا توصف، والتحيز في تطبيق قوانين النزاع، وإفلات الجهات الفاعلة التي تنتهك القانون الإنساني الدولي من العقاب. ويجب على حكومة الولايات المتحدة أن تتحرك الآن، وأن تناضل من أجل الإنسانية”.