نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا أعدته هبة صالح ونيري زيلبر قالا فيه إن الحكومة الليبية في أزمة بعد كشف إسرائيل عما أسمته لقاء “تاريخيا” أدى لعزل وزيرة الخارجية واحتجاجات مؤيدة لفلسطين حرق فيها المتظاهرون قمصانا عليها صورة نجلاء المنقوش. وقالت الصحيفة إن إسرائيل أعلنت بطريقة مفاجئة عن محادثات “تاريخية” مع وزيرة الخارجية. وقال عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة في طرابلس إن المنقوش وضعت تحت “تحقيق إداري” للقائها وزير الخارجية الإسرائيلي.
واندلعت الاضطرابات عندما نشر وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بيانا عن ما أسماه اللقاء التاريخي و”الخطوة الأولى للعلاقات بين إسرائيل وليبيا“. واندلعت التظاهرات في العاصمة طرابلس التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليا، يوم الأحد، حيث أغلق المتظاهرون الشوارع وحرقوا إطارات السيارات. وحصل اللقاء في يوم الأحد بالعاصمة روما وهو الأول بين مسؤولين ليبي وإسرائيلي. وظلت ليبيا الحليف الأقوى للفلسطينيين ولا تعترف الدولة بإسرائيل ولا توجد علاقات دبلوماسية بين البلدين. وقالت وزارة الخارجية الليبية إن المنقوش رفضت لقاء نظيرها الإسرائيلي وما حدث “لم يكن مجهزا له وكان عرضيا، أثناء لقاء مع وزير الخارجية الإيطالي ولم يتضمن أي مفاوضات أو اتفاقيات”.
وبحسب بيان وزير الخارجية الإسرائيلي كوهين فقد ناقش مع المنقوش “إمكانية التعاون” في الزراعة والدعم الإنساني وإرث اليهود في ليبيا. وانتقد دبلوماسيون سابقون ومعارضون في إسرائيل تصرف كوهين المتهم بأنه يحاول الحصول على منافع وقتية وعرض فرص فتح علاقات مع الدول الإسلامية الأخرى للخطر.
وقال زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق يائير لبيد “تنظر دول العالم إلى التسريب اللامسؤول وتسأل نفسها: هل هذه هي الدولة التي يمكننا فتح علاقات خارجية معها؟ هل هذه هي الدولة التي يمكننا الثقة بها؟”. وقال ريكاردو فابياني، مسؤول برنامج شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية إنه من غير المحتمل أن يكون اللقاء قد تم بدون “مباركة” من رئيس الوزراء. وقال “حدسي هو أنه كان يحاول تعزيز مصداقيته مع الولايات المتحدة لكنها ارتدت عكسا وكانت هناك تداعيات، ولهذا فهو يحاول حماية نفسه”. وقال “ترتبط نجاته السياسية بما سيقوم به المجتمع الدولي، حالة تقدم برلمان ليبيا المنافس بمقترح حكومة جديدة”.
وانقسمت ليبيا بين حكومتين في الغرب والشرق الذي يسيطر عليه الجنرال خليفة حفتر. ويقول المحللون إن السياسة والإدارة وقعتا تحت سيطرة الجماعات المسلحة التي تملك التأثير في بلد متشرذم. وتحاول إسرائيل بناء علاقات مع الدول العربية بعد اتفاقيات إبراهيم عام 2020 مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب. ويعرف الساسة المنقسمون في ليبيا أن تحسين العلاقات مع “الدولة اليهودية” يعني دعم واشنطن لهم.
وأشارت صحيفة “التايمز” في تقرير لمراسلها أنشيل بفيفر إلى أن المنقوش فرت من ليبيا وسط احتجاجات الشارع بعد الكشف عن اللقاء مع وزير الخارجية الإسرائيلي. ومع أن المحادثات كانت سرية إلا أن كوهين قرر الكشف عنها وشكر المنقوش التي علقت من مهام منصبها وفرت من البلاد.
ولدت المنقوش في ويلز ببريطانيا ودرست بالولايات المتحدة وهي عضو في حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها الدبيبة. وقالت “التايمز” إن كوهين صور اللقاء بالمرتب له وبعناية و”بإمكانيات التعاون بين البلدين وحفظ الثقافة اليهودية في ليبيا”. وأشارت الصحيفة إلى بيان وزارة المنقوش الذي حاول التخفيف من حدة الوضع وأنه “لم يخطط له” وأكد دعمها للفلسطينيين ورفضها “التطبيع مع الكيان الصهيوني”.
وبعد أن علق الدبيبة عملها سافرت المنقوش على متن طائرة حكومية نحو تركيا. وعبر المسؤولون الإسرائيليون البارزون عن غضبهم من الطريقة التي تعامل فيها كوهين مع اللقاء. وقال دبلوماسي “هناك الكثير من اللقاءات طوال الوقت بين وزراء إسرائيليين وعرب والقاعدة الذهبية هي عدم النشر” وأضاف “إنه تفاخر لا يصدق وعدم كفاءة مطلقة لعمل ما قام به كوهين، ولن يثق به أي وزير عربي منذ الآن”.
وكشف في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 عن زيارة صدام حفتر، نجل أمير الحرب سرا لإسرائيل، حيث عقد لقاءات مع المسؤولين، مع أنه لم يتم تأكيد الزيارة. ومع اندلاع العاصفة بدأ الطرفان بتغيير البيانات عما حدث، وقالت مصادر مقربة من كوهين إن الليبيين وافقوا مبدئيا على الكشف عن اللقاء. ولكن وزارة الخارجية الإسرائيلية غيرت موقفها بنهاية يوم الأحد وزعمت أن التسريب لم يأت من كوهين. وحاولت المصادر المقربة من كوهين اتهام الموساد ومجلس الأمن القومي بالتسريب.
وقالت مصادر في ليبيا إن الدبيبة كان يعرف مقدما باللقاء “غير المرتب”، ومنح الضوء الأخضر له أثناء زيارة لروما بداية الشهر. وعلقت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لمراسلتها فيفيان يي وإيزابيل كيرشنر بالقول إن المنقوش فرت من ليبيا يوم الإثنين وسط موجة من الغضب على لقاء مع الوزير الإسرائيلي الذي أعلن “منتصرا” عن المحادثات في روما.
ورغم محاولات الخارجية التخفيف من حدة الأزمة إلا أن التظاهرات اندلعت في طرابلس وأجزاء أخرى من البلاد. وأشارت الصحيفة إلى أن الغضب الذي استقبلت به اتصالات المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي “هو تذكير بأنه رغم الضجة والصخب بشأن اتفاقيات التطبيع التي رعتها الولايات المتحدة بين إسرائيل والدول العربية في السنوات القليلة الماضية، إلا أن معظم العالم العربي لا يزال معاديا للإسرائيليين ومكرسا للقضية الفلسطينية”.
ومقارنة مع بيان كوهين المفصل قدمت وزارة الخارجية الليبية صورة مختلفة، حيث أكدت أن المحادثات لم تشمل نقاشات أو اتفاقيات ولا استشارات وأكدت دعم ليبيا للقضية الفلسطينية ورفض ليبيا القاطع للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وقال مسؤولون إسرائيليون رفضوا الكشف عن هويتهم إن اللقاء خطط له على مدى أشهر بين المسؤولين الإسرائيليين والليبيين. وقالت الصحيفة إن الدبيبة طالما حاول الحصول على دعم الغرب للبقاء في السلطة، مما أثار التكهنات حول اتصالات الليبيين مع إسرائيل للحصول على دعم أمريكي في المحافل الدولية.
وقال خالد المشري، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا إن اللقاء مع المسؤولين الإسرائيليين يعني أن حكومة الدبيبة “خرقت كل الخطوط المحرمة ويجب الإطاحة بها”. ولكن المنقوش هي التي واجهت ردة الفعل، وأكدت الداخلية الليبية يوم الإثنين مغادرتها البلاد وأنها لم تساعدها على ذلك. وقال مسؤولان في الخارجية إنه تم نقل المنقوش إلى تركيا لحمايتها.