بعد إعلان عدد كبير من التشكيلات العسكرية الإسرائيلية والوحدات الخاصة في الاحتياط عن تجميد تطوعها وخدمتها العسكرية، في الشهور الأخيرة، احتجاجاً على “تحويل إسرائيل من دولة ديمقراطية لدولة دكتاتورية”، يواصل المئات من جنرالات جيش الاحتياط، والمسؤولين السابقين في المخابرات العامة (الشاباك) والموساد والشرطة مسعاهم المتصاعد من أجل وقف “الإصلاحات القضائية”.
ويزداد عدد هؤلاء الموقعين على عريضة نُشرت كإعلان كبير مدفوع الأجر في الصحف العبرية، تحت عنوان “المعركة على القلعة.. انطلقنا للدفاع عن استقلالية محكمة العدل العليا”.
وجاء في نص العريضة: “نحن قمة المؤسسة الأمنية في إسرائيل، جنرالات، وضباطاً سابقين في الجيش والشاباك والموساد والشرطة، ننضم للنضال الأهم في تاريخ إسرائيل، النضال من أجل الديمقراطية، والذود عن استقلالية المحكمة العليا”.
كما نوّهت العريضة إلى أن الحركة من أجل جودة الحكم قد توجهت للمحكمة العليا بالتماس من أجل إلغاء تعديل قانون أساس، الذي شطبَ فقرة المعقولية، وألحقَ ضرراً فادحاً في أسس الديمقراطية، لأنه سيحظر بعد اليوم تدخّل المحكمة العليا ضد قرارات غير معقولة تتخذها الحكومة في مجالات شتى.
ويؤكد الموقّعون على العريضة أن استقلالية المحكمة العليا هي حجر الزاوية في قدرتنا على الدفاع عن القيم، التي من أجلها، وفي سبيلها، خرجنا للدفاع عن الوطن، والدفاع عن الجنود والضباط من احتمال مقاضاتهم في محكمة الجنايات الدولية في هاغ، وللحفاظ على الجيش كجيش الشعب، وعلى الشرطة كهيئة تطبق القانون”.
واختُتم نصّ العريضة بعنوان كبير في ذيل الإعلان: “نعارض إلغاء فقرة المعقولية. نحن في لحظة اختبار تاريخية تتعلق بمستقبل الديمقراطية في إسرائيل. معاً ندافع عن المحكمة العليا وقضاتها، معاً ندافع عن الجيش والشرطة، ومعاً نحافظ عل الديمقراطية”.
سلاح الجو يوشك على فقدان أهليته
في هذا السياق نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم الأحد، عن قائد سلاح الجو الإسرائيلي قوله، ضمن محاضرة مغلقة أمام ضباط، قبل ثلاثة أيام، إن قيادة الجيش غير مستعدة بعد لإخفاء خطورة الأزمة الداخلية عن الإسرائيليين.
ونقلت الصحيفة العبرية عن قائد سلاح الجو قوله للضباط إن المساس بأهلية وصلاحية الطيران الحربي يأخذ بالتعمّق، مرجحاً أن تتفاقم أوضاعه بشكل أخطر في الشهر القادم.
رئيس الإجرام
ومن جهة، تواصلت الاحتجاجات داخل تل أبيب ومختلف المدن، أمس، ورغم درجة الحرارة العالية، والعطلة الصيفية، خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين ضد “الانقلاب” على النظامين السياسي والقضائي، وسارت مظاهرة تحت لافتة عملاقة كُتب عليها بالإنكليزية: “رئيس الإجرام”، وسط تلاعب بالحروف في إشارة لنتنياهو.
وتتواصل التقارير الإعلامية عن تسلل الخلافات لداخل جيش الاحتلال لجانب حالة العصيان، ووقف التطّوع والخدمة العسكرية. وقال المعلق للشؤون العسكرية يوآف زيتون، في مقال نشرته الصحيفة المذكورة، اليوم، إن التهديد الداخلي على الجيش، بنظر قائده، يتقدم على تهديد إيران ومخاطر الحرب الشاملة. ونّوه إلى خطة جيش الاحتلال للسنوات القادمة، التي عبّر فيها قائده هرتسي هليفي عن قلقه العميق من الاحتجاجات، وتبعاتها على المؤسة العسكرية.
وأشار لخطورة استمرار هرب الضباط والجنود ذوي الجودة العالية من الجيش، ولتدني الدافعية لدى الفئات العمرية التي تتجنّد للخدمة الإجبارية، علاوة على تراجع قوة الاحتياط.
وهذا ما حذّر منه أيضاً الجنرال في الاحتياط نمرود شيفر، الذي قال لإذاعة جيش الاحتلال، اليوم، إن الصورة قاتمة في ظل تسلل التصدعات بين الإسرائيليين لداخل الجيش، منبهاً للخطر الكبير المتمثّل في تراجع أهلية سلاح الجو، في ظل استمرار وقف المزيد من الطيارين العسكريين في الاحتياط ذوي الخبرة والتجربة الطويلتين عن التدرب، ما يعني فقدانهم صلاحية المشاركة في هجمات جوية قريباً.
على خلفية كل ذلك، كان قائد سلاح الجو اللواء تومار بار قد أجرى، قبل أيام، حواراً مع ممثلين للطيارين في الاحتياط، بينهم أشخاص أعلنوا وقف خدمتهم، احتجاجاً على “الإصلاحات” في المنظومة القضائية. ويأتي هذا الاجتماع ضمن سلسلة لقاءات أجراها قائد سلاح الجو مع الطيارين، استمع خلالها إلى مواقفهم، وشدّدَ فيها على ضرورة المحافظة على نموذج سلاح الجو الموجود منذ 75 عاماً، وحذّر من صعوبة إصلاح الضرر الذي يمكن أن يلحق بتماسُك الجيش.
محاولة تبريد حرارة الاحتجاجات
وقبل بضعة أسابيع، قال قائد سلاح الجو، خلال اجتماعات مع طواقم سلاح الجو وقادته: “إنها ساعة التحدي الكبير. وأتوقع منكم إيلاء التماسك والوحدة والعملانية والكفاءة المزيد من الاهتمام. لقد عيّنتكم من أجل مواجهة هذه التحديات، وبسبب قدراتكم القيادية”.
وقال قائد سلاح الجو إن مهمة الدفاع عن الدولة ومواطنيها لا تزال الهدف الأسمى للجيش الإسرائيلي، ولا يمكن أن تحلّ السياسة محلها”.
يذكر أن قائد الاستخبارات العسكرية، وعدداً من قادة الجيش وصلوا الكنيست، في الأسبوع المنصرم، قبيل المصادقة النهائية على إلغاء قانون أساس”المعقولية”، الذي يقزّم صلاحية المحكمة العليا، لكن نتنياهو ووزراءه رفضوا استقبالهم قبل التصويت.
على خلفية هذه الاحتجاجات الواسعة المستمرة، قالت تسريبات من مكتب نتنياهو أنه طلب من وزرائه البدء في تطبيق وعودهم الانتخابية، وتطبيق برامجهم، والعمل لخدمة الإسرائيليين، كخفض غلاء المعيشة وغيره. كما قالت التسريبات إن نتنياهو يفحص إمكانية نقل وزير القضاء ياريف لافين من منصبة لوزارة الخارجية، وكذلك نقل وزير الأمن يوآف غالانت من منصبه أيضاً.
ويبدو أن هذه محاولة لتبريد الطقس السياسي في إسرائيل، البالغ حافة الغليان، لأن التسريبات تعني أنه يريد الكف عن مواصلة التشريعات الخلافية، بعدما قال، في الأسبوع الماضي، في تصريحات لوسائل إعلام أجنبية، إنه يتوجه لوقف “الإصلاحات” بعد الانتهاء من تعديل قانون تشكيل لجنة تعيين القضاة.