لا تقتلوها مرتين..سما حسن

الخميس 13 يوليو 2023 12:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
لا تقتلوها مرتين..سما حسن




وراء كل حادثة غامضة تنتشر الشائعات، ويثور اللغط وتكثر الأقاويل ولا تهدأ هذه الموجة من السيناريوهات التي يعدها كل شخص على هواه حتى تأتي حادثة أخرى، ولا تدري أنت السر في ذلك وان كان الفراغ وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي توفر بيئة خصبة وسهلة لتناقل الأخبار على عكس ما كان سائدا قبل ظهورها، لذلك فقد طَفت قبل أيام حادثة وفاة فتاة عشرينية في غزة، ورغم أن تحقيقات الشرطة قد أفادت بأن الفتاة قد أقدمت على الانتحار فهناك أصوات قد تعالت تشير إلى شبهة جنائية، وفي كلتا الحالتين فقد نهشت الألسنة والأقلام تلك الفتاة التي أصبحت بلا حول ولا قوة في قبرها ولم تعد قادرة على الدفاع عن نفسها.
لا أكتب هنا لكي أبحث عن سبب الوفاة الحقيقي وان كانت الاحتمالات كثيرة ولكنك تركن أكثر إلى تحقيقات الشرطة وهي أن الفتاة تعيش ظروفا صعبة أدت إلى انتحارها، لكن الواضح أن الفتاة قتلت ألف مرة بعد ذلك أن كانت قد أقدمت على قتل نفسها فالشائعات التي يتم تناقلها وتداولها في الأسواق وفي المواصلات العامة وفي الأحاديث على شاطئ البحر وبين رواد مواقع التواصل الاجتماعي سواء على العام أو من خلال الدردشات الخاصة فكلها تشير إلى مقتل الفتاة ألف مرة بعد موتتها الأولى.
لا أدري كيف نسي هؤلاء أن في بيوتهم أمهات وزوجات وشقيقات وبنات وان لكل واحدة سمعتها وان الواحد منهم لا يطيق أن يمسها الهواء وليس لسان أحد من الناس، ولكنهم يتجرؤون على سمعة بنت لم تعد في هذه الحياة لكي تروي لنا الحكاية وكيف عاشت ظروفا قاسية سواء كانت مادية أو نفسية ولكنهم لم يرحموها ووجدوها مادة خصبة لنسج القصص والحكايات لأيام طويلة ولم يتوقفوا عن تخيل وتوقع ما حدث معها وكل ما تخيلوه اعتبره مقززا ومشينا بحق فتاة هي من الممكن أن تكون في بيت أي واحد منهم، من الممكن أن تعيش تلك الفتاة في ظروف نفسية وتحيا قصة حب أو تقيم علاقة عاطفية مع إنسان يخذلها فتقدم على الانتحار مثلا فهل نحن نستطيع أن نفعل شيئا أمام ما قد يصيبها.
نحن علينا أن نترحم عليها ونغلق أفواهنا فلا نلوكها، ونغلق آذاننا فلا نترك مجالا لمن يتحدثون ويتخيلون، ونطالبهم بأن يكفوا ولا نعطيهم آذانا صاغية ونترك مجالسهم ونهاجمهم بقوة ونحاربهم لأن هذه البنت هي بنتنا جميعا وهي ابنة غزة التي قدمت الشهداء والأبطال ولا يصح بأي حال من الأحوال أن تكون قصة هذه الفتاة "تريند" على وسائل التواصل بدلا من الأخبار المشرفة النضالية التي اعتاد العالم سماعها ومتابعتها.
هي قصة عادية لكنها مؤلمة جدا وقاسية جدا وانت حين تتخيل حال أبيها وأمها فسوف تتوقف عن متابعة ما ينشر عنها ومن يقوم بسلخها بعد ذبحها، لأن تخيل فقدان ابنة شابة في ريعان شبابها تحت أي سبب حتى لو في حادث طرق أو أثناء الولادة أو في قصف للبيت هو حادثة موجعة ولا يمكن أن تمر بسهولة على بيت أهلها وإخوتها ومحبيها.
لا احب أن ننحدر إلى مستوى أخلاقي بغيض وهو تداول احتمالات وروايات وان كنا نهتم بحادثة فعلينا أن ننتظر حتى تقول الجهات المختصة روايتها الأخيرة من خلال التحقيقات والإثباتات والأدلة، وان كان هناك شك في عدالة الأرض فعدالة السماء لا تخطئ ولا تتهاون، وكما قالوا دوما عن بلادنا بأنها ارض مقدسة لا تخفى فيها خافية والحقيقة ستظهر ذات يوم ولكن علينا أن نسكت ولا نتيح المجال لأن تنطلق الشائعات المقززة والتي تقشعر لها الأبدان حول فتاة لها أم مكلومة وأب حزين.
قضية وفاة الفتاة قبل أيام يجب أن نتوقف عن تداولها بالشائعات ونترحم عليها وعلينا أن ننبه أولادنا وبناتنا بأن نكون نحن كآباء وأمهات الصدر الحنون لهم وان يبوحوا لنا بكل ما يؤلمهم ويعذبهم لكيلا يلجؤوا إلى أي إنسان خارج البيت قد لا يكون أمينا عليهم ولن يكون أمينا مثل أمانة الأب والأم مهما قسَوا فهما يفعلان بقسوتهما ما يريدان به صالح الأبناء والبنات.
اختصار القول، إن رأس الحكمة حين نسمع مثل هذه القصص والحوادث الأليمة أن نلتزم الصمت وألا نتبع القطيع الثائر والذي لا يهمه سمعة ولا شرف بقدر انه يحاول أن يفتي ويدلي بدلوه ويعين نفسه حكما على الناس وقاضيا والاهم من ذلك أن يدع الخلق للخالق ويركز في القضايا العامة التي تؤثر على الناس دون أن تمس قلوب المجروحين والمكلومين.