في أول مقابلة مع الإعلام الغربي وربما الأخيرة قبل مغادرته إسرائيل قال السفير الأمريكي في إسرائيل توماس نايدز في تصريحات لصحيفة “وول ستريت جورنال” أجراها كل من دوف ليبير ومايكل أمون، إنه طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “إبطاء” الإصلاحات القضائية والحصول “على إجماع”. وقال إنه لم يأت لتنفيذ حل الدولتين، فهو أول سفير أمريكي منذ خمسين عاما لا يدعم خطة تسوية أمريكية، كما هي عادة السفراء من قبله، ذلك أن الإدارة الحالية لم تقدم خطة وتمسكت بالحديث عن حل الدولتين.
وزعم السفير أنه فعل أشياء جعلت من حياة الفلسطينيين أسهل مثل الدفع لإبقاء جسر اللنبي مفتوحا على مدار الساعة وإدخال نظام 4 جي. وجاء في المقابلة إن إدارة بايدن حاولت منع إسرائيل من الخروج عن المسار عبر مسارعة تمرير الإصلاحات القضائية، في ظل مصادقة الكنيست عليها وعودة الإحتجاجات ضدها. وقال نايدز إنه حث نتنياهو على التعاون مع المعارضة والحصول على إجماع بشأن التغيرات للمحكمة العليا، مع اندلاع الإحتجاجات التي شلت البلد في الربيع الماضي.
وتعلق الصحيفة إن رمي الإدارة الأمريكية بثقلها في أمور تعد محلية، إلا أن الإدارة رأت أن الإصلاحات تؤثر على مصداقية إسرائيل الديمقراطية والرابطة الأمريكية- الإسرائيلية التي وصفها بأنها عائلة ملتصقة. وقال نايدز: “أعتقد أن كل الإسرائيليين يريدون الولايات المتحدة معهم في أمورهم” و “مع هذا يأتي قدر ضئيل من الثمن عندما نعبر عنها عندما نعتقد أن الأمور خرجت عن المسار”. وقال “واحدة من الرسائل التي ارسلتها إلى رئيس الوزراء هي أن يضبط الكوابح ويبطئ” و “أن يحاول الحصول على إجماع”.
وأثارت تعليقات بايدن والمسؤولين البارزين في إدارته بشأن الإصلاحات القضائية غضب المسؤولين الإسرائيليين الذين اتهموا الولايات المتحدة بعدم فهمها التشريعات القضائية وبتدخل عير مقبول في الشؤون الداخلية. وستؤدي الإصلاحات القضائية إلى إضعاف سلطة المحكمة العليا لرفض تشريعات وقرارات الحكومة.
وذكرت الصحيفة أنه في بلد تعتبر فيه المحكمة العليا الطرف الذي يراقب الحكومة المنتخبة، يقول المعارضون للإصلاحات بأنها ستؤدي إلى حكم ديكتاتوري، في وقت يقول أنصارها إنها تعيد التوازن في نشاطات القضاة. وفتح نتنياهو محادثات مع المعارضة بعد التظاهرات الحاشدة، بدون التوصل لاتفاق.
وفي مقابلة سابقة مع “وول ستريت جورنال” قال نتنياهو إنه سيمضي قدما في الإصلاحات، لكنه سيحذف أو يراجع الملامح المثيرة للجدل، مع أن حلفاءه في الحكومة قالوا إن شيئا لم يتغير وأنه وعدهم بعدم حذف أي شيء. وفي يوم الإثنين، بدأت حكومته بالتصويت على القانون الذي سيحد من سلطة الحكومة لرفض الحكومة أو أفراد فيها بسبب عدم كفاءتهم. وأنعش التصويت حركة الإحتجاج ودعوات جنود الإحتياط لرفض الخدمة وهي موجة يخشى العسكريون من أثرها على الامن. ودعا المتظاهرون ليوم التعطيل، الثلاثاء وتظاهرة أمام فرع السفارة الامريكية في تل أبيب لممارسة الضغط على إدارة بايدن.
ولم يعلق نايدز على الملامح التي عارضتها الإدارة في الإصلاحات واكتفى بالقول إن الموضوع الحقيقي بالنسبة لواشنطن هو أن حكومة نتيناهو “تتعجل بالأمور التي قد تترك تداعيات، على المفهوم المتعلق بإسرائيل وقوتها”، أي المؤسسات الديمقراطية التي يلوح بها المسؤولون الأمريكيون عندما يدافعون عن إسرائيل في المحافل الدولية.
وقالت الصحيفة إن “نايدز عمل قبل ذلك في مورغان ستانلي ومثل أمريكا لمدة عامين في اسرائيل حيث ازداد العنف مع الفلسطينيين”. واتسمت العلاقة بالتوتر مع الولايات المتحدة، ومنذ عودة نتنياهو إلى السلطة نهاية العام الماضي ورفض بايدن دعوته إلى البيت الأبيض. وبحسبها عادة ما عقد بايدن من مهمة نايدز بتعليقاته الصريحة، بما فيها قوله لشبكة “سي أن أن” والتي وصف فيها ائتلاف نتنياهو وأفراده الذين يعتبرون من أكثر الأعضاء تطرفا في حكومة إسرائيل لم تر من قبل.
وذكرت أنه عندما أصبح نايدز سفير الرئيس بايدن عام 2021 مثل أول إدارة بدون خطة سلام إسرائيلية- فلسطينية منذ 50 عاما. وقال “لم آت إلى هنا للتفاوض على حل الدولتين، بل جئت للقيام بأمور عملية”.
وتقول الصحيفة إنه منذ انهيار آخر مفاوضات في عهد باراك أوباما عام 2014، حمل نتنياهو ورئيس السلطة الوطنية محمود عباس بعضهما مسؤولية فشل المفاوضات ويقولان إنه لا يوجد شريك للسلام على الطرف الآخر. لكن نايدز يقول إن سياسة أمريكا لا تزال “حل الدولتين”، وفي ظل غياب الشهية للمفاوضات، قال إنه ركز على تحقيق أهداف لتسهيل حياة الفلسطينيين قليلا وتحسين أمن الإسرائيليين. وقال مازحا “لا لن أحصل على جائزة نوبل في الأيام السبعة القادمة” و “لكنني استطيع القول إنني عملت أمورا جعلت من الحياة سهلا للفلسطينيين العاديين”.
ومن بين هذه الأمور تمديد ساعات فتح جسر اللنبي، المعبر المهم لعبور الفلسطينيين إلى الأردن، وخدمة 4 جي للضفة الغربية ووعد بتقديم مساعدات 100 مليون دولار للقطاع الصحي والحصول على موافقة إسرائيل لتطوير الفلسطينيين حقل غاز صغير قرب شاطيء غزة والعمل على توفير محطة توليد كهرباء جديدة لجنين. وعندما جرجرت إسرائيل قدميها في تنفيذ وعد بايدن بفتح معبر اللنبي، 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع، هدد نايدز بالإعتصام عند المعبر لحين تنفيذ الوعد، وقال “كنت بالأساس أريد ربط نفسي بالجسر وأعلن إضرابا عن الطعام”، وأضاف “بطريقة معجزة فتح المعبر”. وتقول الصحيفة إن الجسر يعمل اليوم خمسة أيام في الأسبوع وعلى مدار الساعة وبساعات مخصصة لعطلة الأسبوع.
وقال نايدز إن الإسرائيليين والفلسطينيين قلقون من انهيار السلطة الوطنية لأنها تعاني من نقص التمويل وغياب الشرعية المحلية. وأضاف “اعتقد أن أهم شيء لأمن دولة إسرائيل هو الحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية”.
وتشير الصحيفة إلى أنه في يوم الأحد الماضي صوتت حكومة نتنياهو على قرار لمنع انهيار السلطة الفلسطينية. وقال نايدز إنه على علاقة قوية مع قادة منظمات الأمن الإسرائيلية، لكنه مدح منصور عباس، زعيم حزب راعم الذي اعترف بإسرائيل كدولة يهودية وشارك في أول ائتلاف حكومي، وهي أول مرة يقوم بها حزب عربي- إسرائيلي. وذهب نايز للقول إن “طبيب الأسنان الذي أصبح سياسيا هو “بطلي” لأنه تحمل مخاطر شخصية وسياسية و “نحتاج للكثير من أمثال منصور عباس”.