تساءلت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لمراسلتها إيزابيل كيرشنر إن كان الجيش الإسرائيلي قد حقق أي هدف من عملية الاجتياح الواسعة لمخيم جنين. فقبل الساعة الثامنة من صباح الأربعاء قال الجيش إنه أنهى توغله في مدينة جنين، بهدف كبح الهجمات التي يشنها مسلحون فلسطينيون على الإسرائيليين. ولم تكد تمر خمس ساعات على الإعلان حتى أصابت أعيرة نارية، على بعد حوالي 25 ميلا، سيارة تحمل لوحات فلسطينية مركبة للشرطة الإسرائيلية، مما تسبب في أضرار ولكن لم تقع إصابات.
وكانت العملية العسكرية التي استمرت 48 ساعة واحدة من أكبر العمليات العسكرية منذ سنوات عديدة ضد الجماعات المسلحة في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك الضربات الجوية القاتلة التي لم تشهدها المنطقة منذ حوالي عقدين. لكن قلة من الإسرائيليين والفلسطينيين رأوا أنه وخلال فترة وجيزة، ستعيد الجماعات، التي فقدت أسلحة وأشخاصا في التوغل، البناء وستعود القوات الإسرائيلية.
وتقول إنه وبعد مرور ثلاثة عقود على اتفاقية أوسلو للسلام التي رفعت الآمال في إمكانية وجود الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية جنبا إلى جنب، تبدو احتمالات التعايش السلمي بعيدة المنال.
لا تزال المصادر الأساسية للغضب الفلسطيني قائمة، بما في ذلك احتلال الضفة الغربية الذي يعود تاريخه إلى حرب عام 1967، والتعدي المستمر من قبل المستوطنين اليهود وانعدام الفرص الاقتصادية. الدولة الفلسطينية بعيدة أكثر من أي وقت مضى. ويرفض أعضاء الحكومة الإسرائيلية المتطرفون أي محادثات أو تقدم سياسي مع القيادة الفلسطينية الضعيفة والمنقسمة وغير الراغبة أو غير القادرة على مراقبة بؤر التشدد المتصاعدة.
ويرى محللون إسرائيليون أن الجيش حقق نجاحا تكتيكيا في جنين، حيث جاب مخيم اللاجئين المزدحم والمبني الذي وصفته السلطات الإسرائيلية بأنه ملاذ للمسلحين والذي أصبح قبل التوغل منطقة محظورة على قوات الأمن الفلسطيني وبشكل متزايد للقوات الإسرائيلية.
وقال الجيش إن نحو ألف جندي معظمهم من الكوماندوز اكتشفوا وفككوا مختبرات لتصنيع المتفجرات ومخابئ أسلحة ومتفجرات مخبأة داخل المباني وتحت الطرق الضيقة وحتى في حفرة تحت مسجد.
وقال المحللون إن العملية افتقرت إلى أي استراتيجية أعمق وقد تؤدي إلى مزيد من العنف والهجمات الانتقامية.
وبحسب إيتمار يار، النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وعقيد في الاحتياط: “هذا لا يعني أننا فعلنا ما فعلناه، وخرجنا وانتهى الأمر”، مضيفا: “كانت العملية قصيرة ومحدودة نسبيا”. وأضاف: “هذا يعني أننا قد نشهد أنشطة مماثلة” في مخيم جنين، وإن ربما على نطاق أصغر.
وقالت إسرائيل إن كل الفلسطينيين الذين قتلوا كانوا مقاتلين. فيما أعلنت الجماعات الفلسطينية المسلحة مسؤوليتها عن تسعة مقاتلين على الأقل بحلول مساء الأربعاء – ثمانية منهم من قبل الجهاد الإسلامي، بما في ذلك صبي يبلغ من العمر 16 عاما، والتاسع من قبل فصيل مسلح مرتبط بفتح، الفصيل الفلسطيني الرئيسي الذي يهيمن على السلطة الفلسطينية. ولم تحدد السلطات الفلسطينية ما إذا كان أي من القتلى من المدنيين.
وتعلق الصحيفة أن جنين لطالما كانت معقلا لحركة حماس والجهاد الإسلامي، وهما الحركتان المسلحتان الرئيسيتان اللتان تقاتلان إسرائيل، فضلا عن المليشيات المسلحة التابعة لفتح، الفصيل السياسي الفلسطيني الرئيسي الذي يهيمن على السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب.
وفي الآونة الأخيرة، أصبحت جنين، ولا سيما المخيم، مركزا وملجأ للجماعات المسلحة غير المنتسبة التي ظهرت خلال العام أو العامين الماضيين، والتي تتكون من جيل جديد من المسلحين الذين يتصرفون بمبادرتهم الخاصة ولا يخضعون للتسلسل الهرمي والمنظمات القائمة.
وكثيرا ما شنت إسرائيل غارات قصيرة على جنين لاعتقال الفلسطينيين المشتبه في قيامهم بالتخطيط أو تنفيذ عشرات الهجمات ضد الإسرائيليين. وتحول العديد منها إلى معارك طويلة بالأسلحة النارية بين القوات والمسلحين. خلال إحدى هذه الغارات العام الماضي، قُتلت الصحافية الفلسطينية الأمريكية، شيرين أبو عاقله، برصاص جندي إسرائيلي على الأرجح.
لقد ازداد ضعف السلطة الفلسطينية في نظر العديد من الفلسطينيين بسبب عدم قدرتها على حمايتهم من غارات الجيش أو عنف المستوطنين، أو الدفاع عن الأرض المحتلة من توسع المستوطنات أو تقديم أي أفق دبلوماسي تجاه حل تفاوضي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي حسب المحللين.
وبات الفلسطينيون ينظرون إلى السلطة على نطاق واسع على أنها مقاول فاسد وغير كفء يعمل لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وقد تخلى عن مسؤوليته بالكامل عن مناطق مثل مخيم جنين، بعيدا عن مركز سلطته في رام الله.
ويعتقد يار أن التوغل الإسرائيلي، الذي أعاق الجماعات المسلحة في جنين جزئيا ومؤقتا على الأقل، قدم “فرصة للسلطة الفلسطينية لاستعادة السيطرة”.
وقال محللون فلسطينيون إن ذلك غير مرجح، على الرغم من أن المنافسين الرئيسيين للسلطة الفلسطينية كانوا هدفا لإسرائيل، لأن المشاعر العامة كانت إلى جانب الجماعات المسلحة في جنين.
ونقلت عن غسان الخطيب، المحلل السياسي الفلسطيني والوزير الفلسطيني السابق المقيم في رام الله: “أعتقد أن هناك تعاطفا ودعما هائلين لأولئك الرجال الذين يحاولون محاربة الاحتلال بأي وسيلة كانت”.
وقال: “أعتقد أن إحدى النتائج الفورية والواضحة لهذه العملية الإسرائيلية – أو من جانبنا، المصطلح المستخدم هو العدوان – هو زيادة كبيرة في الدعم الشعبي للمقاومة” ضد إسرائيل، مضيفا: ” ضحاياها هي السلطة الفلسطينية، التي أصبحت أكثر تهميشا”.
أظهرت لقطات تلفزيونية يوم الأربعاء حشودا غاضبة من المشيعين الفلسطينيين في جنازات القتلى في جنين يطردون مسؤولي السلطة الفلسطينية الذين جاؤوا لتقديم العزاء.
وقال محللون إسرائيليون وفلسطينيون إن العملية الإسرائيلية قد تحفز ايضا هجمات انتقامية مثل إطلاق النار على سيارة للشرطة يوم الأربعاء والتي تم تصويرها على شريط فيديو. كما قام رجل فلسطيني يقود سيارة بدهس مدنيين إسرائيليين في تل أبيب، يوم الثلاثاء، مما أدى إلى إصابة ثمانية على الأقل، بعضهم إصابات خطيرة، قبل أن يحاول طعن بعضهم وإطلاق النار عليه من قبل أحد المتواجدين في المكان.
وفي وقت مبكر من صباح الأربعاء، أطلق مسلحون خمسة صواريخ باتجاه جنوب إسرائيل من قطاع غزة الساحلي الذي تديره حماس، في ما وصفه محللون بأنه عرض رمزي للتضامن مع الضفة الغربية. تم اعتراض الصواريخ دون وقوع إصابات.