تجددت أزمة تجنيد اليهود المتشددين "الحريديم" في الجيش الإسرائيلي بإصرار الأحزاب الدينية اليمنية المتشددة في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تعديل قانون خدمة اليهود الأرثوذكس المتشددين (الحريديم)، وتمريره من خلال الكنيست.
وقبل أيام شكلت مجموعة من الأمهات، اللواتي يوشك أبنائهن على التجنيد في الجيش، منظمة ترفض التعديلات المقترحة على القانون والتي تمنح إعفاء شاملا لليهود الحريديم.
وجرى استضافت مجموعة من الأمهات في الكنيست لمناقشة مطالبهن، وكتبت صفحة "أمهات على الجبهة" على موقع التواصل الاجتماعي: "نحن أمهات ربينا بناتنا وأبنائنا على قيم محبة الوطن والمساهمة في الدفاع عنه، واتفقنا لسنوات على المخاطرة بما هو أعز علينا، مدركين ذلك. هذا جزء من العقد بيننا وبين الدولة. لا أكثر. إذا تم تمرير قانون التجنيد الإجباري، سنوافق على منع انضمام أطفالنا إلى الجيش الإسرائيلي".
ويشترط القانون الحالي على جميع المواطنين والمقيمين الدائمين ذكورا وإناثا، أداء الخدمة العسكرية في الجيش، ويكون على الإناث اللواتي يبلغن 18 عاما تأدية الخدمة العسكرية لعامين، مقابل 32 شهرا على الأقل للذكور، غير أن فئة اليهود الحريديم يرفضون التجنيد، ويرغبون في التفرغ "لخدمة الرب" بدلا من الخدمة العسكرية.
من هم اليهود الحريديم؟
وفقًا للهيئة المركزية للإحصاء الإسرائيلية. وتشير الإحصاءات إلى أنهم يعتبرون الفئة الأسرع نمواً في إسرائيل بنسبة نمو سكاني تبلغ 4%، مقابل 2.3% للنسبة العامة بين الإسرائيليين، ويبلغ عددهم نحو 1.28 مليون شخص.
وهم جماعة متشددة من اليهود المتدينين، يحرصون على التزام شديد بتطبيق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية وطقوسها وقوانينها التوراتية في حياتهم اليومية. وتثير قضية دور "الحريديم" في المجتمع الإسرائيلي جدلا واسعا، إذ يطالب البعض بالمساواة في تحمل عبء الخدمة، في حين يرفض البعض الآخر التخلي عن دراسة التوراة التي يرونها "حماية روحية لإسرائيل".
وهناك مطالبات في الداخل الإسرائيلي خاصة من الأحزاب الليبرالية واليسارية بضرورة أن يشارك أفراد "الحريديم" في الخدمة العسكرية أو الخدمة المدنية، إذ أنهم يتمتعون بإعفاء شبه كامل من هذه الخدمة بسبب دراستهم في المدارس الدينية والتي تعتبر بمثابة الخدمة الوطنية بالنسبة لهم.
وتعتبر هذه المطالبة محور جدل واسع في إسرائيل، وتشكل موضوعًا للنقاش السياسي والاجتماعي حول المساواة في تحمل أعباء الخدمة الوطنية بين جميع المواطنين، بما في ذلك "الحريديم".
ومن جانبهم، يرفض اليهود "الحريديم" هذه المطالبة بحجة أن دراسة التوراة والتعليم الديني يعد حماية روحية لإسرائيل وأنهم يقومون بدور أساسي في الحفاظ على الهوية اليهودية والتقاليد الدينية في المجتمع الإسرائيلي.
فئات أخرى ترفض التجنيد
إلى جانب اليهود الحريديم توجد فئات أخرى ترفض التجنيد في الجيش الإسرائيلي، كعرب 48 (فلسطينيو الداخل الإسرائيلي)، فهم غير ملزمين بالتجنيد بموجب القانون الالتحاق بالخدمة العسكرية، لكن عددا من الشباب العرب وخاصة من البدو يلتحقون بالجيش على الرغم من ذلك، لكنهم يواجهون في العادة اعتراض المجتمع الذين يعيشون فيه ويعتبرونهم "خونة"، وأصدرت الحركة الإسلامية في شمال إسرائيل، التي يترأسها رائد صلاح، فتوى منذ سنوات تحرم خدمة المسلمين في الجيش الإسرائيلي، كما تمنع إقامة صلاة الجنازة على أي مسلم يُقتل في الجيش الإسرائيلي في المساجد التابعة للحركة.
أما بالنسبة للطائفة الدرزية فقد جرى الاتفاق مع قادتها عام 1956 على أن يتم تجنيد أبناء الطائفة في الجيش الإسرائيلي، مقابل الحصول على بعض الامتيازات إلا أن هذا لم ينجح في نظر الكثير من أبناء هذه الطائفة ودشن ناشطون دروز خلال السنوات الأخيرة مجموعات لرفض التجنيد الإجباري، مثل مجموعة "أرفض شعبك بيحميك" و"نحن حراس الأرض مش حراس حدود"، وتقوم هاتان المجموعتان بمساعدة الرفضين أو الممتنعين عن التجنيد وتوفر لهم المحامين والمتخصصين لتقديم المساعدة لهم، وهو انعكس بارتفاع نسبة رافضي الخدمة الإجبارية بالجيش من الدروز التي تقدر اليوم بـ 60%.
الرافضون للتجنيد
وبحسب دراسة لجامعة حيفا أشارت إلى أن نحو 65% من الدروز يرفضون الخدمة العسكرية، فيما بينما أشارت دراسة أجراها مؤتمر هرتسيليا الإسرائيلي السنوي إلى أن 54% من الدروز يرفضون التجنيد.
وبحسب لجنة مراقبة الدولة في الكنيست عام 2020 تتزايد أعداد الجنود المعفيين من الخدمة النظامية وارتفعت نسبتهم من 7.9% عام 2018 إلى 11.9% عام 2020، ويتوقع أن ترتفع إلى 13% عام 2023.
وإلى جانب الفئات التي تتخذ مواقف سياسية رافضة للتجنيد في الجيش الإسرائيلي هناك مجموعات ترفض التجنيد لأسباب متعلقة بمبدأ "اللاعنف" ورفض المشاركة في الجيش، ورغم أنهم أقلية في الداخل الإسرائيلي إلا أنهم يرفعون أصواتهم رفضا للتجنيد، وفي عام 2017 كتب 63 من الشباب والفتيات الإسرائيليين رسالة إلى بنيامين نتينياهو قالوا فيها: "نحن عشرات الشبان نكتب رسالتنا هذه لبيان رفضنا الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي الذي يطبق سياسة حكومة عنصرية، تنتهك حقوق الإنسان الأساسية، وتطبق قانونًا على الإسرائيليين وآخر على الفلسطينيين المقيمين على الأرض نفسها؛ لذلك قررنا عدم المشاركة في احتلال وقمع الشعب الفلسطيني".
وفي 2020 أكدت صحف إسرائيلية تواصل انخفاض أعداد المجندين بالجيش الإسرائيلي، في مقابل تزايد عدد الراغبين للتجنيد في وظائف سلاح الحاسوب والاستخبارات، ليتجنبوا الانخراط في الوحدات القتالية بالجيش الإسرائيلي.
عقوبات رفض التجنيد
وفي عام 2002، أقرّت المحكمة العليا الإسرائيلية إمكانية إعفاء شخص ما من الخدمة، لكنها ميزت في الوقت ذاته بين النزعة السلمية و"الاعتراض الضميري الانتقائي" الذي يهدد "بإضعاف الروابط التي توحدنا كأمة"، وفي 2016 أقر الكنيست الإسرائيلي، قانونا بالحبس 7 أعوام، بحق من يحرض ضد التجنيد في الجيش الإسرائيلي.
وقالت الإذاعة الإسرائيلية العامة، إن سن القانون جاء في أعقاب تفاقم ظاهرة التحريض ضد المتطوعين للخدمة في الجيش، من أبناء الوسط غير اليهودي.
ويتعرض رافضو التجنيد الإجباري من الدروز في إسرائيل لمحاكمات عسكرية، وتصدر بحقهم أحكام بالسجن تتراوح بين خمسة أيام و30 يوماً، وقد تتكرر هذه الأحكام مراراً في محاولة للضغط عليهم وإجبارهم على تغيير قراراتهم والتجنيد، وذلك قبل أن يتم تحويل ملفاتهم إلى النيابة العسكرية. يأتي هذا في إطار الجدل الدائر حول الخدمة العسكرية في إسرائيل والتي تلزم بعض الأقليات بالتجنيد الإجباري، في حين يتمتع أفراد بعض الأديان والطوائف بإعفاءات من هذه الخدمة.