وضعت مصادقة الكنيست الإسرائيلي، فجر الأربعاء الماضي، على موازنة الدولة احتجاجات "الإصلاح القضائي" المثيرة للجدل أمام مفترق طرق.
وتخشى المعارضة الإسرائيلية من أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، المنتشي بنصر مصادقة الكنيست على قانون الموازنة لعامي 2023 و2024، سيعود لطرح مشاريع قوانين الإصلاح القضائي المثيرة للجدل إلى الطاولة.
وليست هذه توقعات، وإنما ما قاله نتنياهو بنفسه للصحفيين بعد دقائق من مصادقة الكنيست على قانون الموازنة.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية) عن نتنياهو قوله، الأربعاء، إن "التغييرات في جهاز القضاء ستعود إلى الواجهة بالتأكيد، نحن في خضمّ التعامل معها، ونحاول التوصل إلى تفاهمات مع المعارضة بشأنها".
غير أن تصريح نتنياهو بعد إقرار الموازنة يضع منظمي الاحتجاجات أمام مفترق طرق، فإما أن يغادروا جلسات الحوار مع الحكومة ويصعّدوا الاحتجاجات حتى وقف مشاريع قوانين "الإصلاح القضائي" بشكل كامل، أو أن يستخدموا الاحتجاجات من أجل الضغط على الحكومة لتحسين مطالبهم في جلسات الحوار.
وقال منظمو الاحتجاجات في بيان، مساء الأربعاء: "إسرائيل في خطر جسيم. نحن على بُعد 24 ساعة من أن تصبح إسرائيل ديكتاتورية".
وأضافوا: "بعد نهب أموال الضرائب العامة من المواطنين ورشوة شركائه في التحالف، يعترف نتنياهو الآن بأنه يخطط لتحويل إسرائيل إلى ديكتاتورية خطيرة".
وتابعوا: "إسرائيل في خطر جسيم، والتشريع الديكتاتوري لم يُسحب، ونحن على بُعد 24 ساعة فقط من أن تصبح إسرائيل ديكتاتورية".
وشددوا على أنه "من واجبنا جميعاً أن نقاوم"، داعين إلى احتجاجات في كل إسرائيل، مساء السبت.
وليست هذه هي الاحتجاجات الأولى في إسرائيل، فمئات آلاف الإسرائيليين شاركوا على مدى 21 أسبوعاً بمظاهرات حاشدة في أنحاء البلاد، وخاصة تل أبيب.
المعارضة قلقة
غير أن التوقعات بتفرغ نتنياهو لتمرير مشاريع قوانين الإصلاح القضائي تزيد من تخوفات المعارضة، ما عكس نفسه بتهديدات بزلزلة الدولة.
وقال زعيم حزب "الوحدة الوطنية" المعارض، بيني غانتس، الأربعاء، في تغريدة على تويتر: "أنا أفهم أن نتنياهو ثمل بالسلطة مرة أخرى، بعد تمرير الموازنة ستنفجر في وجوهنا جميعاً".
وأضاف غانتس "أذكّر نتنياهو بأنه من الغباء تكرار الإجراء نفسه وتوقع نتائج مختلفة، إذا عاد الانقلاب إلى الطاولة، سنزلزل البلاد ونوقفه"، في إشارة إلى مشاريع قوانين "الإصلاح القضائي" المثيرة للجدل.
وفجر الأربعاء، صدّق الكنيست (البرلمان) على الموازنة العامة للدولة للعامين المقبلين بغالبيّة 64 نائباً مقابل معارضة 55 عضواً.
وفي نهاية شهر مارس/آذار، علق نتنياهو تمرير مشاريع قوانين الإصلاح القضائي بداعي إفساح الطريق أمام إجماع إسرائيلي على مشاريع قوانين عبر حوار يتوسط فيه الرئيس إسحاق هرتسوغ بين الحكومة والمعارضة.
ولكن الحوار، الذي يدور منذ ذلك الحين في مقر الرئاسة الإسرائيلية بالقدس الغربية، لم يفضِ إلى أي اختراق.
واعتبر نشطاء في المعارضة الإسرائيلية أن نتنياهو أراد فقط شراء الوقت حتى تمرير قانون الموازنة في الكنيست.
واستناداً إلى القانون الإسرائيلي، فكان يجب على الحكومة الحصول على ثقة الكنيست على الموازنة قبل نهاية الشهر الجاري، وإلا يتم حل الكنيست والتوجه الى انتخابات مبكرة.
ولدى حكومة نتنياهو 64 من مقاعد الكنيست الـ120، ما يمكنها من إقرار سلس لمشاريع قوانين الإصلاح القضائي في حال أرادت ذلك.
واعتبرت الصحفية الداعمة للاحتجاجات، أورلي بارليف، في تغريدة على تويتر، الأربعاء، أن تصريحات نتنياهو الأخيرة تعني "سنستمر في مسرحية الحوار، بينما نحمل السلاح التشريعي، وفي اللحظة التي نريد تمرير الإصلاح القضائي سنفعل ما يحلو لنا بعد أن نكون قد أخذنا منكم أيها المعارضة الساذجة العزيزة، الوقت الذي احتجناه لإعادة التجمع وتهدئة الجمهور والحصول على شرعية متجددة لبدء تشريع الديكتاتورية نقطة تلو الأخرى تدريجياً".
الانسحاب من الحوار
وتدفع أطراف في المعارضة للانسحاب من الحوار الجاري في مقر الرئيس الإسرائيلي بعد أن اتضحت نوايا نتنياهو.
وقال زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المعارض، أفيغدور ليبرمان، في تغريدة على تويتر، الخميس: "للأسف أصدقائي في المعارضة (يائير) لابيد و(بيني) غانتس مخطئون بشكل كبير. لا مكان للمحادثات في منزل الرئيس".
أما رئيس الوزراء الأسبق، إيهود باراك، فكتب على تويتر، الخميس: "غانتس ولابيد، كفى تهديدات. حان وقت التوقف. اتركوا المحادثات الخاملة في منزل الرئيس ورأسكم مرفوعة".
وأضاف: "نتنياهو يواصل الإصلاح بسلاح محشو. يسخر منكم. الاحتجاج هو التهديد الوحيد له. حان الوقت لضربه. لا تنقذوه. قوانين الانقلاب، نهب الموازنة، كفى".
ولكن المعارضة لم تحسم أمرها بالانسحاب من الحوار، وإن كان ثمة إجماع فيها على رفع وتيرة الاحتجاجات للضغط على الحكومة الإسرائيلية.
وبالمقابل، فإن نتنياهو أيضاً لم يحسم أمره بمواصلة الحوار مع المعارضة، أو المضي قدماً في تمرير مشاريع قوانين الإصلاح القضائي في الكنيست.
وقال أمير اتينغر، المحلل في صحيفة "إسرائيل اليوم"، الخميس: "سيتعين على نتنياهو أن يقرر ما إذا كان سيستجيب لمطلب شركائه في التحالف أو المعارضة".
وقال: "إذا قرر الأول، فإنه سيثير حفيظة المعارضة، التي قد تتراجع عن أي وعود بالتسوية وتطالب بوقف الإصلاح نهائياً. إذا اختار هذا الأخير، فسوف يخاطر بسلامة تحالفه؛ حيث هدد الأعضاء بالمغادرة ما لم يتم تعزيز الإصلاح القضائي بشكل أكبر".
ولفت إلى أنه "بعد سلسلة طويلة من المحادثات بين الطرفين، بدأ الوضع يتضح أكثر"
وقال اتينغر: "المعارضة مستعدة للتنازل عن أحد مكونات الإصلاح، وهو القانون المتعلق بالنائب العام، والذي سيسمح لأعضاء الكنيست بالحصول على تمثيل خاص في الالتماسات بدلاً من أن يمثلهم النائب العام".
وأضاف: "في المقابل، ستجتمع لجنة اختيار القضاة بصيغتها الحالية دون أي تغيير، وسوف يتعهد التحالف بعدم إجراء أي تغييرات عليها خلال الحكومة الحالية. بالإضافة إلى ذلك، سوف يتعهدون أيضاً بعدم الترويج لأي تدابير قانونية إدارية دون توافق في الآراء".
غير أنه استدرك: "يضغط وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ورئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست، سيمحا روتمان، ووزير العدل ياريف ليفين، وأعضاء آخرون في الائتلاف لتمرير بعض مشاريع القوانين على الأقل خلال الدورة الصيفية الحالية، حتى لو كان ذلك سيشكل خطوة من جانب واحد".
وقال اتينغر: "يدرك المسؤولون السياسيون أن التوصل إلى قرار وتحقيق انفراج في المحادثات في المستقبل القريب أمر حيوي".
لربما يتعين على نتنياهو أن يحسم قراره في الأيام المقبلة، وكذلك الأمر بالنسبة للمعارضة.
ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتبع مع المعارضة أسلوب المماطلة.
وقال نتنياهو في رسالة فيديو مسجّلة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، الأربعاء: "أنا أؤمن بأنه بحسن النية والإرادة الحقيقية، من الممكن التوصل إلى اتفاقيات تخدم جميع مواطني إسرائيل".