هل المنطقة أمام تعديل مسارات؟ صادق الشافعي

السبت 01 أبريل 2023 04:48 م / بتوقيت القدس +2GMT



هناك متغيرات تحدث في المنطقة تؤشر إلى احتمالات قوية لمتغيرات متنوعة في الطبيعة وفي العمق تعلن عن نفسها – بل تفرض نفسها - بمقدمات لا يمكن تجاهل رؤيتها، وتحمل معها مؤشرات واحتمالات وتأثيرات على المنطقة عموماً وإن بشكل متفاوت ومتنوع.
وبدون ترتيب حول الأهمية والأساسية يمكن التعرض لبعض منها:
المتغير الأول هو صعود الدور والتأثير الصيني في المنطقة بشكل لافت ومؤثر، كتجلٍّ رئيسي من تجليات الصعود العام للحضور والدور الصيني على المستوى العالمي المندفع بقوة باتجاه فرض الصين نفسها قطباً عالمياً ثالثاً إلى جانب القطبين الروسي والأميركي. خصوصاً وأن هذا المتغير يتعامل بوعي وإرادة مع أوضاع وأمور المنطقة واحتياجاتها ويسعى للتعامل معها والتأثير الإيجابي فيها بشكل مباشر جدي ومقبول.
 يحصل ذلك على أكثر من مستوى وفي أكثر من مجال. وكلها تقريباً تقع في دائرة وإطار المجال السياسي والاقتصادي السلمي.
وقد شهدت الشهور الأخيرة تطوراً ملحوظاً في صعود الدور المذكور ونجاحاته الملموسة بشكل لافت، لدرجة بدأت تعطي درجة أعلى من المصداقية لقول بعض الجهات ومخاوفها أن المنطقة بشكل عام تسير باتجاه الخروج من دائرة التحالف وربما التبعية للولايات المتحدة الأميركية لصالح وباتجاه التعاون وربما التحالف مع الصين. خصوصاً وأن ذلك يحصل ويتركز أولاً وأساساً في مجال الاقتصاد ومجال السياسة، وما ينتمي إليهما ويتفرع عنهما من عناوين أخرى، وخصوصاً أيضاً ان صعود الدور الصيني المذكور يتم بتسارع ملحوظ.
ويتسع هذا الدور ليشمل جهود مبادرة ومحاولات صينية جادة لتصحيح علاقات ليست كما يجب وحل خلافات بين بعض الأطراف في المنطقة ومحاولة المساعدة في نقلها الى دائرتها الطبيعية، دائرة الجيرة وما تتطلبه من حسن الجوار والتعاون.
المتغير الثاني، هو التنامي الواضح في الدور السعودي في عموم المنطقة، بدءاً من دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً وأن هذا الدور بشكل عام دور واقعي وإيجابي في نفس الوقت، وعلى درجة عالية من المقبولية من غالبية الدول العربية،
وهو ما يؤهل السعودية للعب دور إيجابي في الأوضاع العربية وفي أحوال الدول العربية والعلاقات فيما بينها.
المتغير الثالث، مؤشرات واقعية لخروج دول عربية من أحوال سلبية عاشتها لسنين طويلة أثرت سلباً وبدرجة كبيرة على دورها وإسهامها في أمور وأحوال الوضع العربي بشكل عام. وقد كان ذلك لأسباب متداخلة بين الخارجي بأشكاله وتعبيراته المختلفة والمتنوعة، وبين عوامل داخلية، على اختلاف وتنوع طبيعتها ودوافعها وتعبيراتها.
إن خروج هذه الدول من أحوالها السلبية وفي تحسن أحوالها يصب وبالدرجة الأولى، لصالح المنطقة بزيادة دورها وفعلها على المستوى القومي العربي، ويصب بشكل عام لصالح تماسك وتكامل النضال الوطني العربي بكافة أشكاله. وأبرز الأمثلة على ذلك دولتا سورية والعراق. خصوصاً وأن ذلك يترافق مع تطور مساعد في الوضع الإقليمي المحيط، تعبر عنه التحركات لإخراج سورية من حال العزل والحصار إلى حال الخروج الفاعل والمؤثر، وإلى حال الفعل والتأثير على أكثر من مستوى وفي المقدمة دورها على المستوى القومي عبر إنهاء العديد من الدول العربية مقاطعتها لها.
وقد أصبح من المؤكد تقريباً عودة سورية إلى المشاركة في أعمال القمة العربية التي ستُعقد خلال أيار القادم في الرياض.
أما العراق، فأول تعبيرات خروجه وعودة فعله على المستوى القومي تعبر عن نفسها عبر التزايد الملحوظ في اتصالات وزيارات مسؤوليه، وتفاعله الملحوظ مع عناوين ورؤى ومجالات العمل المشترك مع الدول العربية.
وزيادة على ذلك، إن الغالبية الكبرى للدول العربية قد أعادت علاقاتها مع سورية، وظهرت ترجمة ذلك واضحة في حملات مناصرتها السريعة ودعمها في مواجهة نتائج الزلزال المدمر الذي ضربها مع الدولة التركية الجارة.
يحصل كل ذلك في تزامن مع تصاعد ملحوظ ونوعي في النضال الوطني الفلسطيني بأشكاله المتنوعة في مواجهة قوية وعلى درجة من الندية، مع تصاعد ملحوظ في عدوانية ودموية دولة الاحتلال وأجهزتها القمعية وبالذات في عنوان الاستيطان. وأيضاً في عنوان مدينة «القدس» والتعدي على قدسيتها وعلى أهلها وسكانها وتاريخها. وفي سعي محموم لفرض السيطرة التامة عليها بكل قدسيتها ورمزيتها الدينية والوطنية والسياسية، وطرد معظم أو حتى كل أهلها وأصحابها التاريخيين منها إن استطاعوا لصالح غُزاتها ومستوطنيها.
 في مقابل التغير الموصوف في الحال العربي فإن دولة الاحتلال تعيش في حال ربما لم تشهد مثله من قبل في سياساتها وأوضاعها الداخلية. مع وزارة حاكمة من أقصى اليمين وسياسات عنوانها المركزي الاستيطان المنفلت من أي قيد وأي حساب وأي اعتبار، ومقترناً مع كافة وأقصى أشكال العنف ضد أهل الوطن وسكانه الفلسطينيين، والمفلت أيضاً من أي حساب او قيد ومن كل اعتبار سوى التوسع الاستيطاني ثم التوسع الاستيطاني بلا حدود وبلا قيود وبكل ما يستحضره ذلك من عنف دموي لكل ما يقف في وجهه ويقاومه.
في التوازي مع ذلك، فإن دولة الاحتلال تعيش في حالة ربما غير مسبوقة في أوضاعها الداخلية عنوانها الاضطراب والخلاف العميق في الرؤيا والسياسات تجاه قضايا وعناوين داخلية أساسية وربما مفصلية. يعبر الخلاف والاضطراب عن نفسه بشكل رئيسي في تحركات وتظاهرات جماهيرية عارمة معارضة وغير مسبوقة ربما، وبمئات الآلاف تملأ الشوارع.
لكن العناوين والقضايا الداخلية المذكورة لا ترتبط ولا تتوافق بأي شكل مع عناوين النضال الوطني الفلسطيني، ولا تختلف أو تتعارض مع سياسات دولة الاحتلال شديدة القمع والدموية تجاه الوطن الفلسطيني ونضالات أهله وتجاه حمّى الاستيطان.