نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا قالت فيه إن التقارب السعودي- السوري، قد يترك الولايات المتحدة على الهامش أثناء فترة من التحولات الدراماتيكية في الجيوسياسة للشرق الأوسط.
وفي التقرير الذي أعده سومر سعيد وبنيويه فوكون ومايكل أمون، جاء فيه أن السعودية وسوريا تقتربان من إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد وساطة من روسيا، حسبما قال مسؤولون سعوديون على معرفة بالمفاوضات، وسط تحولات جيوسياسية تجري في الشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة إن المحادثات مستمرة بعد جولات من النقاش في موسكو والرياض جرت في الأساييع الماضية. ولو تم التوصل لاتفاق، فسيكون بمثابة خطوة مهمة لإعادة دمج سوريا ورئيس النظام بشار الأسد في المنطقة بعد حرب أهلية شرسة.
وبعد الصفقة التي رعتها الصين بين السعودية وإيران، وأعاد فيها البلدان العلاقات الدبلوماسية، فإن بروز التقارب بين دمشق والرياض لو لم يحدث ما يوقفه، سيجعل الولايات المتحدة بعيدة عن تطور جديد في المنطقة. ويقول المسؤولون في سوريا والسعودية، إن المحادثات تهدف إلى صفقة قبل الزيارة المحتملة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق بعد عطلة عيد الفطر. ولكنهم حذروا من أن المحادثات قد تنهار.
وقال التلفزيون السعودي الرسمي يوم الخميس، إن المفاوضات بدأت مع سوريا لاستئناف الخدمات القنصلية في كلا البلدين، وذلك نقلا عن مصدر في الخارجية. وقطعت السعودية وسوريا العلاقات بينهما في 2012 بسبب رد الأسد على الاحتجاجات السليمة التي أعقبت اندلاع ثورات الربيع العربي، وما فعله في الحرب الأهلية.
وساهمت السعودية في تنظيم عملية إخراج سوريا من الجامعة العربية، وقدمت الدعم للمعارضة. وتوصلت الحكومة الروسية إلى اتفاق مبدئي عندما زار الأسد موسكو في الأسبوع الماضي، بحسب قول مسؤولين سعوديين وسوريين ومن دول عربية أخرى لها علاقات بالمحادثات. وزار مسؤولون سوريون بارزون السعودية في الأسابيع الأخيرة.
ولو تم التوصل لاتفاق رسمي، فستكون سوريا ضمن أجندة الجامعة العربية واجتماعها المقبل بالسعودية في أيار/ مايو، أي إعادة عضويتها للجامعة والتصويت على المساعدة في عمليات الإعمار وإعادة دمج البلد في النظام العربي من جديد.
وتعلق الصحيفة أن معظم العالم العربي قد تحرك منذ بداية الربيع عام 2011 وأطاح بحكومات في الشرق الأوسط. وقام الأسد بالتواصل مع عدد من الدول العربية لإنهاء عزلته، وقال وزير الخارجية السعودي قبل فترة إن “الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر”.
وشجعت إيران النظام في سوريا على عقد صفقة مع السعودية بعد توصل الرياض وطهران لصفقة في بكين من أجل استئناف العلاقات التي قطعت عام 2016، بحسب ما قال مسؤولون إيرانيون ومستشارون سوريون.
وقال مسؤولون عرب على معرفة بالمحادثات، إن عُمان والأردن دعمتا التقارب بين دمشق والرياض. وكان التركيز في المحادثات على الأمن، وفقا لما قاله مستشارو حكومة النظام السوري.
وتريد المملكة حلّ موضوع المعتقلين السعوديين الذين ألقي القبض عليهم بعد انضمامهم إلى الجماعات الجهادية أثناء الحرب الأهلية. وتريد دمشق مساعدة من الرياض لقطع الدعم والتجنيد عن الجماعات الأصولية التي تقاتل في سوريا، بحسب قول المسؤولين.
وأي اتفاق سيحصل بين السعودية ونظام الأسد برعاية روسية، سيكون بمثابة دبلوماسية صاخبة لولي العهد محمد بن سلمان. فقد قام بإعادة ضبط العلاقة مع الولايات المتحدة التي ظلت الحامي الرئيسي للمملكة، وأقام علاقات مع الصين وروسيا.
وواجه ولي العهد عزلة دبلوماسية بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي، ولكنه حاول الالتزام بالحياد منذ بداية الحرب في أوكرانيا العام الماضي. وحاول استخدام فرصة الحرب لتشكيل سياسة خارجية مستقلة تستند على نفوذ المملكة كأكبر مصدر للنفط في العالم.
وتأتي المحادثات مع سوريا بعد موافقة بن سلمان على التقارب بين السعودية وإيران برعاية صينية. وقالت كارين يونغ، الباحثة في الشرق الأوسط بمركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا: “الدول المصدرة للنفط والديكتاتورية تشترك فيما بينها بالعديد من الملامح أكثر من الغرب الديمقراطي، واستخدامه العقوبات ونفاقه فيما يتعلق بالسيادة”. وأضافت: “التوجه العام هو الإجماع على اعتبار عدم التدخل في الشؤون المحلية كمبدأ”.
وستعزز الوساطة الروسية بين السعودية وسوريا موقع موسكو في المنطقة، فقد كان الطيران الروسي حاسما في بقاء الأسد بالسلطة، كما تقرّب الرئيس فلاديمير بوتين من السعودية وتعاون معها في منظمة أوبك لضبط أسعار النفط العالمية.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الصفقة هي تذكير بأن تأثيرها يتلاشى في المنطقة، رغم ما لديها من قوة عسكرية ودبلوماسية. ولا تزال القوات الأمريكية في سوريا، حيث تقوم بعمليات مشتركة مع المقاتلين الأكراد ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ولكن البيت الأبيض أرسل رسائل بأنه يريد حرف التركيز عن الشرق الأوسط باتجاه الصين، وهو ما بدا في تقرير نشرته الصحيفة يوم الخميس عن خطط أمريكية لإرسال طائرات حربية قديمة إلى المنطقة، ونقل الطائرات الأحدث إلى منطقة الباسيفيك.
وقال ويليام ويشسلر، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية، ومدير مركز رفيق الحريري في واشنطن: “أهم عامل مؤثر في المنطقة هو مفهوم الانسحاب الأمريكي الذي يخلق فراغا دفع الدول الأخرى للدخول إليه”.
وشهد الشرق الأوسط في السنوات الماضية تسوية لملفات، وإعادة تشكيل للصفوف. فقد حلت السعودية خلافها الدبلوماسي مع قطر، وسوّت مشاكلها مع تركيا، وخفتت النزاعات الطويلة في ليبيا واليمن وسوريا.
وتواصل الولايات المتحدة محاولاتها لتطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل، لكن هناك عقبات كبيرة. ويقول فابريس بلانش، أستاذ شؤون الشرق الأوسط بجامعة ليون الثانية في فرنسا: “بعد الاتفاقية السعودية- الإيرانية، وتقارب محتمل بين النظام السوري والمملكة، هذا يعني أن الولايات المتحدة هُمّشت”، مضيفا: “تقوم دول الشرق الأوسط بصناعة السلام دون واشنطن”.
وبالنسبة للأسد، فاتفاقية مع السعودية ستكون المظهر الأخير لانتصاره في الحرب التي مضى عليها أكثر من 11 عاما، ليس فقط ضد المعارضة، ولكن ضد مجموعة الدول التي دعت للإطاحة به بما فيها الولايات المتحدة والسعودية.
واستخدم الأسد كارثة الزلزال الذي وقع الشهر الماضي للدفع بالدبلوماسية ، وزار عُمان والإمارات، لكنه لا يزال منبوذا في عدد من دول العالم، وسط بأدلة عن استخدامه السلاح الكيماوي ضد السوريين، وإشرافه على قتل عشرات الآلاف من المدنيين.