ما هي تداعيات الاتفاق السعودي الإيراني على "إسرائيل"؟

السبت 11 مارس 2023 03:55 م / بتوقيت القدس +2GMT
ما هي تداعيات الاتفاق السعودي الإيراني على "إسرائيل"؟



وكالات/سما/

يرى محللون أن الخطوة المفاجئة التي اتخذتها السعودية لإعادة العلاقات مع إيران تزيد من تعقيد المساعي الدبلوماسية لإسرائيل التي تتوق لإبرام اتفاقية تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية.

بعد سبع سنوات من قطع العلاقات بينهما، أعلنت الرياض وطهران، الجمعة، أنهما ستعيدان فتح السفارات والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين وتنفيذ اتفاقيات التعاون الأمني والاقتصادي الموقعة قبل أكثر من 20 عامًا.

لكن الاتفاق الذي جرى بوساطة صينية قوبل بانتقادات حادة وُجهت في إسرائيل لرئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي قال سابقًا إنه يعمل على إشراك السعودية ضمن تحالف إقليمي ضد إيران.

وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد إن "الاتفاق السعودي الإيراني هو فشل تام وخطر لسياسة الحكومة الإسرائيلية الخارجية... إنه انهيار للجدار الدفاعي الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران".

ولكن مراقبين إقليميين يرون أن التداعيات الفعلية للاتفاق أبعد من أن تكون واضحة سواء بالنسبة للتعاون السعودي الإيراني أو لعلاقة إسرائيل بالسعودية.

ورأى المحلل السعودي، عزيز الغشيان أن القول بأن السعودية مهتمة حصريًا بإسرائيل كجزء من جبهة محتملة ضد إيران "سطحي". وأضاف أن "الفكرة القائلة بأن عدو عدوي هو صديقي... نادرا ما تصرفت السعودية على هذا الأساس، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمسائل الإستراتيجية".

وقال إن بعد إعلان الجمعة "ترون بوضوح أن السعودية أعطت الأولوية للتقارب مع إيران على التقارب العلني مع إسرائيل... هذا لا يعني أن مواصلة العلاقات الهادئة جدًا مع إسرائيل ستتوقف... الآن العلاقة مع إيران هي أحد المتغيرات وهو جزء من الحسابات".

فجوة آخذة في الاتساع؟

تقول السعودية منذ فترة طويلة إن اعترافها بإسرائيل يتوقف على تطبيق حل الدولتين مع الفلسطينيين. وهي لم تنضم إلى اتفاقيات التطبيع "أبراهام" عام 2020 التي توسطت فيها الولايات المتحدة وأقامت بموجبها إسرائيل علاقات أو تحالفات مع جارتي المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة والبحرين.

وخلال الأسبوع، ذكرت صحيفتا "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز" أن الرياض تمارس ضغوطًا في اللقاءات الخاصة من أجل الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وعلى المساعدة لإطلاق برنامج نووي مدني مقابل إبرام اتفاق مع إسرائيل.

ولكن عمر كريم الخبير في السياسة السعودية بجامعة برمنغهام، رأى إن "تصاعد العنف الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين هذا العام جعل التقدم باتجاه إقامة علاقات في العلن غير مرجح على المدى القصير".

وقال "ليس لدى السعوديين حافز الآن للتطبيع السريع مع إسرائيل".

ورأى براين كاتوليس من معهد الشرق الأوسط بواشنطن أن الاتفاق السعودي الإيراني الجديد "قد يؤدي إلى إحداث فجوة أوسع بين إسرائيل والسعودية إذا أسفر ذلك عن انفتاح دبلوماسي أوسع بين المملكة وإيران... إسرائيل تقابل بالتشكيك أي تعامل دبلوماسي مع النظام في طهران".

إشارات مختلطة

قال نيكولاس هيراس من معهد نيو لاينز للإستراتيجيات والسياسات إن ذلك يجعل الاتفاق السعودي الإيراني "نصرا دبلوماسيا واضحا لإيران... وضربة لنتنياهو".

وقال إن "السعودية التي تخطب إسرائيل ودها، أرسلت للتو إشارة قوية إلى الحكومة الإسرائيلية الحالية مفادها أن الإسرائيليين لا يمكنهم الاعتماد على الرياض لدعم أي عمل عسكري إسرائيلي ضد إيران في أي مكان في المنطقة".


ومع ذلك، لا يرى الجميع أن التداعيات واضحة تمامًا.

قالت فاطمة أبو الأسرار الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط، إن "الاتفاق الإيراني السعودي مجاله محدود نسبيًا لأنه يركز على قضايا محددة مثل إعادة فتح السفارات واستئناف العلاقات التجارية وكذلك الأمن ودرء الهجمات".

وأضافت أن "هذه الخطوات ضرورية لتحسين العلاقات الاقتصادية وتخفيف التوتر بين البلدين، غير أنها لا تعالج الخلافات الآيديولوجية والسياسية الأوسع التي كانت الأساس وراء الخصومة طويلة الأمد بينهما".

يمكن أيضًا النظر إلى انفتاح السعودية على استئناف العلاقات مع إيران على أنه جزء من انفتاح دبلوماسي أوسع بعد المصالحة مع قطر وتركيا.

وقال الباحث السعودي، إياد الرفاعي، إن "هذا الاتجاه قد يفيد إسرائيل في نهاية المطاف، حتى وإن كانت السياسات الحالية لحكومة نتنياهو اليمينية المتشددة تعمل ضد ذلك".

وأوضح أن هذا "يخلق زخما يمكن أن يساعد المنطقة في التقدم نحو مستقبل من التفاهم المتبادل والاحترام والتعاون بين الدول. في مثل هذه البيئة، يمكن للاعبين الإقليميين، وخاصة إسرائيل في هذه الحالة، الاستفادة من ذلك".

وظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي، صباح أمس السبت، في العاصمة الإيطالية روما متحدثا في تفاؤل كبير عن تطبيع مرتقب للعلاقات بين بلاده والسعودية، وعن خطط لمد خط سكة حديد بين المملكة وحيفا.


لكن توقيع اتفاق- للمفارقة بعد ساعات فقط من تصريحات نتنياهو- لاستئناف العلاقات بين الرياض وطهران، كان بمثابة الصدمة التي استفاق عليها نتنياهو من أحلامه الوردية.
ينهي الاتفاق بين السعودية وإيران 7 سنوات من القطيعة بين البلدين تخللتهم توترات متزايدة في العديد من الملفات أبرزها الحرب في اليمن.


يقول تسفي برئيل، المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس" العبرية، تعليقا على الاتفاق بين السعودية وإيران: "تلاشى حلم إسرائيل في إقامة تحالف عربي دولي ضد إيران، (الجمعة)، بإعلانها أنها ستستأنف علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية في غضون شهرين".


وأضاف في مقال له بالصحيفة: "قد ترسم هذه الخطوة الدراماتيكية خريطة جديدة للعلاقات في الشرق الأوسط وخارجه. إنها تمنح إيران شرعية أساسية بين الدول العربية في المنطقة، والتي قد تؤدي لاحقًا إلى علاقات دبلوماسية مع دول أخرى مثل مصر".


وتوقع برئيل، أن يمهد الاتفاق لإنهاء الحرب في اليمن، ويؤدي إلى حل مستدام للأزمة في لبنان – وربما يدفع أيضا لاستئناف المفاوضات بشأن الاتفاق النووي.
وتابع: "هذا تطور سيتطلب أيضا من الولايات المتحدة إعادة النظر في موقفها، بعد أن ثبت أن الصين هي التي تمكنت من إعادة تجميع هيكل سياسي معقد كان من المفترض تقليديًا أن يكون تحت رعاية الإدارة الأمريكية".


فشل السياسة الخارجية الإسرائيلية
تحت عنوان "الاتفاق الإيراني السعودي يكشف أنه لا توجد سياسة خارجية لإسرائيل"، كتب الدكتور ميخال ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه دايان في جامعة تل أبيب والدكتور راز زيميت الخبير في شؤون إيران في معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، مقالا مشتركا في صحيفة "يديعوت أحرونوت" تطرقا فيه للأزمة السياسية التي تعيشها إسرائيل منذ سنوات في ظل عدم وجود حكومة مستقرة وتسببها في تدهور السياسة الخارجية الإسرائيلية.


وبحسب المقال، "من الأضرار الجسيمة لأربع سنوات من الفوضى التي عصفت بإسرائيل فقدان القدرة على إجراء تشخيص دقيق للواقع".


وأضاف: "لا يتم تحليل كل تحد استراتيجي ينشأ من الداخل أو الخارج بشكل موضوعي، ولكن يتم وصفه على الفور بأنه إنجاز مثير للإعجاب لحزب سياسي واحد أو كدليل على فشل هائل للطرف الآخر. وبدلا من صياغة رد مناسب، يتم تخصيص الأحداث كـ "أسلحة" ضمن تبادل الضربات بين المعسكرين المتنافسين".

واعتبر الخبيران أن الاتفاق بين الرياض وطهران دليل آخر على هذه المشكلة، حيث "سارع السياسيون الإسرائيليون إلى استغلال الاتفاق لمهاجمة بعضهم البعض وإلقاء اللوم على بعضهم البعض: وصف (رئيس المعارضة يائير) لابيد الاتفاق بأنه "فشل كامل وخطير للسياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية" نتيجة الانشغال بـ "الجنون القضائي"( إشارة إلى خطة حكومية لإصلاح القضاء)؛ وردا على ذلك ألقى نتنياهو المسؤولية على حكومة بينيت- لابيد واتهمها بعدم اتخاذ موقف حازم بما فيه الكفاية عندما بدأت المحادثات بين الطرفين (إيران والسعودية) قبل حوالي عام".


مع ذلك يخلص ميلشتاين و زيميت إلى أنه "من الناحية العملية، لا ينبع الاتفاق من سلوك إسرائيل بل من تطورات إقليمية ودولية واسعة. تسعى السعودية إلى تخليص نفسها من المستنقع الذي وجدت نفسها داخله في اليمن وتخفيف التوترات مع إيران، التي هاجمت منشآت الوقود في المملكة عام 2019".


وتابعا: "يسعى النظام الإسلامي إلى تخفيف الضغط الدولي عليه وإنهاء الدعم السعودي لقناة "إيران إنترناشيونال" التلفزيونية، التي كانت بمثابة أداة رئيسية ضده في موجة الاحتجاجات في الأشهر الأخيرة. من المرجح أنه بغض النظر عن هوية رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن الخطوة السعودية الإيرانية كانت ستتبلور في نهاية المطاف في اتفاق".


وأشارا إلى أن الاتفاق "يعكس فشل إدارة بايدن تجاه السعودية بشكل خاص، وصورة واشنطن الضعيفة في الشرق الأوسط بشكل عام، ويوضح التأثير الإقليمي المتزايد للصين، التي لعبت دورا رئيسيا في الوساطة بين البلدين".

خيبة أمل سعودية من واشنطن
بدورها، ذهبت القناة "13" الإسرائيلية في تحليل نشرته، اليوم السبت، إلى أن الاتفاق بين الرياض وظهران، يعبر إلى حد ما "عن خيبة أمل المملكة العربية السعودية تجاه الولايات المتحدة فيما يتعلق بالضمانات الأمنية التي لم توفرها، وقد يشير الاتفاق إلى أن الخيار العسكري الأكثر عدوانية ضد إيران لم يعد على جدول الأعمال بالنسبة للسعودية، والكرة الآن في ملعب إيران، وعليها أن تثبت استعدادا حقيقيا لتكون جارة جيدة للمملكة".


واعتبرت القناة أن هناك رسالة أراد السعوديون من التوقيع مع إيران أن يرسلوها إلى الولايات المتحدة وهي "أن الصين لم تعد مجرد دولة اقتصادية- شريك في الطاقة للمملكة، ولكنها شريك سياسي وأمني مهم. هذا، على الرغم من اعتماد الرياض الأمني ​​شبه الكامل على واشنطن".
وقالت القناة إن الاتفاق يمكن أن يبلور ما يمكن تسميته "شرق أوسط جديد"، إذ أن استئناف العلاقات بين السعودية وإيران "له تداعيات بعيدة المدى على منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما على صراع إسرائيل مع إيران، وعلى علاقات إسرائيل مع السعودية، وعلى الصراع من أجل الهيمنة بين الولايات المتحدة والصين في المنطقة".

وتابعت: "قبل خمس سنوات فقط، أطلق ولي العهد محمد بن سلمان على المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي لقب "هتلر الشرق الأوسط الجديد" واليوم - توصلت الدولتان إلى اتفاق. يمكننا أن نتعلم من التغيير الهام في السياسة السعودية، حول فهم القيادة السياسية في المملكة لطبيعة النضال الذي يجب خوضه ضد إيران، في ظل غياب "ظهر" أمريكي أو إسرائيلي. وبقدر ما يتعلق الأمر بالسعودية، فإن السياسة المتشددة تجاه إيران لم تعد ذات صلة، بل إن الحوار المباشر بين الدولتين فقط هو الذي سيفي بالمصالح السعودية في اليمن ويضمن للمملكة الهدوء الأمني".


وأشارت القناة إلى الاتهامات المتبادلة في إسرائيل بين حكومة نتنياهو وسابقتها حول الاتفاق المبرم بين إيران والسعودية.
وقالت في هذا السياق: "هناك انطباع أن إسرائيل لاعب ثانوي في هذه القصة. هذا حدث إقليمي دولي أكبر وأهم بكثير من إسرائيل، رغم أنه ضربة قاسية للحلم الإسرائيلي بالتطبيع العام مع المملكة والتطلع إلى إقامة تحالف إقليمي ضد إيران. ومع ذلك، من المحتمل أن تحافظ إسرائيل والسعودية على تعاونهما، بما في ذلك التعاون ضد إيران، فالعلنية فقط هي التي قد تتضرر".


انتصار صيني وقلق إسرائيلي
ورأت القناة "13" أن "انتصار الصين بنقطة واحدة على الولايات المتحدة في الصراع من أجل الهيمنة في المنطقة هو العنوان الرئيسي لهذه القصة، وقد تم تسجيل النجاح الصيني بالتزامن مع المحاولات الأمريكية للوساطة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، والتي حتى الآن، لم تؤد إلى اختراقة في العلاقات".


وتابعت: "في الشرق الأوسط حيث تكون الصين هي القوة المهيمنة- لن تكون إسرائيل بالضرورة مهيمنة كما هي اليوم في الشرق الأوسط الذي تنسحب منه الولايات المتحدة، وهذا هو السبب الحقيقي للقلق، أكثر من الاتفاقية السعودية الإيرانية نفسها".


"كانت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي استقبل هناك بترحاب وتأييد، هي النقطة التي بدأت فيها الصين التخطيط لانتصارها السياسي الأول كقوة دبلوماسية في الشرق الأوسط"، تابعت القناة.



استمرار "العلاقات السرية"
ويعتقد جي إليستر، المحلل السياسي في موقع "والا" العبري، أن الاتفاق بين إيران والسعودية، لن يمحو إمكانية التطبيع بين إسرائيل والرياض بالمرة.
وكتب في مقال بعنوان " بن سلمان لا يثق بالولايات المتحدة واختار طريقا دبلوماسيا مع إيران": "إسرائيل، وخاصة نتنياهو، بذلت جهوداً كبيرة في إقامة علاقات مع السعودية وعزل إيران، لكن اتفاق الأمس لم يضع حدا لذلك. العلاقات السرية مع الرياض ستستمر، وفي ظل ماضٍ مليء بالأزمة مع طهران، لا يُعرف ما سيحدث لاتفاق المصالحة الحالي".


ومضى إليستر بالقول: "خط القطار بين حيفا والسعودية، والذي تحدث عنه نتنياهو قبل ساعات قليلة من الإعلان الإيراني، من المحتمل ألا يتم تدشينه قريبا، لكن من المحتمل أن ينتظر بن سلمان على أمل فوز الجمهوريين في الانتخابات العام المقبل من أجل عودة رئيس متعاطف إلى البيت الأبيض".