لم تهدأ الساحة الإسرائيلية منذ تعيين إيتمار بن غفير، وزيراً للأمن القومي في "إسرائيل". وتفاقمت الأزمات داخل حكومة بنيامين نتنياهو التي لم تكمل بعد شهرها الرابع بسبب السياسات "الحمقاء"، وفق تعبير الإعلام الإسرائيلي، التي يتخذها الوجه الجديد لها بن غفير.
هذا الوزير الذي طُرد من "الجيش" الإسرائيلي بسبب شذوذه النفسي، وصفه الإعلام الإسرائيلي بـ"وزير الفشل القومي"، خصوصاً بعد القرارات التي اتخذها بعد العمليات الفدائية الفلسطينية التي حصلت في الفترة الأخيرة.
بعد كل عملية فدائية تحصل رداً على الاعتداءات الإسرائيلية بحق الأهالي في فلسطين المحتلة، يحاول بن غفير "الانتقام بطريقة مستفزة". ولم ينجح الوزير الإسرائيلي بتنفيذ ما وعد به جمهوره بعد نجاحه في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وأول مخططاته كانت، فرض إجراءات جديدة على الفلسطينيين والتضييق عليهم خصوصاً في القدس المحتلة. وإذ بالمشهد انقلب على كل مخططاته حتى أصبحت الأراضي المحتلة وتحديداً القدس، ساحة عمليات فلسطينية.
هذه الوعود التي لم تُنفذ، جعلت المستوطنين ينقلبون على بن غفير. حيث هاجم المستوطنون، وزير الأمن القومي لدى وصوله إلى موقع عملية الدهس البطولية، قبل يومين، في القدس المحتلة، وقالوا له: "أين الأمن الذي وعدتنا به؟". على وقع وتيرة هذه العمليات الفدائية، برغم كل الطوق الذي تفرضه المنظومة الأمنية الإسرائيلية، تظهر مواقف الاحتلال الأخيرة حالة الإرباك والتخبّط بين أركان الاحتلال إزاء فقدان القدرة على كبح العمليات، برغم اتخاذها عدّة إجراءات "انتقامية" في أعقاب كل عملية.
بن غفير يفاقم الأزمات الأمنية
صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها، قالت إن الوزير المسؤول عن الأمن القومي إيتمار بن غفير يعمل على مفاقمة الوضع، وليس تهدئته، وذلك بسبب القرارات التي يتخذها فجأة. حيث أصدر تعليماته للشرطة بالاستعداد لتنفيذ عملية عسكرية "السور الواقي 2" في القدس المحتلة بدءاً من اليوم الأحد. و"السور الواقي 1" عملية عسكرية شنتها "إسرائيل" في آذار/مارس 2002، في كافة أنحاء الضفة الغربية، قتلت خلالها عشرات الفلسطينيين.
وذكرت قناة "كان" الإسرائيلية، ليل أمس الجمعة، أن عملية "السور الواقي 2" التي أعلنها بن غفير في رسالة "واتساب"، تشمل شنّ عمليات اعتقال واسعة ضد الفلسطينيين في القدس، وتكثيف العمليات الأمنية داخل الأحياء الفلسطينية، ومواصلة تدمير المنازل، وإجراءات ضد ما يسمّيه "التحريض عبر مواقع التواصل".
وعلقت وسائل إعلام إسرائيلية، على العملية الفدائية التي حصلت في القدس المحتلة، قائلةً إن "السور الواقي لن توقف مهاجماً منفرداً، وكذلك الإغلاق سيضر أكثر مما ينفع".
في أعقاب توعد بن غفير بتدمير منازل الفلسطينيين في القدس المحتلة، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن بن غفير "لا يعمل كشخصٍ يسعى إلى وقف التصعيد، بل كشخصٍ يسعى إلى المفاقمة من أجل دهورة "إسرائيل" إلى انتفاضة شبيهة بما سبق عملية "السور الواقي" في سنة 2002"، لافتةً إلى أن "كلامه يمكن أن يفسّره الفلسطينيون بأنه إعلان حرب، ومن الممكن أن يؤجج هجماتٍ إضافية".
أمام هذا الخوف الإسرائلي من التصعيد بسبب عدم جهوزية الاحتلال للدخول في أي مواجهة عسكرية، شنّ مسؤولون إسرائيليون، هجوماً على وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، بسبب تصريحاته بشأن إطلاق عملية "السور الواقي 2" في القدس المحتلة. ووصفوا تصريحاته بأنها "هراء".
قبل أسابيع، لوّح بن غفير بشنّ عمليةٍ عسكرية على قطاع غزة، على غرار معركة "سيف القدس"، حينها كشفت التقديرات الاستراتيجية أيضاً، التي قدّمها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، أنّ التهديد الأكثر إلحاحاً لـ"إسرائيل" في عام 2023، هو الساحة الفلسطينية القابلة للاشتعال. لذلك فمن الطبيعي أن يظهر الهجوم الإسرائيلي على بن غفير.
على الرغم من الانتقادات الواسعة التي وُجهت لوزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير، بعد إعلانه حملة عسكرية، لأنه لم يتشاور مع أي مسؤول أو مؤسسة رسمية، إلا أن بن غفير قد أعدّ بالفعل مخطط العملية العسكرية. ولوّح وزير الأمن القومي الإسرائيلي، بالاستقالة في حال لم يطرأ أي تغيير على سياسة الحكومة في غضون 9 شهور كحد أقصى، بعدما انتقد الرد على القذائف من قطاع غزة وتأجيل الرد على إخلاء الخان الأحمر، حسبما ورد في تقرير لـ"القناة 13" الإسرائيلية.
نتنياهو المأزوم يدعم بن غفير
وعلى الرغم أيضاً، من محاولة المسؤولين الإسرائليين التخفيف من حدة التصعيد، من خلال الهجوم على بن غفير، إلا أن تصريحات الأخير، ليست بعيدة عن السياسات الإسرائيلية العامة المتبعة داخل الكيان المحتل. ولكن الفترة الراهنة لا تسمح لهم بتنفيذ عملية عسكرية في القدس المحتلة، وذلك لأن غزة تترقب الأحداث لحظة بلحظة. حيث توعدت فصائل المقاومة الفلسطينية بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تم الاعتداء على الأهالي في الأراضي المحتلة.
ما يؤكد هذا الكلام، هو أن بن غفير ليس وحيداً، إنما مدعوم من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي "يتعلق به في حملة هروبه المدمّرة من رعب القانون وجرائم الفساد التي تلاحقه". وبحسب ما جاء في الإعلام الإسرائيلي، يعتبر بن غفير "وجه الحكومة الجديد، وممنوع أن ننسى من عيّن ناشط اليمين المتطرف، الاستفزازي والمجرم المُدان، الذي وضع هدفاً له السيطرة على الشرطة وجرّ البلد إلى صِدامٍ مباشر مع الفلسطينيين".
مطالبات إسرائيلية لنتنياهو بإقالة بن غفير، ولكن وفقاً للتقديرات، نتنياهو المأزوم داخلياً لا يستطيع التخلي عن داعميه في الحكومة. وفي هذا الصدد وجهت "هآرتس" التهم إلى نتنياهو قائلةً إن "أصابع الاتهام يجب توجيهها إلى من اختار تعيين بن غفير في منصبه أي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو". وأشارت إلى أن "من يضع شخصاً خطيراً وفاشلاً كبن غفير في منصب وزير الأمن القومي، لا يتعجبنّ من أن تلميذ الحاخام كاهانا معني باستغلال الوضع الأمني الصعب من أجل جرّ البلد بأسره إلى حربٍ شاملة".
حاول بن غفير في الفترة الماضية قمع الفلسطينيين بكل الطرق الممكنة، حتى وصل به الحال أن يمنع رفع العلم الفلسطيني في الأراضي المحتلة، لكن إصرار أصحاب الأرض أمام هذه المحاولات جعل بن غفير يفشل مجدداً. لذلك، من يتابع بعمق الظروف السياسية التي تحكم الائتلاف الحكومي، يدرك جيداً أن بن غفير جدّي في تنفيذ خططه، وصحيح أن الائتلاف يمنحه فرصة ذهبية لتحقيقها، لكنه يفشل في الوصول إلى الأهداف دائماً أمام الإصرار الفلسطيني على التصدي والمواجهة.