مخاطر وتبعات التوجه الفلسطيني لمحكمة الجنايات الدولية بعيون إسرائيلية

الثلاثاء 10 يناير 2023 04:03 م / بتوقيت القدس +2GMT
مخاطر وتبعات التوجه الفلسطيني لمحكمة الجنايات الدولية بعيون إسرائيلية



القدس المحتلة/سما/

 تستعرض باحثة إسرائيلية، من معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، مخاطر ودلالات وتبعات التوجه الفلسطيني لمحكمة الجنايات الدولية من خلال الأمم المتحدة، وتقدم توصياتها لحكومة الاحتلال، محذرة من أن سياساتها وتوجهاتها ستؤثر على القرارات والعلاقات الدولية الخاصة بإسرائيل.

وتقول نينا شاربيط باروخ إنه في 30 كانون الأول/ ديسمبر تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يطالب محكمة العدل الدولية بتبني وجهة نظرها القانونية بشأن سؤالين: الأول، التداعيات القانونية الناجمة عن خرق إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، والاحتلال المستمر، والمستوطنات، والضم، بالإضافة إلى الخطوات الإسرائيلية الهادفة إلى تغيير التركيبة الديموغرافية وشكل القدس ومكانتها، وتبنّي قوانين وخطوات عنصرية في هذا السياق. أمّا الثاني، فهو كيف تؤثر هذه الخروقات على المكانة القانونية للمناطق المحتلة، وتداعيات هذا الأمر في دول العالم والأمم المتحدة. وقد حظي القرار بتأييد 87 دولة، وعارضته 26 دولة، ضمنها الولايات المتحدة، وكندا، وألمانيا، وبريطانيا، وامتنعت 53 دولة، ضمنها معظم دول أوروبا. يذكر أن عدد الدول المعارضة أو الممتنعة دَفَعَ رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو للتباهي بأنه نجح بتخفيف وطأة الهجمة الدبلوماسية على إسرائيل هذه المرة.

انحياز ضد إسرائيل
وبرأي الباحثة، يعكس هذا القرار، مرّة أُخرى، الانحياز ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، وتركيزها “غير المتوازن” عليها، مشيرة إلى أن غالبية الدول في الأمم المتحدة عارضت، أو امتنعت، أو تغيبت من المشاركة في التصويت (106 دول). وهذا يعود إلى الجهود التي بذلتها إسرائيل في إقناع جزء من الدول التي دعمت القرار في البداية لتغيير موقفها. ورغم ذلك، تقول إنه لم يكن هناك احتمال حقيقي لمنع القرار. ومن جهتها دانت إسرائيل القرار، وأشارت إلى أن “الشعب اليهودي لا يُعتبر محتلاً في أرضه، ولا يحتل عاصمته الأبدية القدس، ولا يستطيع أي قرار للأمم المتحدة أن يشوّه هذه الحقيقة التاريخية”.

وتعتبر الباحثة الإسرائيلية أن القرار، عملياً، هو تبنّي للتوصية التي شملها التقرير الصادر في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي عن لجنة التحقيق التي شكّلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد عملية “بزوغ الفجر”. وقد جاء في التقرير أن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني بسبب الخطوات التي تقوم بها إسرائيل والوقائع التي تفرضها على الأرض، وفي مقدمتها الاستيطان. وأشار إلى أن الهدف من التبريرات الأمنية هو التغطية على النيات الحقيقية لإسرائيل بضم أجزاء من المنطقة، عملياً وقانونياً.

وتقول إنه بحسب القانون الدولي فإن “المناطق المحتلة” هو وصف لواقع تسيطر فيه دولة محتلة على منطقة عدوة، بشكل فعلي، منوهة أن قوانين الاحتلال الدولية تفرض شروطاً وقيوداً على القوة المحتلة خلال إدارتها المنطقة. زاعمة أنه لا يوجد في قوانين الاحتلال أمر يتعلّق بـ”عدم قانونية” الاحتلال بحد ذاته (على عكس خرق القواعد المفروضة من الاحتلال بحد ذاته)، أو أي قيود على مدة الاحتلال. وتقول إنه خلال الأعوام الأخيرة، هناك من يطالب بالاعتراف بعدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي، ذلك لأنه يتعارض جوهرياً مع المبدأ الأساسي لقوانين الاحتلال؛ أن يكون مؤقتاً، ومع عدم فرض القوة المحتلة سيادتها على الأرض، وعدم إدارة الأراضي المحتلة كنظام “وصاية”. وفي المقابل، تقول إن هناك ادّعاء يقول إن مجرّد التوجّه إلى المحكمة الدولية هو بحد ذاته محاولة لخلق أمر واقع جديد غير معترف به في القانون الدولي لدوافع سياسية.

وتستذكر أن محكمة الجنايات الدولية، التي تأسست عام 1945، وتعتبر الجهة القضائية الأساسية للأمم المتحدة، يتركز معظم نشاطها في حل النزاعات بين الدول التي منحتها الصلاحية، وتلتزم بقراراتها. هذا بالإضافة إلى أن المحكمة تبدي وجهات نظر في مسائل قانونية بطلب من مؤسسات الأمم المتحدة المخوّلة بذلك. وتتابع: “على الرغم من أن وجهة النظر غير مُلزمة، فإنه يتم التعامل معها باحترام كبير، وتحظى باهتمام كبير في الساحة الدولية”.

المرة الثانية
كما تستذكر الباحثة الإسرائيلية أن هذه هي المرة الثانية التي تطلب فيها الأمم المتحدة من المحكمة الدولية أن تبدي رأيها بشأن إسرائيل، ففي 9 تموز/ يوليو 2004، أصدرت المحكمة رأياً قانونياً استشارياً بشأن بناء “الجدار الأمني”، جاء فيه أن بناء “الجدار الفاصل” يخلق واقع ضم فعلي، وهو ما يشكّل خرقاً للقانون الدولي، وأن على إسرائيل أن تحترم حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وقوانين الحرب ومبادئ حقوق الإنسان، علاوة على أن المستوطنات تُعد خرقاً للقانون الدولي. وبدورها، انتقدت إسرائيل وجهة النظر القانونية هذه، وصادقت المحكمة العليا في إسرائيل على مواصلة بناء الجدار واعتبرت أن المحكمة الدولية لم تأخذ بعين الاعتبار الواقع على الأرض.

 وتتنبه الباحثة الإسرائيلية إلى أن وجهة النظر هذه لم تؤدِ إلى أي خطوات عملية ضد إسرائيل، لكنها استُعملت كثيراً، ولا تزال، من جانب منتقدي إسرائيل كمرجعٍ للدلالة على عدم قانونية السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وترى أنه من المهم الإشارة إلى أن الادّعاء المضاد المُهم، الذي ساعد على تخفيف تأثير وجهة النظر القانونية في سنة 2004، كان أن النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين يجب أن يحل عبر القنوات السياسية، لا عبر المسارات القضائية، وجرت فعلاً خطوات سياسية في تلك الفترة وما تلاها، ومن ضمنها قرار “فك الارتباط” من غزة. متجاهلة إرهاب الدول الغربية وجرائمها بحق العراق وشعبه تزعم الباحثة الإسرائيلية أيضاً أنه بالإضافة إلى ذلك تعرض القرار إلى انتقادات من جانب جهات أُخرى بسبب تجاهله خطر “الإرهاب”، في حين كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يحاربون في العراق وأفغانستان، ضد “جهات إرهابية”.

الخطوات المتوقعة
أمّا في ما يتعلق بالخطوات المتوقعة الآن، فبعد قرار الجمعية العامة، ستبحث المحكمة في صلاحيتها منح رأيها. وترجح  نينا شاربيط باروخ أن تجد المحكمة أن لديها مثل هذه الصلاحية، ثم يتم اختيار القضاة، وتبدأ المداولات بالادّعاءات بحد ذاتها، ويمكن لدول وجهات متعددة أن تقدّم رأيها إلى المحكمة، ومن المتوقع أن يستمر المسار من عام إلى عامين. أمّا بشأن وجهة النظر فتتوقع أن تتضمن عدة انتقادات بشأن عدم قانونية السياسات الإسرائيلية في الضفة وشرقي القدس، وخطوات الضم التي تقوم بها، على الرغم من أنه من الصعب تقدير تداعيات هذه الانتقادات.

وتتابع الباحثة الإسرائيلية في توقعاتها: “مع ذلك، فإن وجهة النظر لن تتطرّق مباشرة إلى “الأبرتهايد”، إلّا أنها ستتطرّق إلى “القوانين والوسائل التمييزية”.

وفي تقرير لجنة التحقيق التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان، تمت الإشارة إلى أن إسرائيل تمارس “التمييز والقمع الممنهج استناداً إلى الهوية القومية، الإثنية، العرقية أو الدينية. هذه الصياغة تسمح للمحكمة بأن تتطرّق في رأيها القانوني أيضاً إلى الادّعاءات القائلة بأن إسرائيل تمارس نظام “أبرتهايد” في الضفة الغربية”.

عقوبات على إسرائيل؟
كما تتوقع أن تطالب وجهة النظر الأمم المتحدة، والدول والمنظمات، باتخاذ خطوات عملية بهدف الضغط على إسرائيل لوقف سياساتها غير القانونية، ويمكن أن توصي أيضاً بفرض عقوبات على إسرائيل. وبرأي الباحثة الإسرائيلية فإنه حتى في هذه الحالة، يبدو أن احتمال فرض الأمم المتحدة عقوبات على إسرائيل ضئيل جداً، وذلك بسبب الفيتو الأميركي. في المقابل ترى أن القرارات القاسية الصادرة عن المحكمة ضد إسرائيل يمكنها أن تؤثر جدّياً في علاقات إسرائيل الخارجية، وأن تؤدي إلى تراجع الدعم لإسرائيل من حلفائها الذين في الأساس لديهم مواقف نقدية تجاه سياساتها في الساحة الفلسطينية. وضمن الأمثلة تستذكر تجميد الاتحاد الأوروبي، في بداية كانون الأول/ ديسمبر، مسودة اتفاق متقدمة لتبادل المعلومات بين شرطة إسرائيل والشرطة الأوروبية، بسبب الخلاف على المعلومات في الساحة الفلسطينية. ويمكن لوجهة النظر برأيها أن تشجّع خطوات دبلوماسية أحادية الجانب من طرف الفلسطينيين كطلب انضمام كامل للأمم المتحدة وتعزيز التمثيل الدبلوماسي في دول العالم.

ذخائر لحركة المقاطعة
 كما تحذّر الباحثة الإسرائيلية من أن وجهة النظر النقدية ستكون سلاحاً بيد حركة المقاطعة الدولية وجهات أخرى ضد إسرائيل، هذا بالإضافة إلى أنه، وفي أعقاب الاجتياح الروسي لأوكرانيا، بدأت تبرز ظاهرة جديدة تقرر من خلالها شركات دولية من جانب واحد الامتناع من العمل في دولة معيّنة لأسباب مبدئية. وتقول نينا شاربيط باروخ ضمن تحذيراتها إنه يمكن لوجهة النظر أن تدفع هذا الشركات إلى خطوات شبيهة ضد إسرائيل. وتضيف: “من المهم الإشارة في هذا السياق إلى أنه، وفي كانون الأول/ ديسمبر، صدرت تقارير تشير إلى أن صندوق الاستثمار النرويجي، الذي يستثمر 1.3 ترليون دولار، ويعد من الأكبر في العالم (استثمر في العام 2020، 1.3 مليار دولار في شركات إسرائيلية)، يدرس من جديد استثماراته في إسرائيل، ليتأكد من أن استثماراته لا تذهب إلى المستوطنات أو الشركات التي تعمل وراء الخط الأخضر”. وتقول إنه هذا بالإضافة إلى أن العالم يعيش من جديد حالة انقسام بين الدول الديمقراطية- الليبرالية والدول الاستبدادية غير الليبرالية، ويمكن أن تؤدي وجهة النظر إلى تصوير إسرائيل كجزء من المعسكر الثاني.

المحكمة الأخرى
وبرأيها، يمكن لوجهة النظر هذه أن تؤثر أيضاً في التحقيق بشأن إسرائيل في المحكمة الأُخرى (والمنفصلة) الموجودة في لاهاي، المحكمة الجنائية الدولية. وتشير إلى أن التحقيق، الذي بدأ رسمياً في آذار/ مارس 2021، يركّز على الادّعاءات بارتكاب جرائم في الضفة، وشرقي القدس وقطاع غزة، بدءاً من 13 حزيران/ يونيو 2014، ويشمل “جريمة المستوطنات”، كما يجري تعريفها في قانون المحكمة. وتستذكر أن النائب العام للمحكمة، كريم خان، امتنع منذ استلامه المنصب، قبل عام ونصف، من التطرّق إلى التحقيق، ويبدو أنه ليس في رأس سلّم أولوياته، على الرغم من وجود إشارات إلى أنه من الممكن أن يتقدّم بشكل ما خلال العام المقبل. ويمكن لوجهة نظر المحكمة أن تدفع قدماً بمسارات جنائية ضد جهات إسرائيلية، وخصوصاً في مجال المستوطنات، ويمكنها أن تشكّل أداة ضغط تسرّع التحقيق.

وتمضي في تحذيراتها: “هذا بالإضافة إلى أن إقرار المحكمة بوجود تمييز ممنهج يمكن أن يؤثر في التحقيق، حيث تُعد جريمة “الأبرتهايد” ضمن الجرائم ضد الإنسانية ومن صلاحيات المحكمة البت فيها”.

مصالح الاحتلال
وبعد كل تحذيراتها، ترى نينا شاربيط باروخ أنه، رغم ذلك، يجب التذكير بأن سياسات الدول تنبع من مصالحها أولاً، وهي أوسع بكثير من أن يتم حصرها بالالتزام بالقانون الدولي. من هنا تستنتج أنه حتى لو كانت وجهة النظر نقدية، فإن حجم تأثيرها سيحدده كيفية تعامل المجتمع الدولي معها وتبنّيه لها. كما أن سياسات حكومة إسرائيل وإدارتها ستؤثر في مضمون وجهة النظر ومدى حدّتها أيضاً، وبصورة خاصة في درجة الدعم التي ستحظى بها وجهة النظر لدى المجتمع الدولي.

وتخلص نينا شاربيط باروخ للقول إن التصريحات والخطوات التي تتجاهل بصورة واضحة القانون الدولي، أو يُفهم منها أن ليس لدى إسرائيل أي نية لإنهاء السيطرة على حياة الفلسطينيين ضمن إطار مسار سياسي، ستُستخدم ضد إسرائيل في المعركة الدولية.