يودع الفلسطينيون العام 2022 الذي وصف بأنه الأعنف على مدار أعوام ماضية جراء تدهور الحالة الأمنية مع إسرائيل، ومواصلة الإخفاقات في تحقيق مصالحة فلسطينية تنهي انقساما داخليا استمر لأكثر من 15 عاما ما تسبب بإضعاف فرص حل قضيتهم.
وأعلنت إسرائيل في مارس الماضي إطلاق عملية "كاسر الأمواج" في الضفة الغربية للبحث عن مطلوبين تتهمهم بتنفيذ هجمات ضد مواطنيها، حيث قتل نحو 27 إسرائيليا منذ ذلك الوقت في هجمات نفذها فلسطينيون داخل مدن فلسطينية وإسرائيلية وقرب حواجز عسكرية.
في المقابل، قتل 166 فلسطينيا في الضفة الغربية وشرق القدس منذ بداية العام بنيران إسرائيلية، بينهم أطفال ونساء ونشطاء من الفلسطينيين، وأصيب المئات في حصيلة هي الأعلى منذ ما يقارب 7 أعوام، وفقا لمصادر رسمية فلسطينية وأممية.
ودفع تصاعد الأوضاع خاصة في مناطق شمال الضفة الغربية إلى ظهور مجموعات عسكرية تضم عشرات المسلحين، الأولى تطلق على نفسها "عرين الأسود" في مدينة نابلس والثانية "كتيبة جنين" في جنين ومخيمها، واللتان انتشرتا شعبيتهما بسرعة في الأراضي الفلسطينية لتنفيذهما سلسلة عمليات مسلحة.
ــ خطورة المرحلة المقبلة
فاز بنيامين نتنياهو وحلفاؤه بـ64 مقعدا من مقاعد البرلمان (الكنيست) البالغة 120 مقعدا في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الأول من نوفمبر الماضي، ووافق الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ أخيرا على تمديد المهلة الممنوحة لنتنياهو في تشكيل الحكومة حتى 21 ديسمبر.
ومن المقرر أن تضم الحكومة الإسرائيلية الجديدة رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش وشريكه إيتمار بن غفير، وهما لديهما آراء معادية للعرب ويعارضان على تقديم أي تنازلات للفلسطينيين ويؤيدان ضم الأراضي في الضفة الغربية التي سيطرت عليها إسرائيل في حرب 1967.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس أحمد رفيق عوض إن المشهد القادم خطير، لأن سموتريتش وبن غفير سيكونان مسؤولين عن الضفة الغربية في تركيبة الحكومة الجديدة ويحاولان حسم مسألة مناطق ((ج)) في الضفة الغربية والمسجد الأقصى شرق القدس ما ينذر بتفجر الأوضاع.
ويضيف عوض أنه "لا محالة سيكون التصعيد هو سيد الموقف خاصة وأن الرد الفلسطيني سيتصاعد على عمليات الاستفزاز الإسرائيلية المستمرة ضد الفلسطينيين وثوابتهم الوطنية والدينية، إلا إذا كان هناك الردود العربية والإقليمية والدولية على إسرائيل حتى لا تنفجر الأمور، لأنه ليس من مصلحة أي طرف أن يكون هناك انتفاضة جديدة في الأراضي الفلسطينية".
وبحسب عوض، فإن العام 2022 شهد خلال فترة حكومة يائير لابيد تغولا شديدا على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية عبر عمليات القتل الميداني والبناء الاستيطاني وهدم المنازل والسيطرة على الأراضي وتكريس الاحتلال، ما أدى لظهور تنامي العمليات المسلحة.
وحذرت الرئاسة الفلسطينية مرارا وتكرارا من أن "التصعيد الخطير يدفع بالمنطقة نحو مزيد من التوتر في ظل مواصلة الحكومة الإسرائيلية ضرب قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي بعرض الحائط من خلال استمرارها بمسلسل القتل اليومي".
وطالبت الرئاسة في بيانات عديدة على لسان الناطق باسمها نبيل أبو ردينة الإدارة الأمريكية بالتوقف عن "صمتها تجاه الجرائم الإسرائيلية"، مؤكدة أن القيادة الفلسطينية ستتخذ كل ما يلزم لحماية الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
وكان المجلس المركزي قرر في فبراير الماضي عقب اجتماعات استمرت يومين في رام الله تعليق الاعتراف بإسرائيل لحين اعترافها بدولة فلسطين على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ووقف الاستيطان ووقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة، لكن ذلك لم ينفذ حتى الآن.
ــ تغييب عملية السلام
زار الرئيس الأمريكي جو بايدن مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية في 15 يوليو الماضي في زيارة قصيرة التقى خلالها عباس بعد قضائه 40 ساعة في إسرائيل ولقاء مسؤولين إسرائيليين، حيث أكد التزامه بخيار حل الدولتين على حدود العام 1967 دون اتخاذ أي خطوة بشأن ذلك.
كما بادرت السلطة الفلسطينية وإسرائيل إلى عقد لقاءات رفيعة المستوى خلال العام الجاري وجرى اتصال بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، هو الأول من نوعه منذ أعوام، لكن في غياب المسار السياسي والاكتفاء بالتعاون الأمني والعلاقة الاقتصادية.
ويعتبر المحلل السياسي من رام الله عبد المجيد سويلم أن التركيز على القضايا المعيشية للفلسطينيين يأتي في ظل انغلاق أية إمكانية لإطلاق عملية سلام ورفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة المتكرر لدخول في أي مفاوضات مع الجانب الفلسطيني.
ويقول سويلم إن "الإدارة الأمريكية غير معنية بأي عملية سلام، وإنما إدارة الأزمة على نفس النهج الإسرائيلي، ما يتيح استمرار عمليات الضم الصامت والبناء الاستيطاني في الضفة الغربية وشرق القدس دون أن يكون هناك عملية سلام حقيقية".
ويضيف سويلم أن "الإدارة الأمريكية ترى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يقوم على حلول اقتصادية كبديل للسلام السياسي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فيما "تماطل" في تنفيذ كافة المطالب الفلسطينية التي وعدت بتحقيقها بشأن القضية الفلسطينية.
ويشير إلى أن المشهد السياسي المقبل في ظل قدوم حكومة إسرائيلية "يمينية متشددة" برئاسة نتنياهو سيكون أكثر قتامة وصعوبة على الشعب الفلسطيني، متوقعا عدم حدوث أي انفراجة على صعيد استئناف الاتصالات السياسية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
ويتهم الفلسطينيون الإدارة الأمريكية بالصمت على ممارسات إسرائيل اليومية في الضفة الغربية وشرق القدس وتوفير الدعم الكامل لها، بالإضافة إلى عدم الوفاء بالتزامات وتنفيذ وعودها بشأن القضية الفلسطينية.
ويطالب الفلسطينيون بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس ومكتب منظمة التحرير في واشنطن ودعم موازنة السلطة الفلسطينية والضغط على إسرائيل للحفاظ على الوضع القائم في القدس ووقف إجراءاتها أحادية الجانب واحتجاز أموال الضرائب الفلسطينية.
ــ استراتيجية فلسطينية
ويرى مسؤولون ومختصون فلسطينيون أن الشعب الفلسطيني في وضع "أسوأ عما كان عليه، لأن الأرض تنهب والقدس والمسجد الأقصى يهودان والقضية تهمش والعامل الذاتي في حالة يرثى لها في ظل الانقسام الداخلي".
ويقول مدير مركز ((مسارات)) للأبحاث والدراسات في رام الله هاني المصري إن تصاعد الممارسات الإسرائيلية يتطلب تكثيف العمل الدبلوماسي الفلسطيني في اتجاه تشكيل رأي عام دولي ضغط على الحكومات الموالية لإسرائيل.
ويضيف المصري أن السياسات الرسمية للدول الحليفة مع إسرائيل "لن تتغير إلا بتغير موازين القوى على الأرض بما يهدد الاستقرار والسلام في المنطقة، أو تحفيز رأي عام قوي بما يكفي للضغط على السياسات الرسمية".
وبالتوازي مع ذلك، يؤكد ضرورة توفير عوامل الصمود والتواجد الشعبي الفلسطيني على الأراضي الفلسطينية في ظل الحديث عن مخططات أكثر "عدوانية للتهويد والضم والتهجير والفصل العنصري ومحاولات لتصفية القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها مع قدوم حكومة إسرائيلية جديدة".
ويشدد المصري على ضرورة تنظيم وتطوير المقاومة بكل أشكالها مع التركيز على أن تكون جزءا من استراتيجية وخاضعة لقيادة موحدة وعدم دفع الصراع للحسم قبل أن نملك القدرة على الحسم، ولا الانجرار وراء معارك قبل أوانها أو لا نقدر عليها.
ويتطلع الفلسطينيون إلى نهج مغاير من المجتمع الدولي نحو إيجاد حل جدي وسريع في التعامل مع ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد سنوات من التهميش، صاحب ذلك رفض الحكومات الإسرائيلية الجلوس على طاولة المفاوضات لإحياء عملية السلام.
ويطالب الفلسطينيون بتحقيق دولة مستقلة إلى جانب إسرائيل على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 بما يشمل الضفة الغربية كاملة وقطاع غزة وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية.
ــ لا أفق لانفراجة في ملف المصالحة الفلسطينية
عاد ملف المصالحة الفلسطينية إلى واجهة المشهد الفلسطيني مرة أخرى هذا العام بعد استضافة الجزائر في أكتوبر الماضي اجتماعات لـ14 فصيلا فلسطينيا أبرزها حركتي التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس) لإنهاء حالة الانقسام المستمرة منذ 15 عاما.
ووقعت الفصائل الفلسطينية في 13 أكتوبر الماضي على اتفاق للمصالحة وإنهاء حالة الانقسام الداخلي بعد اجتماعات عقدت على مدار يومين في الجزائر تلتزم بموجبه بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون عام.
وصاغت الجزائر، التي عملت منذ عدة أشهر على ملف المصالحة من خلال استضافة وفود الفصائل الفلسطينية كل على حدة، ورقة حملت اسم ((إعلان الجزائر)) المنبثق عن مؤتمر "لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الفلسطينية"، وقد تضمنت تسعة بنود قدمتها للمجتمعين الذين وقعوا عليها.
ومن أبرز البنود ضرورة الإسراع بإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية وفق القوانين المعتمدة في مدة أقصاها عام من تاريخ التوقيع.
ويبدي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة مخيمر أبو سعدة عدم تفاؤله من إحداث اختراق جدي على صعيد المصالحة الفلسطينية رغم الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقدوم حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة بزعامة بنيامين نتنياهو.
ويقول أبو سعدة إن حركتي فتح وحماس "فشلت في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة خلال شن إسرائيل خمس حروب على قطاع غزة في أعوام 2008 و2009 و2012 و2014 و2021".
ويضيف أبو سعدة أن "وجود نتنياهو وسموتريتش وبن غفير في سدة الحكم في إسرائيل لن توحد الساحة والشعب الفلسطيني"، داعيا القيادات الفلسطينية إلى وقف "الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي والتعويل على أنفسهم وتحملهم المسؤولية".
ويتابع أبو سعدة أن "((إعلان الجزائر)) الذي تم توقيع عليه من قبل الفصائل الفلسطينية كان منقوصا ولم يتعامل مع كافة قضايا الخلاف الداخلي الفلسطيني مثل إعادة بناء وتطوير منظمة التحرير وتشكيل حكومة وحدة وطنية".
ويرجح أبو سعدة استمرار حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني إلى حين توفر معطيات سياسية وميدانية لطرف من أطراف المعادلة (فتح وحماس) تمنحه القدرة على حسم الصراع لصالحه كون الصراع بينهما يمثل صراع بقاء بين خطين سياسيين من الصعب أن يتلاقيا.
ويعاني الفلسطينيون من انقسام داخلي منذ منتصف العام 2007 إثر سيطرة حركة حماس على الأوضاع في قطاع غزة بالقوة، فيما فشلت عدة تفاهمات في تحقيق المصالحة.