ما زالت دولة الاحتلال تعيش على وقع تعيين المتطرف إيتمار بن غفير رئيس حزب العصبة اليهودية وزيرا للأمن القومي، وإمكانية أن يترك هذا التعيين تأثيره السلبي على أوضاع الدولة من الداخل، في ضوء الصلاحيات الواسعة التي يتوقع أن يحصل عليها، أو على الخارج والأضرار المتوقعة في العلاقات مع الدول العربية، والتنسيق مع الولايات المتحدة، وسط مخاوف من جعل القوات الأمنية تتصرف وفقا لاعتبارات حزبية وليس مهنية.
سافير ليبكين مراسلة القناة 12، نقلت عن "مسؤولين أمنيين وعسكريين سابقين قلقهم من نية تعيين ابن غفير وزيراً للأمن القومي، واعتبروا أن نقل المسؤولية عن القوى الأمنية والعسكرية تحت قيادته يمكن أن يكون وصفة للتحريض الإقليمي، وهم يخشون، من بين أمور أخرى، أن يؤدي ذلك لتفاقم الوضع في المسجد الأقصى، وإلحاق الضرر بالعلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية، وحتى إضعاف التنسيق الاستراتيجي السياسي مع الولايات المتحدة".
ونقلت في تقرير عن الجنرال عاموس غلعاد رئيس معهد الأمن والاستراتيجية، والرئيس السابق للدائرة الأمنية والسياسية بوزارة الحرب، أنه "عند تحليل مواقف ابن غفير عن الضفة الغربية والمسجد الأقصى، فهذه وصفة لتحريض إقليمي يمكن أن يفسد جهودنا للتعامل بشكل فعال مع التهديد الإيراني، فضلا عن المسّ بعلاقات الجيش وتنسيقه الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، والحفاظ على دعم الغرب، لأن نظرته لاقتحامات الأقصى أن كل شيء مفتوح ومجاني أمام أنصاره".
وأضاف أن "المسجد الأقصى هو قنبلة حقيقية، وحماس تنتظر انفجارها لتحويل الصراع مع الفلسطينيين إلى حرب دينية بين المسلمين واليهود، كما أن الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ستصبح أكثر توترا، والتأثير في الأردن سيكون دراماتيكيا، وهذا قد يضر بعلاقاتنا مع الدول العربية، والتنسيق الاستراتيجي السياسي المطلوب مع الولايات المتحدة، مع أيديولوجية ابن غفير قد ينتهي بنا المطاف في مواجهة داخلية، وسينجذب جنود الجيش للمزيد والمزيد فيها".
وأكد أن "إخضاع حرس الحدود في الضفة الغربية لصلاحيات ابن غفير، بينما الجيش الإسرائيلي هو الوحيد الذي يقوم حتى الآن بتنشيط جميع قواته في الضفة الغربية هي وصفة لكوارث خطيرة للغاية، هذا تحدٍ لقدرتنا على مواجهة التحديات الأمنية".
الجنرال إيتمار يعار النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي، والمدير التنفيذي لحركة" قادة الأمن الإسرائيلي"، أكد أن "المسؤولين عن الأمن القومي في إسرائيل هم الحكومة ورئيس الوزراء، فهل يعتقد أحد أن ابن غفير سيكون مسؤولاً عن كل هذه القضايا، إن إخضاع حرس الحدود لصلاحياته سيسفر عن مشاكل، لأن من يدير كل القوات العسكرية في المناطق الفلسطينية هو القائد العسكري الميداني، وقائد الفرقة، ومن فوقه القائد العام، ومن فوقهم جميعا هو رئيس الأركان، العملية برمتها تحت قيادة القائد العسكري، وليس تحت قيادة وزير، مهما كان".
وأشار أن "الحديث السائد حاليا أن القوات العملياتية ستكون خاضعة لشخصية سياسية، وليس لرتبة عسكرية، وهذا يقلقني كثيرًا، لأنها ستعمل في هذه الحالة وفقًا لاعتبارات شخصية أو حزبية، وعلينا جميعا أن نتذكر أنه في الضفة الغربية كل شيء يعمل وفقًا لأمر الجنرال، وليس السياسي".
الجنرال يسرائيل زيف قائد العمليات السابق في رئاسة الأركان أكد أن "الحياة اليومية في أجزاء كبيرة من الدولة أصبحت منذ فترة طويلة غير آمنة، وهو وضع يزداد سوءً كل يوم تحت أقدامنا، وإذا لم يتم القيام بشيء كبير، وكبير فعلا، في السنوات القادمة، فإن فقدان المسار الحالي سيتفكك في غضون بضع سنوات، وتذهب الدولة إلى حالة من الانقسام والفوضى التي قد تتحول حربا أهلية، بطريقة لا تطاق، وتضر بالأمن الشخصي لكل إسرائيلي".
وأضاف في المؤتمر الطارئ لأمن الحكم والاستيطان، بمشاركة مسؤولين سابقين وحاليين في جهاز الأمن ورؤساء السلطات وأعضاء السلطة القضائية والحكومية والأكاديمية، نقلت فعالياته القناة 12، أنه "في الواقع الذي تم إنشاؤه مؤخرا، فإن حكم الدولة آخذ في التآكل، توجد فيها مناطق بأكملها كـ"دولة داخل دولة"، والسيطرة فيها تضعف، مما يتطلب تقديم خطة عمل إستراتيجية للتعامل مع التدهور في مستوى الحكم، والشعور بالأمن لدى المواطنين".
رئيس بلدية بئر السبع روبيك دانيلوفيتش زعم أن "الدولة يتعرض مصيرها للخطر، في عام 2050 سيعيش 16 مليون شخص في إسرائيل، 75٪ منهم في غوش دان وتل أبيب، وضياع الطريق السياسية سيفكك الدولة لحالة من الفوضى خلال سنوات قليلة، نحن نعيش تهديدا وجوديا ناجما عن الافتقار للحكم، والتهديد لاستمرار وجود الدولة ينبع من غياب دولة الحكم والقانون والنظام، وكلها تلقي بظلالها السوداء على الشعور بالأمن الشخصي لكل إسرائيلي، في كل مكان".
تكشف هذه التحذيرات الإسرائيلية عن تفاقم حالة الكراهية الداخلية بينهم؛ والخشية أنها ستؤدي بهم للهاوية، حتى باتت الدولة تشهد انتشاراً غير مسبوق لما بات يوصف وباء الكراهية الداخلية، مما يعني فشلها بمحاولة الحفاظ على وحدتها بصورة ذريعة، وصلت ذروتها بنتائج الانتخابات الأخيرة التي أفرزت مجموعة من اليمينيين الفاشيين، الذين يطرحون برامج جنونية حقيقية، دفعت جنرالاتهم لرفع البطاقة الحمراء، والتذكير بأنهم في الطريق للهاوية، بسبب ما ينشره هؤلاء من كراهية داخلية متزايدة.
تعيد هذه التحذيرات الإسرائيلية لأذهانهم اغتيال رئيس وزرائهم الراحل إسحق رابين في 1995، وسط تأكيدات بأن دولة الاحتلال تعاني من تصدّع أصاب مجتمعها، ويهدده بالتقسيم، مما يشكل تحدّياً من الدرجة الأولى، وقد يشعل النار من جديد، لأنها تشهد شقاقاً اجتماعياً عميقاً، وأسفر عن تآكل مستمر لمؤسسات الدولة، مما سيساعد في إشعال هذه الكومة النارية بأكملها.
عربي21