كم أسعدني مشاهدة أبطال غزة على كراسيهم المتحركة يُسجِّلون فوزاً في البطولة الدولية لكرة السلة التي أقيمت بالعاصمة الهندية دلهي، برعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر.. فبالرغم من تواضع الإمكانيات المتاحة للفرق الرياضية في قطاع غزة، والصعوبات التي تعترض سفرهم بسبب الاحتلال والحصار، إلا أن هؤلاء الشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين أقعدتهم حالات الإصابة، إلا أنهم فتحوا لهم طريقاً للمجد والمعالي، ولم يستسلموا لضغوطات واقع الاحتلال، وشقوا طريقهم بعزيمة وإصرار لتبقى فلسطين الوطن والهوية وعلمها وزغاريدها ترفرف فوق العواصم والقارات.
كانوا اثنا عشر كوكباً، وستة من المرافقين، شدوا رحالهم إلى العاصمة الهندية دلهي، لخوض بطولة الهند الدولية للكراسي المتحركة في كرة السلة، مع دولٍ هي الأفضل حالاً من وضعية وطن يعيش شعبه تحت الاحتلال الإسرائيلي.
خاضوا البطولة بروح الثائر الفلسطيني، ليقولوا للعالم نحن شعب الكوفية، ونحن سفراء القضية؛ القضية التي يعاني شعبها من غياب العدل الإنساني ومن المظلومية، ويتطلع لنيل حقه في الاستقلال والحرية.
جاءوا بكلِّ عزيمة للمنافسة على البطولة في دلهي، رغم تواضع الفرص والإمكانيات وجمهور الداعمين.
كان أبناء الجالية الفلسطينية -مع قلتهم- مفعمين بالحماسة لهم، فوقفوا إلى جانبهم وصفَّقوا طويلاً، حتى تحقق الفوز لهم بكأس البطولة.
لا أحد يستطيع أن يحبس دموع الفرحة بفوز هؤلاء الفتية الذين قَدموا على كراسيهم المتحركة ليرفعوا اسم فلسطين عالياً وسط العاصمة الهندية دلهي، ملوِّحين مع ابتساماتهم بالعلم والكوفية.
ورغم انشغالي بعملي الرسمي، إلا أنَّ هذه البطولة كانت بالنسبة لي احتفالاً استثنائياً بهويتي الفلسطينية، إذ شعرت فيه بأن روح الانتماء للوطن قد عادت لي من جديد.. لقد تابعت البطولة منذ أيامها الأولى، فكنت أشعر بالمسؤولية تجاه هؤلاء الفتية القادمين من قطاع غزة، وحاولت أن أكون بجانبهم لرفع معنوياتهم، حتى لا يشعروا بمرارة الغربة والبعد عن الوطن..
في الحقيقة؛ أنا فرحت لفرحهم بالفوز بالبطولة، وشاركتهم الحلوى والابتهاج، فهذه الأيام كانت من أسعد أيام غربتي، بعد سنوات من الوحشة والشوق والحنين ومعاناة البعد عن الأهل والوطن، والتي لم تبددها إلا رؤية هذه الكوكبة من شباب قطاع غزة تُلوِّح زهواً بالعلم والكوفية لفوزهم بكأس البطولة الدولية.
نعم؛ أنا أمريكية المولد، ولكني فلسطينية الهوى والهوية، و"أنا دميِّ فلسطيني"، وعشقي لوطن الآباء والأجداد لا يضاهيه عشق آخر، فلذلك ربما كنت الأسعد من بين جمهور الحضور استمتاعاً في متابعة فعاليات هذه البطولة.
كان ياسر عرفات (رحمه الله) بالنسبة لي هو الرمز والهوية والكرامة الوطنية، وقد حاولت تخليده على طريقتي الخاصة، فأسميت ابني الأول "عرفات"، ثم جاء الابن الثاني "وطن" وأخته "إيلياء"؛ أي القدس. هذه القناديل الثلاثة بالنسبة لي، تُشكِّل سيمفونية الانتماء: (إيلياء.. وطن.. عرفات).
في اليوم النهائي للبطولة، اصطحب زوجي د. بدر الدين معه ابننا الأكبر "عرفات" ليشاهد معه المسابقة في فصلها الأخير، وليقف إلى جانب هؤلاء الأبطال الفائزين.
كنت معنيَّاً أن يعيش "عرفات" تلك الأجواء هذه البهجة والفرح، وأن يصفق مع والده لهذه الكوكبة من أبناء وطني فلسطين، وأن يكونا إلى جانب هؤلاء الابطال الذين جاءوا من مكانٍ بعيد ليسجِّلوا فوزاً لوطني الحبيب.
كان بدر الدين وعرفات؛ ابن الست سنوات، وبضع عشرات من الفلسطينيين الطلاب والمقيمين في الهند أكثر حيوية وحماسة بين المشجِّعين لهؤلاء الفتية الذين خرجوا من رحم المعاناة والألم، وشقوا طريقهم بثقة واقتدار لتحقيق هذا الفوز لفلسطين، رغم مآسي الحصار وظروف الاحتلال القاسية، والتأكيد على أن عروقهم تنبض بالحياة والثورة.
نعم؛ إن تسجيل اسم فلسطين في المشهد الرياضي العالمي ومن هؤلاء الشباب على كراسيهم المتحركة، تستنهض وجدان شعوب العالم للتفاعل مع المظلومية الفلسطينية، وتفتح آفاقاً أوسع لشعوب أخرى من المستضعفين للتعاطف الإنساني والسياسي مع قضيتهم.
جاء هذا الفوز متزامناً مع الذكرى الـ 18 لرحيل ياسر عرفات (رحمه الله)، ليكون هذا الفوز هدية متواضعة لروح الشهيد أبو عمار، والذي سبق أن شقَّ طريقه إلى الهند في السبعينيات للقاء بأنديرا غاندي، ليجعل من الهند دولة تعترف بفلسطين وبحق شعبها في الحرية والاستقلال.
تهانينا لفلسطين ولهؤلاء الشباب من أبناء غزة بهذا الفوز الكبير، فمقاومة الاحتلال ليس بندقية فقط، فالرياضة أيضاً آلية للانتصار.