رغم جهود بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء المكلف في بث روح الطمأنة لدى عدد من دول المنطقة والعالم المتخوفة من حكومته المقبلة، فإن التقدير الإسرائيلي السائد أن الخوف في عمّان حقيقي، وتحديدا بعد عودة العلاقات مع تل أبيب خلال الأشهر الأخيرة، والشعور القائم لديها بأن هذه الإنجازات ستذهب هباء، خاصة أن التعيين الواضح لبعض الشخصيات اليمينية المتطرفة في مواقع وزارية مرموقة وجد أصداءه السلبية لدى المملكة خشية الإضرار بالوضع الراهن في المسجد الأقصى.
وتستعيد الأوساط السياسية والدبلوماسية في الأردن مع عودة نتنياهو إلى الحكم أحداثا سلبية من عهده السابق، سواء أحداث البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى أو حادثة السفارة في عمان، وهي أزمات من الماضي لا تستبعد عمان أن تتجدد، لاسيما وهو محاط بجملة من اليمينيين الفاشيين.
إيتمار آيخنر المراسل السياسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، زعم أن "الأردن ربما يكون الدولة الأكثر قلقاً من تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل، لأن حكومتي بينيت-لابيد استعادتا العلاقات معه بعد فترة طويلة من التوترات والانفصال بين نتنياهو والملك عبد الله الثاني، واليوم يبدو صعبا في المحادثات مع المسؤولين الأردنيين عدم الشعور بقلق عميق لما سيأتي.. صحيح أنهم من الناحية الرسمية حذرون، ويقولون إنهم سيحكمون على حكومة نتنياهو من أفعاله، لكنهم قلقون للغاية في أعماقهم".
وأضاف في تقرير أن "المسؤولين الأردنيين يخشون أن جميع ما يعتبرونها إنجازات تحققت في العام والنصف الماضيين ستذهب هباءً، فهم لا يثقون بنتنياهو الذي يحاول نقل رسائل مطمئنة، وخوفهم الأكبر هو تغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى، وتنبع بشكل أساسي من الشخص الذي يُتوقع أن يكون شريكًا رئيسيًا في الحكومة، وهو إيتمار بن غفير، لأن تعيينه وزيراً للأمن الداخلي، يشير إلى نوايا إسرائيلية لإجراء تغييرات بعيدة المدى في المسجد الأقصى، حتى لو نفت ذلك".
ونقل عن "محافل أردنية أن الملك عبر عن قلقه من عودة نتنياهو للساحة السياسية، وها قد تحقق خوفه، لأنه يخشى أنه سيضر بالوضع الراهن، وإلغاء وصايته على المسجد الأقصى، وسيسمح لليهود بمزيد من الاقتحامات، والصلاة فيه، ما سيؤدي إلى إلغاء هويته العربية والإسلامية، ويعمل على نقل الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، وأبلغ وزير خارجيته أيمن الصفدي سفراء الدول العربية والأوروبية بأنه يخشى من مواصلة تل أبيب إهانة موظفي الأوقاف الأردني في المسجد الأقصى".
وأكد أن "الأردن يعتقد أن التغيير الحكومي الإسرائيلي قد يؤدي إلى إشعال الصراع من جديد بأوجه دينية، وصولا إلى انتفاضة ثالثة، رغم أن الروابط بين الأنظمة الأمنية لدى الجانبين قوية، ولا تعتمد على تغيير حكومي، لذلك فستقوم المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بكل شيء حتى لا يكون هناك أي ضرر للعلاقة، لكن الأردن قد يضغط على الدول العربية لتبريد علاقاتها مع إسرائيل، وتدفيعها ثمن إقامة حكومة متطرفة".
ويستعيد الإسرائيليون ما حصل عند إلغاء نتنياهو زيارته للإمارات في آذار/ مارس 2021 بعد منع عمان طيارته من المرور في أجوائها، رداً على إلغاء زيارة ولي العهد الأردني إلى المسجد الأقصى بسبب خلاف على الترتيبات الأمنية هناك.. ثم رد نتنياهو بغضب، وأمر بإبلاغ الأردن بأن المجال الجوي الإسرائيلي مغلق أمام جميع الرحلات الجوية من وإلى الأردن. وقبله في 2017 وقع حادث السفارة الإسرائيلية في عمان، حين قتل حارس أمن إسرائيلي مواطنين أردنيين اثنين، ما تسبب في أزمة دبلوماسية غير مسبوقة، عقب استقبال نتنياهو حارس الأمن في مكتبه بحفاوة بالغة، ما أثار غضباً شديداً في عمّان.
في الوقت ذاته، لا يزال الإسرائيليون يتذكرون ما حصل من أزمة متفاقمة مع عمّان، حين وضع نتنياهو أجهزة قياس إلكترونية عند مدخل المسجد الأقصى، حيث رفض الأردن هذا الإجراء، ثم اندلعت احتجاجات في القدس، واضطرت إسرائيل لاحقا لإزالتها.
ومعلوم أن نتنياهو يأتي إلى الحكم وسط مخاوف من قطيعة متجددة مع عمّان، التي التقى ملكها عدة مرات برئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت والحالي يائير لابيد ووزير الحرب بيني غانتس.. ولأول مرة وافق الأردنيون على الانضمام إلى موكب الدول المطبّعة، واتفقا على مشروع لإعادة تأهيل جنوب نهر الأردن، وزادت إسرائيل كمية المياه التي تبيعها للأردنيين. ومؤخرا التقى الملك على هامش مؤتمر المناخ في شرم الشيخ بالرئيس يتسحاق هرتسوغ، معربا له عن قلقه من الضرر الذي يلحق بالوضع الراهن في المسجد الأقصى بسبب التعيين المرتقب لـ بن غفير.
تجدر الإشارة إلى أنه في مؤتمر المناخ وقعت إسرائيل والأردن مذكرة تفاهم لتعزيز مشاريع شراء الكهرباء من الأردن، وبيعه المياه، بحضور الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، برعاية المبعوث الأمريكي لشؤون المناخ جون كيري، وهي المرة الأولى التي يشارك فيها الأردن في مشاريع تطبيعية.
عربي21