رحل عن عالمنا الشيف أسامة السيد، والذي اقترن اسمه بسنوات بعيدة من شغفي بالتلفزيون، والذي كان في بداية تحوله من قنوات أرضية إلى قنوات فضائية، وهكذا ارتبط اسم الشيف أسامة بقنوات جديدة أصبحنا نتعرف عليها ونتابعها، ولم أستطع يوماً أن أعد أي صنف من الأصناف التي يقدمها هذا الشيف الأنيق والراقي، ولكن ذلك لم يمنعني من متابعته.
الشيف أسامة عبد المحسن السيد كان هاوياً للطبخ منذ صغره، وهذه الهواية التي جذبته نحو دراسة علم الفندقة، ثم انطلق للعمل في المطاعم داخل وخارج مصر، كانت سبباً في شهرته، وأن تتعرف عليه معظم النساء العربيات في جميع أنحاء العالم، خاصة الزوجات المستجدات على عالم الطبخ، والزوجات المغتربات البعيدات عن نصائح وإرشادات أمهاتهن، وذلك في زمن لم تكن فيه وسائل التواصل الاجتماعي التي تتيح التواصل عن طريق الصوت والصورة، وببث مباشر، وعلى مدار الساعة.
نعت الكثيرات من الزوجات رحيل الشيف أسامة السيد؛ لأنهن تعلمن مبادئ الطبخ على يديه، وتعلمن منه الوصفات العربية والغربية بسبب وجودهن في بلاد الاغتراب أو رغبة في التجديد، ولكني كما أسلفت لم أتعلم منه أي طبخة؛ لأنني كنت أرى أن معظم أكلاته لا تصلح للطبقة المتوسطة، وكذلك كنت وما زلت لا أهوى المطبخ المصري، وأعشق المطبخ الشامي.
ورغم ذلك لم أكن أتوقف عن متابعة حلقات برامجه المختلفة، خصوصاً في شهر رمضان، وربما أهم ما يلفت انتباهك أنك أمام شيف يمتلك قواماً ممشوقاً، ولديه خفة ومرونة ورشاقة، بعكس ما هو متعارف عليه لدى الطباخين، وبأنه من الضروري أن تجد الطباخ لا يتوقف عن لعق الطعام وأمامه كرشه البارز.
جذبني كثيراً أسلوبه الراقي والمهذب، واحترامه للضيوف الذين يتصلون به على الهواء مباشرة، وعدم مقاطعته لأي اتصال يصله، كما أنه لم يكن يحاول الاستظراف، أو لبس ثوب خفيف الدم الذي سوف تعجب به النساء بصرف النظر عن المادة التي يقدمها، وكما يفعل معظم مقدمو البرامج التي تتصل مباشرة بالجمهور، والذين يستغلون خفة دمهم أو قدرتهم على الحديث اللبق أو المنمق، ويقدمون محتوى فارغاً.
الشيف أسامة يشعرك أنك أمام شخصية محترمة، وحصلت على "تربية متعوب عليها"، وأنه ينحدر من أسرة عنت به وبموهبته، وآمنت به، بحيث إنه خرج من بلده مصر وتنقل من بلد إلى آخر، ونال شهرة عالية ولم يسخر منه أهله بسبب هوايته منذ صغره للطبخ.
تخصص معهد الفنادق في القاهرة كان يلقى إقبالاً كبيراً من الشباب في فترة ماضية في مصر؛ مع ازدهار السياحة فيها، ومع توفر العمل في دول الخليج وخروج الشباب للعمل خارج بلدهم، ولكن تغيّر الظروف الاقتصادية أدى لانحسار الإقبال على هذا التخصص، وإن كان هناك ميل له للشباب الذي يرغب بالعمل لمجرد العمل في مجال السياحة، والخروج من القاهرة المزدحمة إلى أماكن سياحية تمتلك موارد تاريخية وجغرافية، مثل شرم الشيخ والغردقة وغيرهما.
ومع هذا الإقبال، وفي بداية الثمانينيات من القرن العشرين، كانت بداية دراسة الشيف أسامة، الذي استطاع أن يجوب العالم، ويتقلد مناصب رفيعة، ويضع مؤلفات عديدة، وقد كان أول من قدم برنامج طهي على الفضائيات العربية، وحقق نجاحاً باهراً على مدار عدة سنوات، وأصبح منتجاً ومعداً لبرامج مميزة على عدة قنوات شهيرة بصرف النظر عن مصدر تمويلها، ولكنه في النهاية كان مطلوباً ومرغوباً؛ لأنه كان متميزاً، ولا أحسب أن غيره من الطهاة الذين يقدمون البرامج التي تعنى بالطبخ قد نال مثل شهرته، وحتى النساء اللواتي دخلن هذا المجال وجدن من ينافسهن، بعكس أسامة السيد الذي أصبح اسمه مثل الماركة المسجلة المرتبطة بالرقي والتهذيب، واحترام البيوت التي يدخلها، والتي قد لا تعدّ وصفاته، ولكنها تستفيد من أفكاره ونصائحه المطبخية المدهشة.