الغزو الروسي لأوكرانيا..!! حسن خضر

الثلاثاء 01 نوفمبر 2022 12:19 م / بتوقيت القدس +2GMT
الغزو الروسي لأوكرانيا..!! حسن خضر



نتوقف، اليوم، عند الغزو الروسي لأوكرانيا، وما زلنا في معرض التعقيب على الجاري من الأحداث. والواقع أنّ في مجرّد وجود مفردة "الغزو" في العنوان والجملة الافتتاحية ما يدل على رفض لمفردات أطلقتها موسكو على الحرب من نوع "العملية الخاصة". فاللغة ليست بريئة في الحالتين، وما حدث، ويحدث، لا يحتمل صفة أقل من الغزو والعدوان.
يمثل سير العمليات العسكرية بنداً ثابتاً في نشرات الأخبار، منذ أواخر شباط الماضي، ومن المُرجّح أن العدد الأكبر من مستهلكي الأخبار، والمعنيين بالشأن السياسي في الحواضر العربية، توفّرت لديهم معلومات كافية عن الصراع وأبعاده السياسية، والتاريخية، وتداعياته المحتملة، والبادية للعيان، الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية، في أربعة أركان الأرض.
بيد أن هذا كله لا يعني أن النظرة الموضوعية إلى الحرب صارت متاحة للجميع. فالحرب الضروس في الميدان توازيها حرب لا تقل عنها ضراوة في منصّات ووسائل الدعاية والإعلام. لذا، في مجرد استخدام هذه المفردة أو تلك، وفي طريقة عرض الأخبار، والمشاهد المصوّرة، علاوة على التحليلات والتعليقات، ما ينم عن تحيّزات بعينها، ويستهدف تعميم وتكريس تحيّزات بعينها. وبناء عليه، نُلقي بعض الضوء على تأويلات إشكالية، آملين تبديد ما تزعم لنفسها من تمثيل للحقيقة، وموضوعية ويقين.
أبرز التأويلات، في هذا الشأن، أنها حرب "اللاخيار"، وهي الذريعة نفسها التي استخدمها الإسرائيليون في غزو لبنان 1982، واستخدمها صدّام في غزو الكويت. ويمكن العثور تحت هذا البند، في كل الحالات على مرافعات من نوع أن الغزو يندرج في باب الدفاع عن النفس، وأنه خطوة استباقية، فقد خرجوا للقضاء عليك، فاخرج لهم قبل فوات الأوان.
وهذه كلها ذرائع فارغة، في القلب منها كذب شارون وتضليله بشأن الأهداف النهائية للحرب. وجنون العظمة لدى صدّام حسين، وفي الحالة الروسية: حسابات وأوهام بوتين بشأن مدى قوته العسكرية أولاً، وإرادة المقاومة لدى الأوكرانيين ثانياً، وردة فعل الأوروبيين والأميركيين ثالثاً.
أما ثاني التأويلات، المُستمدة من فرضية "حرب اللاخيار" المزعومة، فتتمثل في الكلام عن تغيير النظام العالمي، وكسر احتكار الغرب (التعبير الغامض في كل الأحوال) للقوة في العالم. "حرب اللاخيار" فرضية لا غنى عنها في السجال بشأن معنى "الحرب العادلة"، فالحرب إذا صارت خياراً لا مفر منه تصير عادلة. لذا، يفبرك أصحاب حروب الغزو والعدوان ما لا يحصى من الشواهد والبراهين لتبرير حروبهم.
لذا، فلنضع ذريعة "كسر احتكار" الغرب في سياقها النظري، الذي سيأخذنا إلى موازين القوى بعد نهاية الحرب الباردة. وهذا من السجالات الساخنة، فعلاً، في مدارس السياسة وعلومها. وثمة، هنا، فكرة ذات صلة طرحها عالم السياسة الأميركي جوزف ناي (الذي ابتكر تعبير وفكرة القوّة الناعمة) في كتاب نشره قبل سبع سنوات بعنوان "هل انتهى القرن الأميركي".
ملّخص الكلام عن "القرن الأميركي" أن روسيا بمفردها لا تستطيع تحدي القوّة الأميركية، وهذا يصدق على القوّة الصينية، أيضاً. ولكن وجود القوتين في جبهة موحّدة يمثل تهديداً جدياً للقوّة الأميركية، التي لا تستطيع النجاة دون ابتكار وسائل جديدة للابتكار، والنمو، ومراكمة الثروة. فات ناي تسليط الضوء على تآكل القوّة الأميركية من داخلها. وقد عاد إلى هذا الموضوع قبل عامين في دراسة للعلاقة بين السياسة الخارجية والأخلاق، مُحذّراً من مخاطر الشعبوية، وتأثيرها السلبي على مستقبل القوّة الأميركية.
ولا يوجد، بقدر ما أرى، ما يدل على تطابق الموقفين الروسي والصيني في جبهة واحدة. ناهيك عن حقيقة أن تحلل القوّة الأميركية من داخلها، الأكيد في نظري، قد يستغرق بضعة عقود إضافية، ولا يؤدي إلى فوز القوّة الروسية، بالضرورة، بل إلى وضع يبدو فيه احتكار الغرب للقوّة "أرحم" من حروب فوضى وتضارب المصالح والرهانات في عالم يملك من أسلحة الدمار الشامل ما يكفي لتدمير الكوكب، بمن وما فيه، وعلى رؤوس ساكنيه.
أخيراً، تُبدي الهوامش الصحراوية تحيّزاً واضحاً إلى الموقف الروسي. وهذا ما تكثر بشأنه التأويلات، في سوق الدعاية والإعلام، والغالب فيها التضليل. لذا، ربما في وجود مفتاحين تحليليَّين، يراوحان على الهامش، ما قد يُسهم في توسيع زاوية النظر، ومقاربة المسكوت عنه بدلاً من القبول بالتأويلات السائدة.
المفتاح الأوّل: علاقة ما زالت غير واضحة، ولكن لا ينبغي إسقاطها من الحسبان، بين تحيّزات هؤلاء و"ممانعة" الإسرائيليين في الانخراط الطوعي في الجبهة المعادية للروس، وتلبية المطالب الأميركية ـ الأوروبية، والأوكرانية، بقدر ما يتعلّق الأمر بالمناصرة والتسليح.
لذا، يلعب الإسرائيليون على أكثر من حبل، لكن رغبتهم في عدم استعداء الروس لا تُخفى على اللبيب. ربما لأسباب تتعلّق بوجود أعداد كبيرة من اليهود الروس في إسرائيل. وكذلك خشية إسرائيل من ثارات روسية في الشرق الأوسط، على الجبهة مع سورية، وربما لبنان، وأماكن أُخرى (تمكين إيران من السلاح النووي، مثلاً). وإذا تصوّرنا، نظرياً، ثارات وردود أفعال غاضبة من جانب الروس، فإن ما يُقلق إسرائيل قد يُلحق الضرر، أيضاً، بشركائها الإقليميين.
المفتاح الثاني: الدخول في لعبة الصراع الداخلي، في الولايات المتحدة، لترجيح كفة طرف على آخر. ولا يبدو في الواقع (بصرف النظر عن عبارات من نوع "التمرد" على الهيمنة الأميركية، وأولوية "المنافع الاقتصادية") ما يدل على انقلاب في العلاقة مع أميركا، كل ما في الأمر أن وجود الديمقراطيين في البيت الأبيض يتجلى كصداع يمكن علاجه بعودة ترامب، أو من يحظى بدعمه، إلى سدة الحكم. وهذا ما لن ننتظر طويلاً لنرى نتائجه.