تماماً وقبل ثلاثة أيام على تنفيذ الاتفاق بعودة طوعية للاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا، وكذلك بعد يومين فقط على الزيارة التاريخية التي قامت بها حماس إلى سوريا، تأتي الضربات الجوية الإسرائيلية في إطار ما يعرف بعملية الحفاظ على الوضع الراهن ومحاولة بقاء الفوضى في البلدين الجارين لبنان وسوريا، كما تعتبر هذه الهجمات، عقاباً لسوريا وحماس على محاولة كسر حالة الخلاف والعودة إلى العلاقات الاستراتيجية.
ليلة أمس قامت إسرائيل بشن ثلاث هجمات ضد دمشق سُمع أصوات الانفجارات في كل مكان في العاصمة السورية، ويبدو بأنّ الدفاعات الجوية السورية تصدت لهذا الاعتداء ولم يتم تسجيل أي ضحايا لهذا الاعتداء. بالطبع تأتي هذه العمليات العسكرية بعد تنفيذ إسرائيل لهجمات مشابهة استهدفت كل من مطار دمشق الدولي ومطار حلب. لا بد هنا من الإشارة إلى تزامن عجيب في الأحداث فهذه الغارات تأتي قبل ثلاثة أيام فقط من انطلاق قافلة من اللاجئين السوريين في لبنان والذين قرروا العودة طواعية إلى بلدهم وهي تأتي كذلك بعد زيارة وفد حماس إلى سوريا بعد قطيعة في العلاقات استمرت لأكثر من عشر سنوات!!! والسؤال هنا: ما هو الهدف من هذه الغارات في هذا الوقت بالتحديد؟
أولاً وقبل كل شيء، تعتبر زيارة وفد حماس إلى سوريا في هذا التوقيت بالذات ضربة سياسية واستراتيجية وعسكرية قوية جداً لإسرائيل. إذ أنها تأتي في وقت تعاني منه إسرائيل من حالة عدم الاستقرار الداخلي نتيجة الفراغ الحكومي الحاصل. كما يأتي في وقت قدمت فيه إسرائيل (تحت تهديد السلاح) تنازلات تاريخية لم تكن تتصور أنها ستقدمها يوما من الأيام للبنان أولاً ولحزب الله ثانياً. حيث أصبح ملف ترسيم الحدود مع لبنان حديث الشارع الإسرائيلي اليومي، حيث بدأ الإسرائيليون يشككون بقدرة حكومتهم على حمايتهم بعد تهديد حزب الله لهم بالدخول في حرب مفتوحة.
ثانياً، تدرك إسرائيل جيداً بأن عودة سوريا إلى سابق عهدها على الساحة الإقليمية يعني عودة التحالف القديم إلى سابق عهده في دول محور المقاومة، إلا أن هناك متغيراً إضافيا يجب إضافته إلى معادلة الصراع الحالية وهو القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا. حيث قامت إيران منذ العام 2012 بتأسيس قواعد متقدمة لها على الحدود مع إسرائيل ستكون فاعلة ومغيرة لمعادلة الصراع مع إسرائيل في حال ظهور أي حرب مستقبلية. عودة التحالف القديم إلى سابق عهده وقوته يعني بالتأكيد دخول هذه الدول الثلاثة (بالإضافة إلى المقاومة الفلسطينية) في حرب شاملة مع إسرائيل ومن المحتمل أن تكون هذه الحرب هي الأخيرة في التاريخ الحديث.
ثالثاً، تأتي هذه التحركات الإسرائيلية الفاشلة كجزء من مشروع متكامل تعمل عليه الولايات المتحدة في تقسيم سوريا والحفاظ على بعض الكانتونات المستقلة فيها. إذ تعمل الولايات المتحدة منذ أشهر على توحيد الأحزاب الكردية مع بعض جماعات المعارضة المسلحة السورية للوقوف في وجه أي محاولات للحكومة السورية في توحيد البلاد مرة أخرى. ولذلك فإن إسرائيل (المعروفة تاريخياً بدعم الجماعات الإرهابية في سوريا) تحاول تعزيز هذا المشروع ودعمه من خلال الضربات الجوية لزعزعة الاستقرار في سوريا.
رابعاً، تعتبر عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم خطوة مهمة ومحورية في استقرار سوريا ولبنان معاً. إذ أن هذه العودة الطوعية تحل مشاكل لبنان اقتصادياً وهي في ذات الوقت توفر لسوريا رأس مالها الاجتماعي بعودة المهجرين إلى منازلهم وأراضيهم والدخول في الدورة الاقتصادية للبلاد مرة أخرى. وهي توفر بالطبع مناخاً مناسبا لعودة اللاجئين من كل مكان حول العالم. ولذلك فإن إسرائيل تشن هذه الغارات ظناً منها أنّ هذه الغارات ستدفع بعض السوريين إلى العزوف عن العودة.
المشهد السياسي السوري اليوم مختلف تماماً وجميع التحركات الدولية والإقليمية التي تسعى إلى إعادة العلاقات مع سوريا تشير إلى أن سوريا تتجه نحو استعادة مكانتها السابقة ودورها المحوري وهذه المحاولات بالطبع تخلق حالة من الذعر في الأوساط الإسرائيلية. ولذلك فإن المضي قدما في عملية المصالحة مع حماس والتأكيد على عودة اللاجئين وإفشال المخططات الأمريكية في سوريا هي ما يجب التركيز عليه في المرحلة القادمة. وسوريا بشعبها العظيم قادرة على تحقيق هذه المعادلة.
باحث السياسة العامة والفلسفة السياسية
كاتب فلسطيني