المقدسي شادي سهيل خوري، هو واحد من آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين يتعرضون للمضايقة والتعذيب والسجن فقط لكونهم فلسطينيين….وكل الشعب واحد…ولكن هناك جانبا شريرا آخرا للحكاية، وتفضلوا بقبول السياق والأسباب!
قبل خمسة أشهر (أيار ٢٠٢٢) ، حدثت واحدة من أكثر عمليات القتل وحشية للإنسان؛ جريمة تمت على يد (نفر؟) من قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحفية الفلسطينية المسيحية شيرين أبو عاقلة. قبل أسبوعين من عملية اغتيالها، خلال عيد الفصح (نيسان ٢٠٢٢) قام الاحتلال الصهيوني بتقييد وفصل الفلسطينيين المسيحيين على وجه الخصوص، ومنعهم بوحشية من أداء مراسم احتفالهم بكنيسة القيامة (كنيسة القبر المقدس) في المدينة القديمة في القدس؛ وهي أكثر الأماكن المسيحية قداسة في العالم.
تم الاعتداء على الأماكن الدينية المقدسة، ومضايقة واعتقال رجال الدين والعلمانيين المسيحيين، وتصنيفهم كـ “طوائف” وليس (كجزء من) أمة. اعتاد الاحتلال الصهيوني على مدى أكثر من سبعة عقود أن (يحاول ان) ينفذ ببراعة سياسة فرّق تسد (بين المسلمين والمسيحيين) بهدف إفراغ فلسطين “بهدوء” وبشكل غير مباشر من المكوّن العربي الفلسطيني المسيحي الأصلي، لاسيما في شرق فلسطين التي احتلت عام 1967، وبشكل رئيسي من القدس الشرقية (وحارة النصارى).
بالرغم من استهدافه العديد من الشخصيات الفلسطينية المسيحية بما في ذلك (ومحاولات) الاغتيالات، قام الاحتلال الصهيوني بنشر التضليل الأكثر ضراوةً مُدعياً بحملات پروباغندا مخادعة (بشكل رئيسي بين الشرائح الجاهلة في الغرب) بأنه يقوم “بحماية” المسيحيين في الأراضي المقدسة.
ظهرت حقيقة الكذبة الإجرامية التي تدّعي أن الكيان الإسرائيلي يقوم “بحماية” الفلسطينيين المسيحيين مجدداً عُقب اقتحام مجموعة مؤلفة من اثني عشر شخصاً تضم عناصر من جنود الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة المخابرات الإسرائيلية (شاباك) فجر يوم الثامن عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2022، منزل الموسيقار المايسترو سهيل خوري بعد اقتحامهم بوابة مدخل المجمع السكني الذي تعيش فيه العائلة كاملة، بهدف اعتقال إبنه ذو الستة عشر عاماً شادي خوري، وهو تلميذ في مدرسة “الفريندز” (جمعية الأصدقاء الدينية – الكويكيرز) في رام الله.
قام الاحتلال بضربه ضرباً مُدمياً، وقاموا بجره حافي القدمين ومعصب العينين على طول الطريق خارج المنزل، دون معرفة ذويه من أين تسيل دماؤه. أُخذ شادي إلى قسم التحقيقات في معسكر الشرطة السرية الإسرائيلية المشهور بسمعته السيئة في “المسكوبية” (موسكوفان)، حيث يتم بشكل أساسي وممنهج استجواب الفلسطينيين من سكان القدس المحتلة. وقد
صرّحت جدة شادي، سامية ناصر – خوري، البالغة من العمر 89 عاماً أن شادي يتم استجوابه من دون حضور أيّ من أبويه أو محامي، “وهو إجراء تكتيكي تقوم به السلطات الإسرائيلية بشكل ممنهج بداعي ترويع الأطفال للخضوع، واستخدام كلماتهم كذريعة لإدانتهم في نهاية المطاف. يوم الخميس 20.10.2022 رفضت محكمة الاحتلال اطلاق سراح شادي الذي اشتكى عن التعذيب بما في ذلك تضييق الأصفاد على رسغ يديه بعد كل شكوى”.
شادي خوري ليس إلا حالة من بين العديد من الأطفال الفلسطينيين الذين يتعرضون للتعذيب والتحرش والسجن بلا سبب سوى لكونهم فلسطينيين يسعون للعيش بحرية وكرامة في بلادهم. ورغم ذلك ففي قلب الاستهداف هناك استهداف محدد لشرائح معينة وبالتحديد الفلسطينيين المسيحيين لكونهم أصبحوا أقلية في فلسطين (وليس من المجمل الكلي الفلسلطيني في العالم).
في شهر يوليو/ تموز من عام 2020، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي عائلة شادي (والده سهيل خوري ووالدته رانيا إلياس – خوري). وتعمل رانيا كمديرة لمركز يبوس الثقافي (يبوس هو اسم قديم لمدينة القدس، سميّ على اسم اليبوسيين وهم أول من بنى المدينة) أما سهيل خوري فهو مدير المعهد الوطني للموسيقى.
شادي ابن شعب ومدينة ومجتمع ومدرسة ونادي وطائفة وعائلة تتشابك فيها المقاومة الثقافية. ولذلك، فلم يكن اعتقال شادي خوري عملاً عشوائياً، بل كان مدروساً “بدقة”. يعمل الاحتلال الصهيوني جاهداً لفصل المنظمات الثقافية الفلسطينية (خصيصاً تلك المتمركزة في القدس المحتلة) بعيداً عن مموليهم العالميين. عائلة شادي خوري ومجموعاتهم رفضت شروط التمويل الأوروبي.
أسهل طريقة يمكن للاحتلال ممارستها لتحقيق غايته، هي عبر تصوير الشعب الفلسطيني (لدى الرأي العام العالمي) على أنهم “إرهابيين” و “قتلة”، وبالتالي تجسيد واستنساخ الماضي الأوروبي الغربي المعادي للسامية، وإثارة شعور الذنب الغربي ومنع الأخير من التعاطف مع الضحايا الفلسطينيين.
إذ “يفضل” الغرب التعامل مع مشاكله الخاصة “مع ضحاياه” في البداية لكونهم يستخدمون دائماً كوسيلة ابتزاز لمثل هذه الادعاءات.
يتماشى “نظام” التمويل الجديد الذي تم فرضه على المؤسسات الفلسطينية من قبل “الاتحاد الأوروبي” في مطلع عام 2020، مع سياسات وممارسات وقرارات الاحتلال التي مارسها في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2021 ضد المنظمات الفلسطينية غير الحكومية والتي بدورها تشهد على سياسة الضغط هذه التي من شأنها أن تؤدي إلى التطهير العرقي بحق الفلسطينيين في بلادهم.
ولهذا السبب يقوم الاحتلال الصهيوني بخلق الروابط وفبركتها بين “الإرهاب” والثقافة (بكل مكوناتها لكن الموسيقى على وجه التحديد في هذه الحالة) وفي هذا السياق يقع اعتقال شادي، وتشكيل حملات شرسة بقيادة جماعات الضغط الصهيونية في وسائل الإعلام، تطالب بوضع حد لما يسمى بـ “التمويل غير المباشر للإرهاب الفلسطيني”، الأمر الذي يشكل عبئاً على ممولي ومؤيدي أي نشاط ثقافي.
يحاول الاحتلال من خلال هذه اللعبة القذرة، ارتداء رداء “المثقف الراقي والمتذوق للموسيقى”، المدافع عن معقل الحضارة ضد البرابرة.
لقد فهم الاحتلال أن الثقافة بلبناتها الأساسية المتعددة، هي قوة (نفوذ سياسي) تسير جنباً إلى جنب في القتال إلى جانب نوع آخر من السلطة السياسية (الجيش/مقاومة مسلحة)، وهذا ما يخشاه الاحتلال. لن يفضل الاحتلال شيء على أن يرى الفلسطينيين في حدود القوة العسكرية (العنفية) : الاحتلال بالزيّ العسكري “الرسمي” لجنوده – ضد الفلسطينيين “الإرهابيين” دون أيّ زي رسمي، لأنه من السهل عندها الاعتداء على هذا النوع من القوة (المقاومة المسلحة العنفية) وترويج صورة سلبية للفلسطينيين.
هذا وقد استثمر الكيان الصهيوني مليارات الدولارات عبر العقود في بلورة هذه الصورة بغية إضعاف أشكال القوة الأخرى التي في حوزة الفلسطينيين. والاحتلال لا يريد مقاومة ثقافية وبالتالي يعمل على التضييق على الفلسطينيين المسيحيين الذين يختارون عادة نهج المقاومة الثقافية في مساهمتهم الوطنية.
بالرغم من أن الاحتلال دائماً ما يكرر في كل حدث دولي وأمام الدول المانحة أن الفلسطينيين (في فلسطين المحتلة عام1967) يعلمون أطفالهم أن يكونوا معادين لكلٍ من “الساميّة” و”إسرائيل”، وكذلك في برامجهم التعليمية (وكانت آخرها في قضية معادية لفلسطين عبر المسائلة في برلمان المملكة المتحدة في يوليو/ تموز عام 2020) وذلك بغية استهداف داعمي المؤسسات التعليمية الفلسطينية، حيث يمارس الاضطهاد الإسرائيلي في شرق القدس المحتلة شكلاً مختلفاً.
لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن استخدام “حلول” عنيفة بحق الفلسطينيين (منذ النكبة التي تم خلالها تهجير نصف الشعب الفلسطيني في عام 1948) ولا حتى استثناء القادة الثقافيين وملاحقتهم، مثل الشعراء والأدباء ومن ضمنهم العم الأكبر لشادي خوري وهو الشاعر والكاتب السياسي الشهيد الراحل كمال بطرس ناصر الذي قتل (مع الشهيدين كمال عدوان ومحمد يوسف النجار) على يد عصابات مخابراتية إسرائيلية في بيروت في شهر أبريل/ نيسان من عام 1973.
في فلسطين، يعد النشاط الفلسطيني الثقافي في مواجهة الهيمنة الثقافية الإحتلالية الإحلالية “عملاً إرهابياً”، بينما “الأخلاقيون” في الغرب ينادون لتسليح الأوكرانيين للدفاع عن دولتهم ضد الروس.
أقترح التوقف عن البحث (وإستعمال إدعاء) “إنها معايير مزدوجة” لأنه غير كاف ولا يرد على الحاصل منطقيا. علينا البحث عن وصف للنوايا الوحشية المتعمدة وعموما المخفية بخبث (والمخطط لها قصدا). طبعا هذا إلا إذا اخترنا بدلا عن ذلك أو إضافة الى ذلك إنشاء مستشفى عالمي آخر للصحة العقلية لعلاج المنافقين “الغربيين”؟. إذا فعلنا ذلك من باب الرحمة وقمنا بهذا المشروع العلاجي، فلن نطلب التمويل من “الاتحاد الأوروبي”.
كاتب فلسطيني