بداية لابد من التنوية، إلى التصعيد العلني والغير مسبوق، الذي تمارسه روسيا تُجاه إسرائيل، حيال رغبة الأخيرة بتزويد أوكرانيا بالأسلحة، فقد حذّر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف إسرائيل، من تداعيات تزويد أوكرانيا بالأسلحة، قائلا إن أي خطوة تصب في إطار دعم القوات الأوكرانية ستضر بشدّة بالعلاقات الثنائية، في الوقت الذي أكد فيه وزير الأمن في إسرائيل، بيني غانتس، تنفيذ قرار المصادقة على تزويد أوكرانيا بـ”معدات دفاعية” لمساعدتها في مواجهة القصف الروسي، الأمر الذي أعاد التوتر بين موسكو وتل أبيب، ليتضاعف القلق الإسرائيلي من مدى تداعيات ذلك على حرية سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا، حيث يواصل قصفه بذريعة القضاء على أهداف إيرانية وأخرى تابعة لـ”حزب الله”، التي وفقاً للإسرائيليين تشكل تجاوزاً للخطوط الحمراء التي وضعتها تجاه سوريا وفي مركزها منع تموضع وانتشار إيران ونقل أسلحة إلى “حزب الله” في لبنان.
إعلان غانتس دفع بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية، إلى التباحث حيال طبيعة الرد الروسي على القرار الإسرائيلي، وإذا ما كان التدهور في العلاقة سيؤدي إلى موقف روسي يهدد من خلاله سلاح الطيران الإسرائيلي في سوريا، من خلال تفعيل منظومات دفاعية روسية متطورة، إلى جانب التدهور في علاقة التنسيق بين الجيشين الروسي والإسرائيلي في سوريا.
غانتس أيضاً وفي ذات السياق، كان قد أبلغ نظيره الأوكراني، أليكسي ريزنيكوف، موافقة بلاده على طلب دعم أوكرانيا بمنظومات دفاعية تشمل “الخوذ والسترات الواقية”، التي سيتم نقلها إلى قوات الإنقاذ الأوكرانية والمنظمات المدنية هناك. وسعى غانتس إلى إبعاد مفهوم هذا الدعم عن أي دعم عسكري لأوكرانيا بقوله إنه يأتي في سياق الجهود الإنسانية تجاه أوكرانيا. وحافظ غانتس على موقف إسرائيل الرافض تزويد أوكرانيا بمنظومة الدفاع الصاروخي “القبة الحديدية”، الذي اتخذ قبل فترة وجيزة، في محاولة لعدم التدخل في المعارك بين روسيا وأوكرانيا عسكرياً، والحفاظ على التفاهمات والعلاقات بين روسيا وإسرائيل حول نشاط الأخيرة الجوي في سوريا.
حقيقة الأمر، ومع بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، شهد الموقف الإسرائيلي من هذه الحرب محطات عديدة، لكن في المقابل، فإن غالبية الساسة الإسرائيليين حاولوا النأي بالنفس عن تلك الحرب وتوصيفاتها، خاصة أن ازدياد القصف الإسرائيلي ضد مواقع سورية وايرانية، وضعه البعض في خانة الموافقة الروسية لجهة تفهم الهواجس الأمنية الإسرائيلية، وبالتالي رأى البعض أن أي موقف ضد روسيا في حربها على أوكرانيا، قد يهدد العمليات الإسرائيلية في سوريا، لكن رغم ذلك، فإن وزيري الخارجية يائير لبيد والأمن بيني غانتس لم يترددا في إطلاق تصريحات منددة بالموقف الروسي في الحرب الأوكرانية.
التوتر عاد ليؤطر العلاقة الروسية الإسرائيلية، نتيجة لسببين، الأول جراء استمرار الاعتداءات على سوريا، بما يهدد باندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق، والثاني، الرغبات الإسرائيلية بتزويد كييف بأسلحة دفاعية وهجومية، وقبل ذلك، فقد أطلقيائير لبيد تصريحات اتهم فيها روسيا بارتكاب جرائم حرب، وسرعان ما ردت الخارجية الروسية ببيان شديد اللهجة جاء فيه “هذه محاولة لاستغلال الوضع في أوكرانيا من أجل صرف انتباه المجتمع الدولي عن أحد الصراعات الأقدم التي لم يتم حسمها، وهو الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني”. واعتبر السفير الروسي في إسرائيل، أنتولي فيكتوروف، أقوال لبيد “اتهامات لا أساس لها”، داعياً إسرائيل إلى اتخاذ موقف متزن، محذراً بشكل غير مباشر بقوله “موسكو وتل أبيب ما زالتا صديقتين”.
صانع القرار الإسرائيلي، قرأ في التصريحات الروسية، وتحديداً جزئية “مازلنا أصدقاء”، معادلة جديدة قد تكون منطلقاً لتصفية العلاقة بين البلدين، لكن الأمر منوط بالمواقف الإسرائيلية تجاه الحرب الأوكرانية، وهو أمر اعترف الإسرائيليون أنه وضع متخذي القرار في معضلة من جديد، فلم يكن صدفة القرار الإسرائيلي بالامتناع عن الانضمام إلى العقوبات التي فرضت على روسيا، فقد استهدفت الحفاظ على علاقة جيدة مع روسيا لتضمن حرية عملها في سوريا، لكن ووفق مسؤول أمني فإن قرار غانتس وتصريحات لبيد “قد يسهمان في فقدان روسيا صبرها”.
في جانب ذي صلة، يبدو أن إسرائيل تحاول بشتى الوسائل، أن يكون لها بصمة خاصة في سياق التوترات الروسية الغربية عموماً، وفي سياق الحرب الروسية الأوكرانية بشكل خاص، وضمن ذلك، فإن دخول تل أبيب في معركة الغاز، التي فرضتها روسيا على الغرب، والرغبات الإسرائيلية بتزويد أوروبا بالغاز، سيكون له الأثر السلبي الكبير في جزئيات العلاقة بين موسكو وتل أبيب، والأهم من ذلك، الأنباء التي تحدثت عن مساعدة قوات إسرائيلية للقوات الأوكرانية، وتقديم خدمات استخباراتية، الأمر الذي قرأته موسكو كتدخل اسرائيلي مباشر ضد روسيا، وبالتالي، فإن إسرائيل وغازها وخدماتها الاستخباراتية والعسكرية، التي تحاول وضعهم في خدمة الغرب، سيكونان أيضاً معادلة تُشعل العداء مع موسكو، ليكون ذلك في جانب آخر، سبباً في تحديد العلاقة الروسية الإسرائيلية، في ملفات متعددة، لا سيما الملف السوري.
ختاناً، ثمة هواجس إسرائيلية جمة، لجهة ازدياد التوتر بين موسكو وتل أبيب، ويخشى الإسرائيليون أيضاً، أن يصل الخلاف بينهما إلى حد قطع للعلاقات ووقف التنسيق بينهما في مجالات عدة، ولا شك أن الاتصال الهاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يعتبر مؤشراً على ذلك. وعليه، على إسرائيل أن تُعيد قراءتها الإستراتيجية للحرب الروسية الأوكرانية، وتمتنع عن كل ما من شأنه، أن يؤدي بالعلاقة الروسية الإسرائيلية، إلى القطيعة والعداء. فضلاً عن إمكانية إسقاط طائرات إسرائيلية في السماء السورية.
كاتب فلسطيني