الغد الذي قد لا يأتي..سما حسن

الخميس 20 أكتوبر 2022 11:59 ص / بتوقيت القدس +2GMT



فكرتُ كثيراً ومليّاً ولم أتوصل لإجابة حاسمة، فهل علينا أن ندّخر للغد ونحرم أنفسنا ولعل الغد لا يأتي، أم علينا ان نصرف ما في الجيب فسوف يأتي ما في الغيب، والأمثلة كثيرة وربما بائسة وحزينة لأشخاص قرروا أن يدّخروا من أجل الغد، لكنه لم يأتِ ولم يعيشوا يومهم.
هي امرأة سبعينية كنت أعرف أنها تمتلك الكثير من الذهب والمصاغ، فقد كنت ألمحه يلتمع في ذراعيها ويتأرجح في عنقها فوق صدرها العريض الذي يضج شباباً، لكن ما أن بدأت الأيام تمضي بعمرها حتى اختفى ذلك المصاغ وبدأت تشكو العوَز والحاجة، وجلسَت أمام باب بيتها فوق حشية قذرة وممزقة تنتظر أقرباءها البعيدين قبل القريبين لكي يضعوا في يدها أوراقاً نقدية صغيرة تعتاش منها، وهكذا لم تقرب المصاغ الذي يعادل ثمنه ثروة، ومرت بها السنوات حتى فقدت صحتها وتساقطت أسنانها ولم تقرب طبيباً لكي تمتلك طقماً صناعياً أو حتى تلجأ لتقنية زراعة الأسنان المنتشرة حديثاً، وهكذا لم تكن قادرة على تناول معظم الأطعمة، وباتت ناحلة ضئيلة الحجم منهكة القوى حتى موتها.
بعد رحيلها تكاثف أولادها الذين تجمعوا فجأة في بيتها المتهالك في غرفتها وفتشوا بين متاعها حتى استخرجوا المصاغ وقد أخفته في وسادة ودسته بين ملابسها الرثّة، وهكذا كانوا في الأيام التي تلت أيام العزاء الثلاثة في وسط سوق الصاغة، فباعوا المصاغ وعاد كلُّ واحد منهم إلى بيته وهو يحمل نصيبه مالاً ويفكر ويخطط كيف سينفق ذلك المال، والحقيقة ان نصيب كل واحد كان عبارة عن ثروة صغيرة.
هكذا عاشت الأم من أجل الآخرين الذين تفرقوا وأنستهم الحياة تلك المرأة التي عاشت ضنك العيش، والتي لم ترَ من مُتع الحياة شيئاً وتحملت المرض والعوز، ولم تكن تعرف ما الذي يستجد في الحياة من تطورات وابتكارات، بل إنها عاشت حياة العزلة في منتصف المدينة، ولم تستخدم الأجهزة الحديثة التي توفر الوقت والجهد، فلم تكن تمتلك غسّالة، وظلت تغسل ملابسها باستخدام يديها المتشققتين المجعّدتين، ولم تكن تفعل شيئاً سوى ان تطمئن كل مساء على وجود ثروتها بين أحشاء الوسادة البالية، وحيث كانت تبوح لأقرب بناتها أنها تدخر المصاغ خوفاً من ان تمرض وتحتاج للمال، والواقع ان كل الأمراض قد أصابتها من الأمراض المزمنة وأمراض الشيخوخة، ولم تفكر بأن توفر لنفسها الراحة والرعاية والتغذية الصحية أو حتى الحصول على مكملات غذائية تؤخر أعراض أمراض الشيخوخة التي كانت تعاني منها.
هل علينا أن ندخر من أجل يوم غد الذي قد لا يأتي، أو اليوم الذي لا نعرف كيف سيأتي، وهل علينا أن نعيش حياة الضنك والتقشف خوفاً من ان نمرض ولا نجد ثمن الدواء، والصحيح ان عدم اهتمامنا بالتغذية وتوفير العناصر الغذائية التي تكثر في الفواكه مثلاً وأصناف اللحوم الحمراء والبيضاء من أهم أسباب ضعف الجسم ووهنه، ونقص فيتامين د الذي يكثر في بعض أنواع السمك وفي البيض والكبدة الحيوانية هو السبيل الأول للإصابة بأمراض القلب والسكر وغيرها من الأمراض التي يصعب علاجها في ما بعد إلا بالمسكنات.
اليوم علينا ان نهتم بحياتنا اليومية، وليس علينا ان ننتظر المرض حتى ننفق مالنا على العلاج ويكون وقتها قد ولى وقت العلاج والإصلاح غالباً، وعلينا أن نهتم بهندامنا وكذلك مظهرنا، ولا نترك الآخرين يأخذون انطباعاً ليس صحيحاً عنا، فالخالق سبحانه يحب ان يرى أثر نعمته على عبده، ولو ادخرنا في انتظار الغد فالغد، وقد يمر العمر ونحن نعيش في أسوأ حال ونحن نعتقد أن الغد السيئ لم يأت بعد.