اصبح الآن مرجحًا ان يذهب وفد من حماس “للمصالحة” مع سوريا، بعد البيان الذي اصدرته الحركة قبل اسابيع قليلة، تشيد فيه بـ”مواقف سوريا الثابتة من القضية الفلسطينية، ودعمها اللا متناهي لفصائل المقاومة الفلسطينية”.
وقد وُصِف هذا البيان بانه شبه اعتذار، لكنه لم يكن اعتذارا صريحا، وبعبارات تؤكد ذلك،. وقد فوجئت بذاك البيان تيارات اخوانية هنا وهناك لا تزال تكابر. وحين تعلن حماس ما اعلنته فإنها تعترف عمليا بخطئها وخطيئتها، لا سيما وان حماس كان لها رعاية خاصة من دمشق. فالسيد خالد مشعل، الذي لم يجد له أي مقر او ملاذ سوى دمشق بعد محاولة اسرائيل اغتياله في عمان وقتها، لم يجد غير باب دمشق يفتح له ليدخلها بأمان. وكان اولى بناكر الجميل هذا ان يكون آخر من يعادي دمشق، التي اوغل خنجره فيها.
ربما اخذتهم النشوة وقتها، وظنوا ان حكم الاخوان المسلمين قد بدأ للعالم العربي بعد ان اصبح السيد محمد مرسي رئيسا اخوانيا لمصر. نعم، ربما اخذتهم في قيادة حماس وقتها العزة بالنفس، وان مدّا اخوانيا قادم وان نظام الرئيس بشار الاسد لم يتبقَ له سوى ايام واسابيع. وقد مهر كل هذه الاحلام الرئيس التركي اردوغان، حين اعلن انه سيصلي في المسجد الاموي بدمشق، حتى ان سعد الحريري راح يهدد هو الآخر بانه سينزل في مطار دمشق، ومن هناك سيتوجه الى بيروت.
ad
كما ان رهانات اسرائيل على اسقاط الرئيس الاسد كانت اكبر، لدرجة ان ايهود براك – وزير الحرب وقتها، حدّد عدة اسابيع فقط لبقاء الاسد. ويبدو ان قيادة خالد مشعل لحماس وقتها كانت ضمن الذين راهنوا، فغلبت اخوانيتها على “مقاومتها”. وكان تدخلها في الشأن السوري والمصري الداخليين من اكبر اخطائها القاتلة. ومع كل ذلك، فان قيادة محمد ضيف، والقيادة العسكرية لكتائب عز الدين القسام، بقيت بعيدة عن التلويث الذي اصاب القيادة، لا سيما وان الاحداث اثبتت بعد ذلك ان نظام الرئيس الاسد بقي صامدا، ولم يعد اليوم من يطالب بالإطاحة به. وهذا يعني عمليا ان الاطراف التي استهدفت سوريا، وبضمنها الاخوان المسلمون ومشغلوهم ومستخدموهم والذين اعطوهم وهما لن يكون لهم ابدا، بدأت تراجع حساباتها، لان هذه الموجة اخذت تنكسر وتنحسر في اكثر من بلد عربي. فالإخوان، الذين طبّعوا مع اسرائيل في المغرب، ذاقوا هزيمة مُرّة في الانتخابات المغربية الاخيرة. واخوان النهضة في تونس ليسوا اكثر حظوة من اخوانهم في المغرب. كما ان السيد اردوغان، الذي احتضن اخوان مصر، يعمل الآن على تقييد تحركاتهم، ويرحب بمغادرتهم اراضي بلده سعيًا وراء تطبيع علاقاته مع مصر والرئيس السيسي. ونفسه اردوغان هو الذي يتودد منذ مدة للقاء الرئيس الاسد، وسيتم ذلك حتمًا، وعلى حساب اخوان سوريا في بعض من جوانبه. كما ان الظروف الاقليمية والدولية قد تغيرت، وهناك مستجدات امام تواتر الاحداث وتلاحقها، وهو الذي طبّع علاقات بلاده مع الإمارات والسعودية. فالمصالح لها الحسابات الكبيرة، وهي التي تحدد السياسة حتى لو كان ذلك على حسابات الأيديولوجيا، كما يفعل الكثيرون ومنهم اردوغان الذي يسعى لولاية رئاسية جديدة العام المقبل.
وازاء كل ما حصل من متغيرات ومواقف، فان حماس “لحقت حالها”، وتحث الخطى اليوم للعودة الى دمشق لتكون في مأمن مرة اخرى، بعد ان هُزِم المشروع الذي استهدف سوريا. ومشروع المقاومة هو الذي يتنامى اليوم، ويحقق مزيدا من الانجازات. ولولا “العين الحمرا”، التي ابدتها المقاومة اللبنانية، لما كان الامريكي والاسرائيلي يقبلان بهذا الترسيم البحري للحدود، وقرب استخراج لبنان لثرواته من مياهه الاقتصادية. أليست كل هذه الامور دلائل ملموسة على هزيمة المشروع، الذي استهدف سوريا والقضية الفلسطينية والعالم العربي بشكل عام؟!
في ظل هذه الاجواء، ستعقد الجامعة العربية مؤتمر القمة في الجزائر، وعلى رأس اجندته القضية الفلسطينية. كل هذه تطورات مهمة، وهي التي سرّعت عودة حماس الى دمشق. وخنجر الغدر الذي استله خالد مشعل لم يكن سهلا حتى للفصائل الفلسطينية الاخرى، امثال القيادة العامة. ولكن يبدو ان قلب دمشق الواسع يميل الى اعطاء فرصة اخرى لحماس، طالما تقول انها فصيل مقاوم. وقد يتم ذلك خلال وقت قصير ضمن وفد فصائلي فلسطيني، بعد ان تم التمهيد والتحضير له مع دمشق.
وبالطبع هناك جماعات اخوانية في فلسطين وغير فلسطين لن يعجبها هذا التكيف الجديد لحماس مع الاحداث. واظن ان الحركة الاسلامية عندنا، بشمالها المقاطع للانتخابات وجنوبها المنبطح في الحكومات، لم ينبسوا ببنت شفة حتى الآن حول هذه الخطوة، لا في منابرهم ولا في وسائل اعلامهم. ونحن لن نقبل منهم بأقل من اعتذار للذين وقفوا مع سوريا، التي اشبعوها سبًّا وعداءً…!!
كاتب فلسطيني