في ظل تسليط الضوء على الأزمة في أوكرانيا والهجمات المتبادلة بين أطراف النزاع، يبدو بأن القضية الفلسطينية أصبحت على هامش الأخبار هذه الأيام. كما يبدو كذلك بأنّ إسرائيل تستغل هذه الفرصة لقمع الشعب الفلسطيني وارتكاب أبشع الجرائم بحقه.
وفي هذا السياق، قامت مجموعات كبيرة من المستوطنين المدعومين من قبل الشرطة الإسرائيلية باقتحام ساحات المسجد الأقصى كما قامت قوات الشرطة بمنع المصلين الفلسطينيين من دخول المسجد الأقصى. وتجري الاقتحامات تحت حراسة مشددة من قبل الشرطة الإسرائيلية، ويأتي هذا بعد أن دعت جماعات يمينية إسرائيلية لتكثيف الاقتحامات للمسجد بمناسبة عيد “العرش” اليهودي، الذي بدأ الإثنين ويستمر أسبوعاً.
كما قام أكثر من 700 جندي من الفرق والقوات كافة، وبمساندة مروحية وطائرات مسيرة، باقتحام مخيم شعفاط عبر الحاجز العسكري وبوابة ضاحية السلام، ثم انتشروا بفرق مختلفة في شوارع المخيم وضاحية السلام ورأس خميس ورأس شحادة، وألقوا الرصاص والقنابل والأعيرة المطاطية.
كل هذه الأحداث تأتي كما ذكرنا أعلاه استغلال للأزمات التي يمر بها العالم يوما بعد يوم. ولكن السؤال الأساسي والمهم هو هل يقتصر الشر الإسرائيلي على الفلسطينيين وحسب؟
على من يعتقد بأنّ إسرائيل تعتدي على الفلسطينيين وحسب أن يراجع حساباته بشكل كليّ. إذ أن وظيفة هذا الكيان كانت ومازالت زعزعة الاستقرار والمحافظة على مستوى معين من الأزمات على مستوى العالم. وسوف نوضح للقارئ ما تقوم به الماكينة الإسرائيلية في مناطق مختلفة من الكرة الأرضية.
في الملف التركي
لم ولن يسن الأتراك أبداً الجريمة البشعة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية الغاشمة ضد سفينة “مافي مرمرة” بالقرب من سواحل قطاع غزة في العام 2010. هذه السفينة التي توجهت إلى قطاع غزة لفك الحصار عنه وحملت معها المساعدات الإنسانية إلا أن العدو الصهيوني الذي لا يقفه إلا لغة السلاح قام بمهاجمة السفينة وقتل العديد من أفرادها. لم تكتفي إسرائيل بذلك بل قامت بالضغط على محكمة العدل الدولية لإسقاط القضية نهائيا وهو ما امتثلت له المحكمة في 2017.
كما تقوم إسرائيل بعمليات تجسس خطيرة تهدد الأمن القومي التركي. حيث كشفت السلطات التركية عن خلايا تجسس لصالح إسرائيل وطالب الادعاء العام التركي بفرض عقوبة سجن تصل إلى 20 عاما على 16 متهما بالتجسس لصالح المخابرات الإسرائيلية في تركيا.
كما كشف برنامج ما خفي أعظم الذي بثته قناة الجزيرة عن تسجيلات سرية حول نشاط الموساد في تركيا وطريقة تجنيد الجواسيس وتمويلهم.
في الملف الأوكراني
تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا بظهور الخلافات وتصدع العلاقات بين كل من روسيا وإسرائيل والتي كانت من قبل تتسم بالودية على مدار أكثر من ثلاثة عقود. ولهذا الدور المزدوج في تأجيج الصراعات جذور تاريخية تعود إلى الحرب الروسية على جورجيا في العام 2008. فعلى الرغم من العلاقات القوية التي جمعتها بجورجيا إلا أن إسرائيل قامت بتسريب معلومات هامة عن برنامج الطائرات المسيرة الجورجية إلى روسيا.
في العام 2022، وكعادتها لم تتخذ إسرائيل موقفاً واضحاً من الحرب الأوكرانية إلا أن الخلافات بدأت تظهر على السطح بعد إغلاق الوكالة اليهودية في روسيا. فإسرائيل من جهة قدمت مجموعة من الطائرات المسيرة إلى روسيا لإشراكها في الحرب ضد أوكرانيا ومن جهة أخرى قامت بتنفيذ المخططات الأمريكية في تأجيج الصراع هناك من خلال تقديم دعم لوجستي لأوكرانيا والحيلولة دون التوصل إلى حلول وسطية في هذا النزاع.
ختاماً، تمارس إسرائيل عملية تهجير ممنهج ضد الفلسطينيين وتقوم بارتكاب أبشع الجرائم بحقهم. وهي تستغل انشغال العالم بالحرب الأوكرانية لتضييق الخناق على الشعب الفلسطيني. في الوقت ذاته لا ينبغي التوهم بأنّ هذه الجرائم والأعمال منحصرة في النطاق الجغرافي الفلسطيني وحسب. بل إن التحركات الاستخباراتية أصبحت أعين من الشمس ضد الدول الإقليمية والدول التي كانت تعتبر حليفة لإسرائيل في يوم من الأيام.
باحث السياسة العامة والفلسفة السياسية
كاتب فلسطيني