عن الحرب في أوكرانيا ومسارها ..صادق الشافعي

السبت 08 أكتوبر 2022 02:40 م / بتوقيت القدس +2GMT



-

لا يبدو أن هناك احتمالاً قريباً لانتهاء الحرب في أوكرانيا، بل لا تزال احتمالات تطورها وزيادة اشتعال أوارها هي الغالبة حتى الآن، وبكل ما يرافق ذلك من زيادة في ويلاتها، ومن توسع في الأطراف المنخرطة فيها والمتضررة منها، بصرف النظر عن طبيعة وتعبيرات هذا الانخراط أو التضرر.وأيضاً ما يرافقها من تطور في أدواتها، ومن تزايد في احتمالات اللجوء إلى الأدوات(الأسلحة) المحرمة دولياً حتى ولو بأضعف درجاتها.
ويبدو، مع هذا، أنه من الصعب لدرجة تقترب من الاستحالة اعتراف أي من الطرفين المتحاربين بالهزيمة، حتى ولو جاء هذا الاعتراف بشكل وتعبيرات تبقي الباب مفتوحاً ولو موارباً أمام أي طرف للهروب من هذا الخيار إلى خيار الادعاء بأنه حقق نصراً حتى لو كان منقوصاً أو مجزوءاً أو قابلاً للمماحكة والجدل.
ويبدو أن تطور الأوضاع في ميادين القتال لا يسمح حتى الآن بغير ذلك، ولا أكثر من ذلك، لأن البديل هو حرب لا تبقي ولا تذر، ولا تبقى مقتصرة على أطرافها الحاليين المباشرين أو غير المباشرين.البديل قد يكون الذهاب إلى توسيع دائرة الحرب والقوى والدول المنخرطة فيها بأي شكل ومستوى كان، وإلى اللجوء ربما إلى الأسلحة الأكثر قتلاً وتدميراً، والخوف أن تصل حد اللجوء إلى السلاح النووي حال اشتدت نار الحرب، أو اشتدت معها الحاجة إلى انتصارات حاسمة.
بصرف النظر عن أسباب ودوافع ومبررات وخلفيات القيادة السياسية الروسية وراء بدئها بغزو أوكرانيا، ثم الأهداف المحددة المباشرة التي تريد تحقيقها والمدى الذي تريد الوصول إليه.وبصرف النظر عن أي رؤية أو جدل حول أداء القوات الروسية في أرض المعارك، فإنه يبقى في باب قصر النظر لو أن هذه القيادة الروسية لم تأخذ بحساباتها الاحتمال الأكيد لسبب رئيس من أسباب تدخل الحلف الأطلسي بقضه وقضيضه وبقيادته الأميركية ودوله الأوروبية لنصرة أوكرانيا ونظامها السياسي القائم ووحدة أراضيها، والتصدي لأي احتمال بأن تحقق روسياً نصراً حاسماً.
والمقصود بهذا الاحتمال الأكيد والسبب الذي يجب أن تأخذه روسيا بحساباتها، أن أميركا ودول الأطلسي تستهدف استثمار تدخلها أيضاً في الإنهاء التام للحقيقة التي تكرست بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية، أو حتى ما بقي منها، وهي حقيقة انقسام العالم إلى قطبين متوازيين: القطب الأميركي ومعه دول الأطلسي ودول الغرب عموماً، في مقابل القطب الروسي بالدرجة الأولى والرئيسة حتى ولو انفرط عقد تبعية معظم الأنظمة التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي ومن بعده في الفلك والمسار الروسيين. 
لقد اتخذ التدخل الأميركي ومعه دول الناتو في نصرة أوكرانيا أشكالاً وتعبيرات كثيرة وفي مقدمتها السياسي. ثم في مجالات عديدة أخرى أهمها العسكري الذي تمثل بكرم حاتمي غير محدد بقيود في الكميات والنوعيات، أو في الأسلحة ذات النوعية الخاصة كما في الخبرات والخبراء.
وزاد على ما تقدم إسراعها الملحوظ في توقيع العقوبات الاقتصادية ضد روسيا في أكثر من مجال حيوي ومؤثر. بما في ذلك مجال عملات التبادل التجاري، ومجال الأرصدة النقدية لدى البنوك العالمية الكبرى والقابلة للتداول والدفع والتحويل، وتسهيلات الدفع البنكية والعملات المقبولة في عمليات التبادل التجاري وبالذات في العمليات الكبرى، والأرصدة.
وقام ذلك على أساس رؤية غربية لضعف الحضور البنكي للدولة الروسية، وضعف عملتها في مقابل العملات العالمية المعروفة مثل الدولار واليورو. وكان التقدير أن هذه الإجراءات ستضعف الاقتصاد الروسي بشكل عام، وبما يضعف قدرته على تمويل حملته العسكرية. 
وزيادة على ذلك وفي نفس اتجاه المحاصرة والعزل لروسيا، بادرت الولايات المتحدة إلى تحريك مفاجئ ومفتعل لمسألة تايوان. إن الهدف من وراء ذلك، وفي هذا التوقيت على ما يبدو هو إبقاء الصين منشغلة بالتعامل مع هذه المسألة الوطنية في حال فكرت روسيا واتجهت لتكوين تحالفات تسندها في مواقفها، خصوصاً أن الصين من أوائل الدول التي تتوجه لها روسيا إن لم تكن الأولى نظراً لعلاقات التعاون والتحالف الإيجابية السائدة ين البلدين. 
رغم أن العالم بمعظم دوله تقريباً يتأثر متضرراً بعمق من مفاعيل وتبعات الحرب الدائرة في أوكرانيا وحولها، بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن الضرر يطال بشكل خاص مجالات حيوية عديدة لمواطنيه كالغذاء والطاقة على سبيل المثال. ورغم المخاوف المتزايدة من تفاقم أمور الحرب واتساع دائرتها وأذاها، فإن حركة المجتمع الدولي بدوله ومؤسساته وهيئاته لا تزال بعيدة عن درجة ومستوى التحرك المناسب والمطلوب للحد من خطورة التصعيد المحموم.
ويبدو أن ذلك في أسبابه المقررة يعود إلى سيطرة وتحكم الدول الكبرى بدرجة عالية في مسار - وربما قرارات - هذه الهيئات والمؤسسات، وهي الدول المنغمسة في الحرب بشكل أو آخر.