غزة / القدس العربي / مهند، طفل لا يتجاوز العاشرة من عمره، يحمل بعضا من الحلويات التي اعدتها والدته داخل مطبخها الصغير، ليبيعها لاطفال. عندما سألته: ما الذي يدفعك إلى فعل ذلك؟ قال:’ظروفنا المعيشية الصعبة للغاية. والدي لا يعمل وأمي ربة بيت.. نشترى تفاحا ونصبغه، واقوم ببيعها للاطفال في شوارع غزة’.مهند ليس وحده، فعلى مفارق الطرق وبجوار الاشارات الضوئية يحاصرونك فجأة كالاشباح، لا تتجاوز اعمارهم العشرة اعوام، يستعطفونك ويطرقون زجاج سيارتك لعلك تشتري بضعا مما تحمله ايديهم النحيلة فيما تتساقط دموعهم اذا امتنعت عن الشراء. انهم اطفال الشوارع الذين اصبحوا احدى علامات غزة المحاصرة والممنوعة من الحياة.الحصار الاسرائيلي على قطاع غزة ثم العدوان العسكري والانقسام الفلسطيني دفعت بالكثير من الاطفال الى الشوارع حتى اصبح مشهدا يزداد مع مضي الوقت، و تراه جليا اكثر واكثر في العطلة الصيفية اي اجازة المدارس.. اطفال كثيرون تجدهم عند مفترق الكثير من الطرقات وعند الاشارات الضوئية عند مفترق السرايا والجلاء والوحدة وبين المؤسسات وعند شاطئ بحر غزة.. اطفال تتراوح اعمارهم بين 6 وحتى 16 سنة يجوبون الشوارع بأنواع مختلفة من الحلويات مثل اللبان والشيكولاتة والسجائر والترمس وغيرها علهم يحظون بقوت يومهم.ظاهرة اطفال الشوارع مرتبطة بارتفاع نسبة البطالة وانعدام الدعم الأسري.ونظرا للفقر الشديد والحاجة الملحة وتدهور الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة تفشت تلك الظاهرة بين الاطفال المشردين الذين يزداد انتماؤهم الى اسفلت الشارع، وما يتبعه من ظواهر سلبية اخرى يتأثرون بها كالتدخين والسرقة والتسول والعنف والإجرام بدل قضاء اوقاتهم فى المدارس والتمتع بطفولتهم.يقول: د فضل ابو هين، الاخصائي الاجتماعي والنفسي في غزة: ’ان الظاهرة بدات بالانتشار مع قدوم السلطة الفلسطينية في عام 1994 وما صاحبها من اندثار الطبقة الوسطى في المجتمع الفلسطيني، وازدياد الفقراء فقرا والاغنياء غنى’.ويؤكد ان الظروف الإجتماعية والاقتصادية وانعكاسات التدهور الحاد في مستوى معيشة طبقات سكانية بأكملها انعكست على المجتمع الفلسطيني في صورة تفكك اسري وارتفاع معدل الطلاق مما خلق ظواهر جديدة لم يعرفها المجتمع الفلسطيني من قبل.يقول خالد، تسعة اعوام، من حي الزيتون في مدينة غزة: ’ لقد طلق والدي والدتي وانا ابن سبع سنوات، واجبرني على ترك المدرسة والتسول في الشوارع لاحضار طعام لإخوتي الصغار’.ويضيف: ’كنت اتسول في الاسواق ولم اكن احصل الا على ستة او سبعة شيكلات (دولار ونصف دولار تقريبا) يوميا الى ان نصحني احد الباعة ان اتوقف عن التسول واشترى لي بضاعة.. ومن يومها وانا اداوم في هذا المكان امارس مهنة البيع ومسح زجاج السيارات مما يوفر لي عشرة شيكلات على الاقل يوميا’.ويؤكد خالد انه لا يستطيع ان يعود الى البيت ومعه اقل من الشيكلات العشرة ، لان ذلك يعني له الضرب والاهانة، ويذكر انه لمرات عديدة ظل ينتظر امام الاشارة الضوئية في جو ماطر حتى العاشرة ليلا خوفا من العودة الى والده بأقل من الشيكلات العشرة التى يشترطها.’ومن جانبها قالت جمعية حقوق الطفل في غزة: ان المقصود بعمالة الاطفال هي تشغيلهم تحت السن القانوني الذي نصت عليه المواثيق الدولية او القوانين الخاصة في كل بلد او دولة، مؤكدة ان هذه الظاهرة تزداد حدتها في الدول النامية اكثر من الدول المتقدمة لعدة عوامل اهمها المستوى التعليمي والاقتصادي، اما عن قطاع غزة فأهم اسباب ازدهارها الحصار المفروض على القطاع منذ سنتين تقريبا والذي افقد الالاف من العائلات مصدر رزقها.’ ’وعن نسب العمالة تشير الى ان النسبة تتراوح من 6- 7 ’ حسب دراسات الاحصاء المركزي الفلسطيني لعام 2006 مما يعني ان حوالي57 الف طفل فلسطيني يندرج ضمن اطار عمالة الاطفال، ولكن هذه النسبة سجلت ارتفاعا ملحوظا وكبيرا خلال العامين الماضيين نتيجة الحصار والبطالة والوضع الاقتصادي السيئ. واكدت الجمعية، ان اسباب عمالة الاطفال هي ذاتها في جميع انحاء العالم اذ يعد الوضع الاقتصادي هو العامل الاكثر اهمية وتاثيرا في نسب عمالة الاطفال، الا ان وضع فلسطين مختلف نوعا ما كونها ترزح تحت الاحتلال والحصار والاغلاقات وهي تعتبر احدى الاسباب الرئيسة التي تسبب عمالة الاطفال وتجبرهم على الانخراط في سوق العمل في عمر مبكر جدا، وان ’هناك عدة جوانب لظاهرة عمالة الاطفال في مجتمعنا الفلسطيني فبالاضافة الى الوضع الاقتصادي والسياسي هناك المفاهيم الخاصة المتعلقة برغبة الاب توريث ابنه صنعته التي يعمل بها من جهة وعدم وعي الاهل بضرورة التعليم من جهة اخرى فلا يتركون اطفالهم يكملون دراستهم بل يحبذون قيام الاطفال بمساعدتهم وجلب المال للأسرة’. واشارت ايضا الى اوضاع الاطفال الذين ينخرطون في سوق العمل انه يتم استغلالهم في اغلب الاوقات من قبل ارباب العمل فيدفعون لهم اجورا بسيطة زهاء اعمال كبيرة يقومون بها ولا يحصلون على اية تعويضات او حوافز كالعمال العاديين مستغلين الظروف الاقتصادية والبطالة واضطرار الاطفال الى العمل. كما اكدت ان هذه الظاهرة بين الاطفال قد تتسبب في اضرار كبيرة لهم لان الاطفال الذين يعملون بعمر مبكر لا ينمو جسدهم بشكل سليم خاصة الاطفال الذين يعملون في الاشغال الشاقة والتي تؤثر على اجسامهم في المستقبل اضافة الى تمضيتهم ساعات طويلة في العمل دون اخذ استراحة ياكلون شيئا خلالها. اما على المستوى العاطفي فان الطفل يشعر بحرمان شديد لن يدركه في حينها بحيث لا يكون تطوره العاطفي والوجداني كباقي الاطفال لان الاطفال يكتسبون العاطفة والوجدان من العائلة عن طريق الاهتمام والرعاية ويكتسبها الطفل ايضا من المدرسة ومن زملائه، فيبقى هذا الطفل محصورا في مكان العمل ويفقد الاحاسيس المهمة. ومن المعروف ان الاطفال الذين لا يعيشون مرحلة عمرية معينة وينتقلون الى مرحلة عمرية اخرى قد يصابون بامراض نفسية مثل الاكتئاب او القلق وغيرها من الامراض.