يديعوت أحرونوت - بقلم: آفي يسسخروف رئيس الأركان افيف كوخافي قال أول أمس إن قسماً من الارتفاع في الإرهاب في مناطق الضفة الغربية ينبع من عجز أجهزة الأمن الفلسطينية “الذي يؤدي إلى انعدام حوكمة في مناطق معينة في يهودا والسامرة”. الحق معه. لا شك أن ضعف أجهزة السلطة الفلسطينية بشكل عام يرتبط بارتفاع العنف الذي نشهده في الميدان في الأشهر الأخيرة. لكن كوخافي فضل تجاهل مسألة أكبر بكثير؛ ما أسباب ضعف السلطة الفلسطينية؟ أحد الأجوبة لشدة الأسف، هو إسرائيل.
على مدى سنوات طويلة، عملياً منذ انتخب بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزراء في 2009، تفعل دولة إسرائيل غير قليل لأجل إضعاف السلطة وحركة فتح وتعزيز حماس. غياب مسيرة سياسية، واستمرار البناء في المستوطنات وخطوات غير قليلة أخرى، وأساساً غياب خطوات إسرائيلية أدت إلى فقد السلطة شرعيتها لدى الجمهور الفلسطيني، وبالتوازي فقد رجالها دافعية العمل كي يحبطوا أو يمنعوا العمليات. لا يدور الحديث هنا عن سياسة نتنياهو فقط، فخليفته المؤقت أيضاً نفتالي بينيت وشريكه رئيس الوزراء الآن يئير لبيد، أهملا المسألة الفلسطينية ومحاولة حلها، انطلاقاً من فهم أو إيمان بأنه لا يمكن حل هذا النزاع، بل إدارته فقط. المشكلة الكبيرة الان في ظهور المصاعب الكبرى في إدارة النزاع حين تستيقظ دولة إسرائيل وتكتشف أن السلطة الفلسطينية، شريكتها حتى وقت أخير مضى في المسيرة السياسية، باتت تستصعب أداء مهامها في أجزاء واسعة من الضفة.
معنى هذا الأمر هو ارتفاع دراماتيكي في العنف ضد قوات الجيش الإسرائيلي والمواطنين الإسرائيليين. من يقف أمام دولة إسرائيل، الجيش والشاباك الإسرائيلي، ليس تنظيماً على نمط حماس في غزة أو “حزب الله” في الشمال، بل شبان محبطون، مسلحون ملوا الاحتلال الإسرائيلي من جهة، والسلطة من جهة أخرى. فقد ملوا القيادة الحالية الفلسطينية وتعبوا من الاحتلال. ليس لهم أفق سياسي، وليس لكثيرين منهم أفق اقتصادي. هنا تكمن المشكلة الكبرى على ما يبدو.
لو كان مئات الشبان المسلحين يعملون تحت قيادة تنظيم إرهابي مرتب، مع مراتبية واضحة وسلسلة قيادة لسهُل على إسرائيل العمل ضده، وعلى أي حال، كانت إسرائيل ستعثر على “رأس الأفعى” فتحيده. في هذا الوضع، كنا سنشهد أيضاً على ما يبدو نشاطاً مكثفاً في السلطة ضد شبكات حماس في الضفة. غير أن السلطة لا تعمل ضد شبان كثير منهم كانوا في الماضي جزءاً من حركة فتح، بل إن لبعضهم أهلاً في أجهزة الأمن وليس لهم انتماء تنظيمي. وهم يحظون بدعم شعبي للجمهور ولا يشكلون تهديداً حقيقياً على السلطة (بخلاف حماس مثلاً). النار التي يطلقها أولئك المخربون على قوات الجيش الإسرائيلي عند الدخول لإجراء الاعتقالات أو العمليات التي ينفذونها تولد غالباً في مبادرة محلية وشبه عفوية. حالة الأب والابن وابن العم في العملية في منطقة الغور ليست سوى مثال على ذلك. في حالات معينة في جنين، وإن كان الجهاد الإسلامي يحاول بل وينجح جزئياً في تشجيع المسلحين مالياً على تنفيذ العمليات ضد إسرائيل. في مدينة جنين مثلاً، يتلقى قسم من المسلحين الفلسطينيين مساعدة تقدر بنحو 100 – 350 شيكل لهذا الهدف، وهذا مال إيراني بكل معنى الكلمة. لكن إيران ليست المحرك لهذا الميل، بل الدوافع لدى الشبان والرغبة في التغيير.
لا شك أن قسماً من مشاكل الحوكمة لدى السلطة تنبع من مواضيع داخلية لا ترتبط بإسرائيل. القيادة وعلى رأسها محمود عباس (أبو مازن) تعتبر اليوم فاسدة، عفنة، كريهة وعديمة القدرة على أداء المهام في نظر معظم الجمهور في الضفة. كما أن أبو مازن لا يعتزم أن يصبح صهيونياً متحمساً قريباً، وسيواصل قوله البائس بالنسبة للكارثة. المشكلة هي أن دولة إسرائيل ليس لها بديل عن عباس والسلطة الفلسطينية في هذه اللحظة. بمعنى أن انصراف أبو مازن أو تفكك السلطة من شأنهما أن يؤديا إلى واقع عنيف حتى أكثر من ذاك الذي نشهده مؤخراً.
“الرئيس”، الذي يراه كثيرون في الجانب الإسرائيلي عدواً هو أحد الزعماء الفلسطينيين الوحيدين الذين يعارضون العنف أو الإرهاب بكل حزم. في الماضي، أحبطت أجهزة الأمن الفلسطينية مئات العمليات، وكثيرون في الجانب الإسرائيلي مدينون لأبو مازن ورجاله بحياتهم. أعمال الإحباط التي تقوم بها السلطة ضعفت جداً، ولكنها، لشدة العجب، لا تزال متواصلة. لكن إذا ما استمرت إسرائيل في التعامل مع أبو مازن كعدو وليس كشريك، فسيتوقف هذا النشاط.
ينبغي أن نصوغ هذا بشكل مختلف بعض الشيء. للسلطة بديل، وهو احتلال إسرائيلي كامل، ليس جزئياً يعتمد على السلطة ويسمح لنا بالجلوس خارج مدن الضفة وألا ندير حياة ملايين الفلسطينيين، بل احتلال معناه وجود عسكري في قلب المدن وسيطرة كاملة على 2.8 مليون فلسطيني في الضفة الغربية، على كل ما ينطوي عليه ذلك. وهذا أمر لا يريده أي زعيم في إسرائيل، لا لبيد ولا حتى نتنياهو الذي كانت تحت تصرفه 12 سنة ليتخلص من السلطة، لكنه امتنع عن ذلك.
صحيح أن نتنياهو فعل غير قليل كي يعزز حماس، لكنه كان حكيماً بما يكفي لمنع كل ما يؤدي إلى انهيار السلطة، وكانت له على ما يبدو أسباب وجيهة لذلك.